دبي/لندن (رويترز)-قد تكون إيران حليفة روسيا في الحرب السورية لكن حين يتعلق الأمر بالنفط، فإن السعودية العدو اللدود لطهران تحظى بالأولوية إذا كان لنا أن نحتكم إلى اجتماع أوبك في فيينا الأسبوع الماضي.
ضغطت إيران بشدة على منتجي النفط للإبقاء على الإنتاج مستقرا في الوقت الذي من المتوقع فيه أن تؤثر العقوبات الأمريكية سلبا على صادراتها، مما يعني أن طهران لن تحرز سوى القليل من المكاسب من زيادات إنتاج أوبك التي ستخفض أسعار النفط وتقلص إيراداتها.
لكن كان للسعودية وروسيا رأي آخر. فبحسب ثلاثة مصادر قريبة من أوبك وروسيا فإن أكبر مصدرين للنفط في العالم اتفقا في مايو أيار على العمل على نحو وثيق لترتيب زيادة كبيرة في إنتاج النفط، وإن اختلفت دوافع كل منهما.
وما جرى في فيينا كان أحدث مثال على الكيفية التي نحت بها روسيا والسعودية أوبك جانبا على نحو فعال، وقادتا سياسة الإنتاج من أجل أهدافهما الجيوسياسية الخاصة، وفي حالة السعودية غالبا ما كان ذلك بناء على طلب من الولايات المتحدة.
ودون أن تغفلا عن أهدافهما النهائية، اقترحت روسيا في البداية أن يزيد إنتاج دول أوبك وحلفاء المنظمة من خارجها، مثل موسكو نفسها، 1.5 مليون برميل يوميا اعتبارا من يوليو تموز. وقالت المصادر الثلاثة لرويترز إن خطتهما كان تقضي بأن تقترح السعودية بعد ذلك زيادة أكثر تواضعا تقل عن مليون برميل يوميا على أمل أن يكون هذا مقبولا من جانب إيران.
والسعودية حريصة على زيادة الإنتاج استجابة لدعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستهلكين كبار مثل الهند والصين للمساعدة في تهدئة سوق النفط وتفادي حدوث نقص في الإمدادات وفقا لمسؤولين سعوديين من بينهم وزير الطاقة خالد الفالح.
في غضون ذلك تتعرض موسكو لضغوط من شركات الطاقة الروسية لرفع القيود عن الإنتاج ومواجهة زيادة كبيرة في أسعار الوقود المحلية وهو ما يؤثر سلبا على شعبية الرئيس فلاديمير بوتين وفقا لمصدرين بقطاع النفط الروسي.
وفي النهاية، دفعت السعودية باتجاه زيادة بمقدار مليون برميل يوميا في اجتماع فيينا، بما يتماشى مع الخطة التي اتفقت عليها مع موسكو قبل ما يزيد على شهر.
وبينما كان دافع روسيا يرجع لأسباب محلية في الأساس، فإن النتيجة أفادت ترامب للمساعدة في خفض أسعار الوقود المحلية قبل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية.
لي الذراع
كانت أوبك، المنظمة التي أوقدت شرارة صدمة نفطية في 1973 بتقييدها الإمدادات للدول الداعمة لإسرائيل في حرب ذلك العام، تتحكم ذات يوم فيما بين 40 و50 بالمئة من إمدادات النفط العالمية وتهيمن على كامل اهتمام الأسواق.
وحاليا تنتج أوبك ثلث النفط العالمي، بينما تضخ السعودية وروسيا غير العضو بالمنظمة والولايات المتحدة أكثر من ذلك. وبالإضافة إلى هذا، فإن حصتهم من السوق العالمية تتجه للارتفاع، مما يعطي الدول الثلاث تأثيرا أكبر على العوامل الجيوسياسية للنفط.
وفي مسعى لإنعاش أسعار الخام بعد أن انخفضت إلى 27 دولارا للبرميل في 2016، أبرمت أوبك وحلفاؤها اتفاقا لخفض إنتاج النفط 1.8 مليون برميل يوميا منذ بداية 2017. أعاد الاتفاق التوازن للسوق وزاد أسعار النفط إلى نحو 75 دولارا للبرميل.
لكن التعطيلات الغير متوقعة في إنتاج فنزويلا وليبيا وأنجولا زادت التخفيضات إلى نحو 2.8 مليون برميل يوميا في الأشهر الأخيرة ومن المتوقع أن تخفض العقوبات الأمريكية إنتاج إيران إلى النصف وهو ما يهدد بدفع أسعار النفط للارتفاع.
وكانت السعودية تصر حتى أبريل نيسان على أن من السابق لأوانه ضخ مزيد من الخام لكن الرياض عادت أدراجها بعد أن دعت الولايات المتحدة، وهي حليف للرياض، أوبك لزيادة الإمدادات.
ومع توافق روسيا معها على نفس الفكرة لأهدافها الخاصة، تعين إقناع إيران. لكن مصادر أوبك تقول إن هذا لم يحدث دون مقاومة فضلا عن بعض لي الذراع من جانب الرياض وموسكو.
