رام الله-(الحياة الجديدة)-أيهم أبو غوش: أظهرت بيانات صادرة عن سلطة النقد أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في قيمة الشيكات المرتجعة رغم ازدياد إقبال الفلسطينيين على الشيكات كثاني أداة دفع مالي بعد النقود.
فقد بلغت قيمة الشيكات المتداولة في فلسطين منذ مطلع العام الجاري حتى تشرين الثاني الماضي أي خلال 11 شهرًا نحو 19.7 مليار دولار، مقارنة مع 16 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي أي بزيادة قيمتها 3.7 مليارات دولار وبنسبة 20% تقريبًا على أساس سنوي.
وتمثل الأرقام المسجّلة سلوكًا ماليًا معاكسًا لتوجهات سلطة النقد التي تدفع باتجاه الاعتماد على أدوات دفع مالية إلكترونية كبديل عن الشيك.
ورغم تزايد إقبال الفلسطينيين على تداول الشيكات إلا أن الشيكات المرتجعة انخفضت، لتصل قيمتها إلى نحو 1.38 مليار دولار مع نهاية تشرين الماضي بينما كانت وصلت إلى 1.9 مليار دولار مع نهاية تشرين الثاني من العام الماضي أي أن هناك تراجعًا قيمته 520 مليون دولار مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي بنسبة وصلت إلى 28% على أساس سنوي.
ووصلت قيمة الشيكات المرتجعة مع نهاية العام الماضي إلى نحو 2.1 مليار دولار، في انتظار صدور بيانات شهر كانون الأول الجاري، لتتضح الصورة الكلية في الفارق بين عامي 2020 و2021. وتشير هذه الأرقام إلى تحسن ملحوظ في قيمة الشيكات المرتجعة، وكذلك تزايد في الإقبال على تداول الشيكات، رغم خطوات تبذلها سلطة النقد مؤخرًا لتقليل الاعتماد على الشيكات كأداة دفع مالي، لصالح أدوات مالية أخرى مثل الدفع الإلكتروني.
يذكر أن هناك 5 أسباب تدخل الشيك في تصنيف "الشيك المعاد"وهي: عدم كفاية الرصيد، ورصيد الساحب محجوز لأسباب قانونية، ووجود أكثر من تاريخ على الشيك، والتصحيح على التعديل لحاجة لتوقيع، واختلاف التوقيع.
وتصنف الشيكات المتداولة في فلسطين إلى ثلاثة أصناف، الأول هو الشيكات بين المصارف العاملة في فلسطين، والثاني هو المصارف وفروعه، والثالث هو "أخرى" تتمثل غالبًا بالشيكات المقدمة للتقاص بين بنوك عاملة في فلسطين وأخرى في إسرائيل.
ورغم عدم وجود أرقام واضحة حول نسبة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد من المجموع الكلي للشيكات المعادة، غير أنه يمكن الاستدلال على ذلك من أرقام العام الماضي، إذ إن الشيكات المعادة على صعيد البنوك العاملة في فلسطين وصلت إلى 1.63 مليار دولار منها 999 مليون دولار لعدم كفاية الرصيد أي بنسبة 61% من مجمل الشيكات المعادة.
بينما وصلت قيمة الشيكات المعادة بين البنوك العاملة في فلسطين خلال 11 شهرًا هذا العام إلى نحو 1.1 مليار دولارمنها 775 مليون دولار لعدم كفاية الرصيد أي بنسبة 70% من مجمل الشيكات المرتجعة بين البنوك العاملة في فلسطين.
ولهذا يمكن القول إنه من كل 100 دولار معادة في الشيكات فإن 60-70 دولارًا منها أعيدت لعدم كفاية الرصيد.
