رام الله-أخبار المال والأعمال-(وسام عواشرة – مجموعة السلام الاستشارية):
يتنبّأ الخبراء الاقتصاديون أنّ التمويلات النقدية ستُضخّ بفوائد متدنية (مقتربة من الصفر) خلال السنوات الثلاث المقبلة. وحسب هؤلاء، فإن ضرورة الإنعاش الاقتصادي والتخوف من الإفلاس يدفعان مخططي السياسات النقدية نحو التيسير والإعفاءات وتمديد فترة السماح خلال السنوات المقبلة. وبالتالي، فإنّ إنعاش الاقتصاد بحاجة إلى تمويلات بفوائد رمزية لتُضخّ في الشركات من المصارف التجارية. وعلى الصعيد المحلي، يعاني الاقتصاد الفلسطيني من معضلة الشيكات المرتجعة، وفي ظل تدهور الأحوال الاقتصادية بسبب تفشي فيروس كورونا، صرحت سلطة النقد الفلسطينية أن قيمة الشيكات المرتجعة في المصارف الفلسطينية صعدت إلى 35% مقارنة بحوالي 10% في نفس الفترة من العام الماضي.
لا شك أن بعض الإجراءات التي اتخذتها سلطة النقد أثرت بفعالية وأسهمت في التخفيف من حدة هذه الأزمة على الشعب الفلسطيني، إلا أن بعض الإجراءات المتعلقة بالشيكات تحديدًا، بحاجة إلى تطوير، والعمل على تجزئتها وابتكار حلول تتناسب مع كافة فئات الشعب، لكي لا تظلم فئة كبيرة منها. هذا مع الإشارة إلى أن الجهات المسؤولة تعمل بلا كلل لإيجاد حلول تتناسب الوضع الكارثي الذي حل علينا بسبب كورونا.
إن أغلبية الشيكات المصدّرة ثمنٌ لسلع وخدمات قد اشتراها، وربما استهلكها، الأخوة المواطنون، وتصب في حسابات مواطنين آخرين، والأسوأ في الموضوع أن رجوعها كفيل بشل عجلة الاقتصاد ككل، وذلك ليس في صالح أحد. لذلك، لا بد من سداد هذا الدين وبأسرع وقت ممكن. في الوقت ذاته، يُستنزف الشعب ماديًّا، موظفون وعمال وتجار وشركات، ولا نستطيع هنا إنكار أن التدهور الاقتصادي الذي يحدث سيضطر الكثير من المواطنين الملتزمين تاريخيًا إلى إعادة شيكاتهم لعدم قدرتهم على السداد.
أودّ هنا طرح بعض الحلول المصرفية مدروسة المخاطر التي أراها قابلة للتطبيق، وقد تساهم في تقليص الأثر الاجتماعي والاقتصادي من معضلة الشيكات المرتجعة في هذه المرحلة الصعبة، وهي:
أولًا: منح الموظفين تسهيلات جاري مدين (أو مرابحة إسلامية) بسقف أربعة أضعاف الراتب الشهري، ويقدر دخل العمال بالمياومة 2000 شيقل شهري. يتم تجزئتها على مرحلتين ضعفي الراتب في المرحلة الأولى، وكذلك في المرحلة الثانية، لتجنب إصدار شيكات جديدة. وتخصص هذه السقوف لسحب الشيكات المستحقة في حالة الطوارئ (والمرحّلة التي تليها) و التي هي أساس الأزمة الحالية، وهي ليست للسحب النقدي. وتحتسب الفائدة أو المرابحة على المبالغ المكشوفة بالطبع. وأقترح أن تُمنح هذه التسهيلات بفائدة أو نسبة مرابحة رمزية لأول أربعة شهور، وتتم زيادتها في الثلث الأخير من العام. فبذلك نتيح فرصة لتحصيل الشيكات، ومن لديه الملاءة المالية لسدادها لن يستغل التسهيلات لتجنب الفوائد.
ثانيًا: منح التجار والشركات زيادة بنسبة 25% على الأقل لسقف الجاري مدين لتعزيز قدرتهم على سداد التزاماتهم والنهوض بأعمالهم، إضافة إلى منح التجار غير الحاصلين على تسهيلات، سقوفًا جديدة بفائدة مخفضة. أما بالنسبة إلى الفوائد المحتسبة، فيجب تخفيضها على السقوف القائمة والجديدة لتقليص الخسائر المتراكمة وبأثر رجعي منذ بداية الأزمة.
ثالثًا: تمديد إعفاء كافة عملاء البنوك من رسوم الشيكات المرتجعة، الموصى به من سلطة النقد خلال فترة الطوارئ حتى نهاية العام، والبالغة 60 شيقلًا لكل شيك مرتجع. والإعفاء من ذلك المبلغ ليس محفزًا لإعادة الشيكات، بل آلية للتخفيف عن المواطنين.
رابعًا: العمل على تعديل التصنيفات الائتمانية للمواطنين بشكل استثنائي للمرحلة. وأقترح تعديل تصنيف (A)، أي العميل الذي لم يرتجع له أي شيك إلى تصنيف مميز، مثل A+ وتتاح له تسهيلات استثنائية، على أن تُعدّل التصنيفات الأخرى بزيادة عدد الشيكات المرتجعة (8 شيكات بدل 5) للمصنفين (B)، أو أن تصنيف (B) الذي يتضمن 5 شيكات مرتجعة فأقل يصبح (A)
خامسًا: الأخذ ببيانات وتصنيفات العام 2019 لمنح تسهيلات جديدة للعملاء، إذ إنها تعكس تاريخ العملاء الصحيح، وليس في حالة التخبط الاستثنائية. ويمكن اعتماد تصنيفات المواطنين الائتمانية التاريخية كأوراق ثبوتية تدعمهم أمام الجهات القضائية لتخفف عنهم في حال وصلت أمورهم إلى القضاء لا قدر الله.
