بيروت (رويترز) - ينجرف لبنان بشدة نحو هوة أزمة عميقة، ويلاحقه الفشل في كل خطوة يخطوها لمداواة جروح عملته المنهارة والإفلات من انهيار مالي أوسع، فيما يشعل المخاوف بشأن استقراره.
وتراجعت آمال الخلاص، عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في ظل حكومة إما أنها غير راغبة أو عاجزة عن سن الإصلاحات، تعرقلها أجندات متضاربة لزعماء طوائف لا يريدون التنازل عن سلطة أو التخلي عن امتياز.
وفي الوقت الذي يعيش فيه لبنان واحدة من أحلك اللحظات منذ الاستقلال عام 1943، ستكون الخيارات التي يتبناها الطرف الأهم بحسابات موازين القوى، وهو جماعة حزب الله المدعومة من إيران، حاسمة في رسم خارطة مستقبل الأحداث.
استمرار الجمود، وتسارع الانهيار
تتصاعد المطالب باستقالة رئيس الوزراء حسان دياب، لكن حزب الله يرى أن الإبقاء عليه هو أقل الخيارات سوءا، على اعتقاد بأن أي تغيير سيُنظر إليه على أنه هزيمة سياسية ويفتح الطريق أمام فراغ حكومي طويل. لكنه عاجز عن تنفيذ الإصلاحات أو تحقيق التقدم على مسار صندوق النقد الدولي.
وفي ظل غياب الدعم الخارجي، تتعمق جروح الليرة، لتفقد 80 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر تشرين الأول. ولا يزال نزيف احتياطيات مصرف لبنان المركزي مستمرا. وبدأ تضخم جامح على غرار ما حدث في فنزويلا. وزادت الاضطرابات الاجتماعية وانتشرت الجريمة.
يدفع التدهور التدريجي في الأوضاع الأمنية الأحزاب الطائفية إلى تطبيق القانون وفرض النظام بنفسها، في ردة إلى زمن الحرب الأهلية التي درات من 1975 حتى 1990 وقسمت لبنان إلى دويلات طائفية.
وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيجي للشرق الأوسط في إشارة إلى احتمال قيام جماعات بتسيير دوريات في الأحياء "إذا استمرت اتجاهات انخفاض العملة الحالية فستظهر في غضون أسابيع العلامات الأولى على الحماية الذاتية".
ويؤدي تدني قيم الأجور والمرتبات العامة إلى تقويض قدرة قوات الأمن التابعة للدولة على توفير الأمن.
وبعد أن تجاهله الغرب، يتطلع دياب نحو الشرق وهو النهج الذي يدعو إليه حزب الله.
يسعى دياب لاستثمارات صينية، إلا أن بكين لم تقدم أي شكل من أشكال الإنقاذ المالي. وفي مسعاه لتعزيز التجارة، ربما يقدم على تطبيع العلاقات مع سوريا، ليقرب لبنان أكثر من فلك إيران ويعمق عزلته.
بدء إصلاحات حكومية، وتباطؤ الانهيار
في إطار هذا التصور، تعطي النخبة الطائفية المتطلعة بشدة لوقف انهيار العملة الضوء الأخضر للحكومة، غير الفعالة حتى الآن، لتنفيذ بعض الإصلاحات. وتكثف الدول الغربية بقيادة فرنسا الضغوط من أجل التغيير.
ويعتمد حزب الله، الذي يستشعر العواقب السياسية لانهيار الليرة، على الجماعات الأخرى لتنفيذ بعض من هذه التغييرات.
مسار أكثر جدية في محادثات صندوق النقد الدولي
إن أي مؤشرات على الإصلاح قد تدر بعض المساعدات، خاصة من أوروبا، التي يساورها القلق من احتمال انهيار دولة عربية أخرى على أعتاب القارة وتوافد موجات جديدة من اللاجئين على شواطئها الجنوبية.
لكن استمرار نفوذ حزب الله سيحد من حجم الدعم القادم. وستبتعد بوضوح عن المشهد دول الخليج العربية إذ ترغب في تقليم أظافر حزب الله في ضوء بواعث قلق ذاتية ونصائح من الولايات المتحدة.
وقال نبيل بومنصف، نائب رئيس تحرير صحيفة النهار، "إذا في قرار دولي إنه ما يسمحوا للبنان أن يروح على الكارثة الكبرى الآن بدأ اختباره".
انهيار يسفر عن حكومة جديدة بنهج جديد
في مواجهة كلفة الانهيار، تتفق النخبة السياسية بما فيها حزب الله على نهج جديد لحكومة تقدم على إصلاحات وتتخذ خطوات تبدد مخاوف الولايات المتحدة ودول الخليج العربية من حزب الله.
توافق الجماعة على الابتعاد عن صدارة المشهد فيما يتعلق بإدارة شؤون الدولة، وعلى تشكيل حكومة يمكنها كسب التأييد الدولي على نطاق واسع.
يبدو هذا السيناريو مستبعدا في الوقت الراهن.
وقال بومنصف :يجب أن يكون هناك تنازل.. إذا حزب الله رأى أن الحريق الكبير سيؤذيه كثيرا وسيجوع ناسه وجمهوره مثلما سيجوع الآخرون.. وهذا سيدخل البلد إلى واقع لا يريده... ربما إلى أماكن لم يعمل لها حساب، ساعتئذ (عندئذ) ممكن يقتنع بالتنازل ولكن حتى الآن لا أرى أنه وصل إلى هذا المستوى من رؤية الأخطار".