ما هو نظام تصنيف العميل؟
وبهدف تخفيض قيمة وعدد الشيكات المعادة، اتخذت سلطة النقد عدة إجراءات، من بينها اعتماد تصنيف للعميل حسب التزامه بتسديد الشيكات التي يمنحها، فأعلى تصنيف هو (A)، ويعني أنه عميل جيد أو مؤهل من جديد، أما تصنيف (B) فيعني أن العميل معاد له 5 شيكات فما دون إذ بإمكانه الحصول على دفتر شيكات بشكل محدود ويستمر الإفصاح عن بيانات ما دون 5 شيكات لمدة عامين. أما تصنيف (C) فيعني أن العميل متعثر أي معاد له ما بين 6-15 شيكا، وهذا يصنف إلى صنفين، الأول هو أن يقوم بتسديد هذه الشيكات خلال 12 يوم عمل فينتقل فورا إلى تصنيف (E)، وإذا قام بالتسديد خلال العام ينتقل إلى تصنيف (E) بعد مضي عام اعتبارا من آخر شيك تمت إعادته، والثاني هو عدم التسديد خلال 12 يوم عمل إذ ينتقل العميل إلى قائمة الممنوعين من التعامل مع الشيكات ويبقى في القائمة لمدة عامين، ويستمر الإفصاح عن البيانات لمدة خمس سنوات. أما تصنيف (D) فهو عبارة عن عميل متعثر معاد له أكثر من 15 شيكا، وفي حال التسديد خلال العام ينتقل إلى تصنيف (E) بعد مضي عام من تاريخ إعادة آخر شيك ولا يتمتع هذا التصنيف بالامتيازات الممنوحة لتصنيف (C)، أما في حالة عدم التسديد خلال عام ينتقل إلى قائمة الممنوعين من التعامل مع الشيكات ويبقى في القائمة لمدة ثلاثة أعوام ويستمر الإفصاح عن البيانات لمدة 6 أعوام.
أما تصنيف (E)، فتحتوي هذه القائمة على العملاء الذين قاموا بتسديد قيمة شيكاتهم المعادة خلال الفترات الزمنية المنصوص عليها، ويعتبرون مؤهلين للحصول على دفاتر شيكات، إلا أن ذلك يعتمد على قرار المصرف، ويستمر الإفصاح عن البيانات لمدة عامين.
وتدرس سلطة النقد تشديد معايير هذا التصنيف، بتقليل عدد الشيكات المعادة لإدخال العميل في تصنيف أسوأ.
ويتضح مما سبق أيضا أن سلطة النقد قدمت إجراءات تحفيزية لتفادي التصنيف، مثل أن تسديد الشيك أو الشيكات خلال 12 يوم عمل من تاريخ الإعادة يعتبرها مسددة وتستثنى من تعداد الشيكات وفقا لغايات التصنيف، وذلك لأصحاب التصنيفات (B-C). كما أن تسديد قيمة الشيك أو الشيكات المعادة قبل مرور فترة عام من تاريخ إعادة آخر شيك يحول تصنيف العميل إلى E))، ويتفادى العملاء المصنفون (C-D) التحول إلى درجة المشع.
كما اعتمدت سلطة النقد ما يسمى "التسويات الرضائية"، وهو نظام يعمل على تعديل تصنيف العملاء المعاد لهم الشيكات على حساباتهم على نظام الشيكات المعادة وفق آلية عمل محددة تقوم بمعالجة هذه الشيكات وتعديل تصنيف العملاء ومنحهم فرصة أخرى لإعادة التعامل بالشيكات وذلك بهدف منح العملاء الجيدين فرصة إضافية لمعاودة التعامل بالشيكات، وكذلك حماية حقوق المستفيدين من الشيكات، وتوفير الوقت والجهد للعملاء عند تقديم طلب التسوية الرضائية لتعديل تصنيفهم على نظام الشيكات المعادة.
ويشترط لإجراء التسوية الرضائية هو أن تتم التسوية على كامل الشيكات المعادة وليس على جزء منها، وكذلك توقيع العميل على طلب التسوية الرضائية وإقرار التعهد بإخلاء مسؤولية سلطة النقد والمصرف، وكذلك استيفاء رسوم بقيمة 50 شيقلا عن كل شيك معاد، بالإضافة إلى الاحتفاظ بطلب التسوية الرضائية المقدمة من قبل العميل.
ويسمح للشركات والمؤسسات إجراء ثلاث تسويات رضائية خلال العام شريطة مرور أربعة أشهر على مرور التسوية أما الأفراد فيسمح لهم بإجراء تسوتين خلال العام شريطة مرور ستة أشهر على تاريخ تنفيذ التسوية الأولى.