سادسًا: تخفيض الفوائد (أو نسبة المرابحة) ليس على التسهيلات الجديدة فحسب، بل على التسهيلات القائمة التي تتجاوز 8 مليارات دولار، وهي الأهم، إذ إن سعر الفائدة العالمي وصل تقريبًا إلى الصفر، وذلك حق لكل مقترض. فمثلًا "مواطن اقترض لشراء منزل بقيمة 150 ألف دولار على نسبة فائدة 5.5% على مدة زمنية 25 عامًا، يصبح قسطه الشهري 670 دولارًا تقريبًا بدلًا من 920 دولارًا إذا افترضنا أن الفائدة انخفضت إلى 2.5%. فالمبلغ الناتج عن الفرق والمقدر بـ 250 دولارًا سيصب، غالبًا، في تدوير عجلة الاقتصاد، إن لم يكن من خلال زيادة القدرة الشرائية للفرد فسيكون بزيادة قدرته على الالتزام بشيكاته، أو على التكاتف الاجتماعي مع إخوانه في المجتمع.
سابعًا: طرح فترة تأجيل أقساط لمعظم القروض القائمة والمدعمة بضمانات (منازل، وأراضي، ومركبات) تحديداً للقروض التجارية والسكنية منها، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيّر في قيمة الضمانات بعد تخفيض الفوائد، بما يتناسب مع الهبوط العالمي لسعر الفائدة. فبذلك يكون الحل مساندًا للمواطنين وليس مجحفًا بتراكم فوائد مرتفعة تسبب لهم استنزافًا طويل الأمد. فتأجيل الأقساط سيبقى آمنًا ومربحًا للبنوك، وسيتيح للمواطنين قدرة أعلى على الالتزام بدفعاتهم الطارئة من شيكات والتزامات أخرى.
ثامنًا: أوصي بتمديد إجراءات سلطة النقد بتخفيض الشيكات الممنوحة للعملاء خاصة الأفراد الى أدنى مستوى ممكن حتى نهاية العام، وأقترح أن يتم طباعة كافة الشيكات من الآن فصاعداً للمستفيد الأول فقط، وذلك للحد من تعقيداتها الاجتماعية والاقتصادية.
تاسعًا: تمديد قرار سلطة النقد بإعفاء كافة فئات الشعب من كافة العمولات المتعلقة بإعادة الجدولة، أو منح تسهيلات من قروض واعتمادات وسقوف تمويلات حتى نهاية العام.
عاشرًا والأهم: أشدد على أن تطبيق الحلول يجب أن يكون بمخاطرة مدروسة، وهنا أعني أثرها على الودائع، التي هي أيضًا ملكًا للمواطنين. وبهدف توزيع الأحمال وتقليل المخاطر، أقترح أن تكون برامج التسهيلات المصرفية لسداد الشيكات بضمان الحكومة الفلسطينية. ومن يتعثر في سدادها على المدى البعيد يعمم على الدوائر القانونية المعنية لعدم استكمال خدماته الحكومية.
لقد لوحظ ارتفاع الديون السيادية لدى معظم دول العالم جراء تبعات جائحة كورونا الاقتصادية، ومحاولة دعم القطاعات والنشاطات الاقتصادية التي ضربها الإغلاق عبر إتاحة التمويل الرخيص، وكذلك مساعدة المستهلك على الإنفاق الاستهلاكي، وتعزيز القوة الشرائية التي تمثل الركيزة الأساسية في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. فلا ريب في تدخل حكومي لضمان في هذه الحالة الاستثنائية واتخاذ خطوات جريئة لإنقاذ الموقف.
قد يعتبر العديد من الخبراء المصرفيين هذه المقترحات عالية المخاطرة، ولكن لا نستطيع أن ننكر أن هذه الجائحة أرهقت معظم فئات الشعب، وإن لم نجد حلولًا متكاملة لمعضلة الشيكات أولًا، وضخ السيولة ثانيًا، فسنشهد كارثة اجتماعية غير مسبوقة، لا سيما أن القطاع المصرفي هو سندنا الأمثل لمواجهة الأزمة. كما أن تخفيض الفوائد على محافظ التسهيلات قد يصاحبه تخفيض على محافظ الودائع بقرار استثنائي لدعم البنوك، كما أن برامج التسهيلات بهدف سداد الشيكات سيجني إيرادات جديدة للبنوك. وأرى أن من إيجابيات الحلول التخفيف من فائض عملة الشيقل الذي لطالما عانت منه البنوك، خاصة أن المحافظ الاستثمارية في السندات والأسهم الخارجية أصبحت أكثر مخاطرة من محافظ التسهيلات المحلية.
وفي الختام، إن الانهيار الاقتصادي المحتمل لا قدر الله قاب قوسين أو أدنى، وللحد من سوداوية الموقف، يجب أن نتكاتف ونعطي ما نملك من أفكار وحلول، لعلها تكون لنا مخرجًا من هذه الأزمة. وأتمنى ألا يتم تقييم هذه المقترحات من منظور مصرفي فحسب، بل يؤخذ بأبعادها الإيجابية على السلم الأهلي ودوران عجلة الاقتصاد والحد من البطالة وتقليص رقعة الفقر.