حجة معقولة
قبل يوم من اجتماع أوبك يوم الجمعة، خرج وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه من لقاء لأوبك وحلفائها من خارج المنظمة قائلا إنه لن يكون هناك اتفاق.
لكن محادثات جرت في اللحظات الأخيرة صباح يوم الجمعة مع الفالح ووزير الدولة السعودي لشؤون الطاقة الأمير عبد العزيز ساهمت في إقناع زنغنه وفقا لثلاثة مصادر في أوبك.
وكان للأمير، وهو خبير مخضرم في دبلوماسية أوبك لأكثر من 20 عاما ونجل للعاهل السعودي الملك سلمان، دور فعال في التوصل إلى اتفاق الإنتاج الأولي في 2016.
وقالت المصادر إن الوزيرين السعوديين يعتقدان أن لديهما حجة معقولة، فأوبك بحاجة إلى التحرك لكبح ارتفاع الأسعار الذي يضر بالمستهلكين وإذا رفض زنغنه التوقيع، فإن إيران تخاطر بعزلها من قبل المنتجين الآخرين الذين سيزيدون الإنتاج بأي حال.
وأضافت المصادر أن زنغنه أُبلغ أنه إذا عرقلت إيران الاتفاق، فإن هذا قد يؤدي إلى انسحاب روسيا منه. وتساعد موسكو، أحد أقرب حلفاء إيران، طهران في حربها من أجل الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.
وقال مصدر بقطاع الطاقة الروسي إن إيران كانت حريصة أيضا على إبقاء موسكو في صفها لأنها تأمل أن يكون بمقدور روسيا مساعدتها في بيع النفط في ظل العقوبات الأمريكية.
ويمنح اتفاق أوبك الحالي الذي يعود تاريخه إلى 2016 إيران حصة إنتاج قدرها أربعة ملايين برميل يوميا. وقالت مصادر أوبك إن الإبقاء على الاتفاق دون تغيير كان مهما لزنغنه. واستثناء إيران من الاتفاق الجديد كان سيعني خسارة حصتها الإنتاجية.
وقال أحد المصادر في أوبك ”لدينا 24 دولة في الاتفاق، من الممكن في أي وقت أن يصبحوا 23 دولة“.
وشاركت الكويت وسلطنة عمان والإمارات أيضا في مساعي إقناع إيران وفقا لمصادر أوبك.
زيادة الإنتاج السعودي
تبرز الأحداث بشكل أكبر منذ الاجتماع كيف جرت تنحية أعضاء أوبك جانبا على نحو متزايد من القرارات المهمة بشأن الإنتاج والتي تتخذها السعودية وروسيا.
وحين فرض ترامب عقوبات جديدة على إيران في مايو أيار، أصدرت السعودية بيانا في اليوم نفسه قالت فيه إنها مستعدة لتلبية أي نقص في المعروض. وأفادت رويترز في وقت سابق من الشهر الجاري أن واشنطن أبلغت الرياض بالقرار قبل يوم من فرض العقوبات وإنها طلبت منها إصدار البيان.
وحين قالت واشنطن هذا الأسبوع إنها طالبت زبائن في آسيا وأوروبا بخفض مشتريات النفط الإيراني إلى الصفر اعتبارا من نوفمبر تشرين الثاني، أبلغت مصادر مطلعة على التفكير السعودي في قطاع النفط السوق بزيادة وشيكة في إنتاج المملكة إلى مستوى قياسي.
ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن قد أبلغت الرياض بالأمر هذه المرة أو ما إذا كانت طلبت منها إصدار بيان. لكن مع الإعلان عن نبأ الزيادة في إنتاج السعودية، انخفضت أسعار النفط.
وفاجأ الإعلان السعودي معظم أعضاء أوبك وبالأخص إيران.
وعلى الرغم من أن قرار أوبك قبل أسبوع أُبقي غامضا على نحو متعمد حتى تتوصل إيران والسعودية إلى حل وسط، فإن الفالح تعهد فحسب بزيادة الإنتاج على نحو تدريجي بمقدار بضعة ”مئات الآلاف من البراميل“.
ويوم الثلاثاء، قالت مصادر إن إنتاج السعودية سيرتفع إلى مستوى قياسي عند 11 مليون برميل يوميا في يوليو تموز، بزيادة قدرها مليون برميل يوميا على المستوى المسجل في مايو أيار، مما أثار معارضة فورية من جانب إيران.
وقال حسين كاظم بور أردبيلي محافظ إيران لدى أوبك ”وزارة الخارجية (الأمريكية) تقول إن هذا ليس كافيا والسعودية تقول إنها ستنتج 11 مليون برميل يوميا في يوليو (تموز). يؤسفني القول إن كليهما يتهكم على منظمتنا“.
وقالت المصادر السعودية إن إنتاج المملكة النفطي بدأ يزيد بالفعل بشكل يفوق حصتها بكثير في يونيو حزيران ومن قبل اجتماع أوبك. وكانت الدولة الوحيدة الأخرى المنتجة للنفط التي زادت إنتاجها بما يتجاوز حصتها في يونيو حزيران هي روسيا.