ولتقليل الاعتماد على الشيكات التي تعتبر ثاني أداة دفع مالي من حيث الاستخدام في فلسطين بعد النقود، أطلقت سلطة النقد المقاصة الإلكترونية العام الماضي لخفض مخاطر التسوية بين المصارف العاملة في فلسطين، وخفض فترة النقد العائم من خلال خفض فترة التقاص، وكذك إمكانية توفير أدوات تكنولوجية مختلفة لإيداع الشيكات وتقليل دورة التقاص إلى يومي عمل بدلا من 3 أيام عمل بالمعدل.
عدة خطوات لتخفيض الشيكات المعادة
تترك الشيكات المترجعة آثارا سلبية على الاقتصاد من خلال تأخير عمليات النمو، وكذلك تزيد من فرص الاحتيال والمخاطر الاجتماعية.
لذلك تقوم سلطة النقد حاليا بدراسة مجموعة من المحددات الجديدة بخصوص تداول الشيكات، منها وقف "تظهير الشيك" لغير المستفيد الأول، وكذلك تحديد سقف قيمة الشيك، والوفاء الجزئي للشيك أي في حالة إيداع شيك في حساب عميل ولم يكن المبلغ كافيا لصرف قيمة الشيك، يقوم البنك بصرف ما هو متوفر في الحساب ثم يصنف ما تبقى من قيمة الشيك ضمن الشيكات المعادة، بالإضافة إلى دراسة تكلفة استخدام الشيك بشكل تدريجي.
كما أن سلطة النقد تدرس عدة خطوات لتعزيز استخدام وسائل الدفع البديلة وخفض عمولات التحويل الإلكتروني، وتحفيز استخدام بطاقات السداد الآجل للمشتريات، ورفع كلفة استخدام الشيكات.
أسباب ارتفاع قيمة الشيكات هذا العام
وأشار الخبير الاقتصادي ثابت أبو الروس إلى أن الارتفاع في قيمة تبادلات الشيكات جاء كون أن فترة القياس تمت بناء على الـ11 شهرًا الماضية خلال العام الجاري مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، مشيرًا إلى أن هذا الارتفاع متوقع كون أن العام 2020 شهد انكماشًا اقتصاديًا كبيرا تأثرا بإجراءات الطوارئ في جائحة كورونا، بينما شهد العام الجاري استقرارا اقتصاديا على المستويين المحلي والعالمي.
يذكر أن الاقتصاد الفلسطيني سجّل انكماشا نسبته نحو11.5% خلال العام الماضي مع توقعات بتحقيق نمو خلال هذا العام.
وبين أبو الروس أنه لا يمكن إغفال السيولة المتأتية من الجانب الإسرائيلي نتيجة العمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، مشيرا إلى أن هناك 138 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل الخط الأخضر وهؤلاء يضخون السيولة النقدية في مناطق السلطة الوطنية.
وأضاف "هناك حالة من دوران العجلة الاقتصادية بسبب السيولة النقدية المتوفرة نتيجة العمالة الفلسطينية في إسرائيل".
وفي تعليقه على تراجع نسبة الشيكات المعادة، أوضح أبو الروس أن المتابع لحالة السوق حاليا يلاحظ توجه التجار والموردين للحصول على شيكات لفترات قصيرة لضمان تسديدها، مشيرًا إلى أن الموردين حاليا يميلون إلى التعامل مع الزبائن الذين لديهم قدرات للدفع نقدًا أو شبه نقد عن طريق شيكات قصيرة الأجل، لذلك لم يعد هؤلاء يعتمدون على الشيكات البعيدة وإنما القصيرة منها والتي تصل إلى فترة 3 أشهر فقط.
أما فيما يتعلق بسياسة سلطة النقد الداعمة للتوجه نحو أدوات الدفع الإلكتروني، فأوضح أبو الروس أن هذه السياسة ما زالت حديثة النشأة وحجم التبادلات بأدوات الدفع الإلكتروني ما زال قليلا جدًا مقارنة مع تبادل الشيكات التي ما زالت تحظى بثقة مجتمعية أعلى.