رام الله-وفا-جعفر صدقة-ثلاثة اجتماعات عقدها منتدى غاز شرق المتوسط حتى الآن، آخرها في كانون الثاني الماضي وأعلن فيه رسميا عن تأسيس المنتدى وباتت أوراقه الآن على طاولة حكومات الدول الأعضاء للمصادقة، إيذانا بانضمام منظمة جديدة الى قائمة طويلة من المنظمات الدولية في مجال الطاقة.
منذ اجتماعه الأول في كانون الثاني 2019، جرى الكثير في المياه الراكدة: سفن حفر من جنسيات مختلفة تجوب شرق البحر المتوسط، بدء اسرائيل ضخ الغاز الى الأردن، وكذلك الى معامل التسييل في مصر ومنها الى اوروبا، وبدأ لبنان بحفر أول بئر استكشافية في منطقته "بلوك 4" من منطقتها الاقتصادية الخالصة، وتوقيع مذكرة لإحياء مشروع مد أنبوب من حقول الغاز الاسرائيلية نحو اوروبا، سبقه بقليل توقيع تركيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا لفرض اعتراف بما تعتبره انقرة مصالحها في منطقة شرق المتوسط، التي تحولت خلال سنوات قليلة الى ساحة استقطاب شديدة محورها الغاز القابع في أعماق البحر.
قبل نحو عقد من الزمان (2010)، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية الاحتياطيات الكامنة في شرق المتوسط بنحو 122 تريليون متر مكعب من الغاز، ونحو 107 مليارات برميل من النفط، وهي ثروة هائلة في منطقة مليئة بنزاعات سياسية معقدة ما يجعل هذه الثروة مصدرا للتوتر على أكثر من صعيد وبين أطراف مختلفة، كما جعل منها موضوع استقطاب بين محورين رئيسيين: مصر وتركيا، التي ترى كل واحدة منهما أنها مؤهلة لتكون نقطة عبور ومركزا لنقل الغاز من منابعه في الشرق الى اوروبا، حيث أوروبا واحد من اكبر المستهلكين بواقع استهلاك يتجاوز حجمه 450 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، لا يتوفر منه سوى جزء بسيط في بحر الشمال، والتي بالكاد تحقق اكتفاء ذاتيا لكل من النرويج وبريطانيا وهولندا، مع فائض لا يغطي الا جزءا بسيطا من كامل احتياجات باقي دول اوروبا، وخصوصا المانيا.
أبرز تعبيرين لحالة الاستقطاب في منطقة شرق المتوسط مبادرة مصر تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، ويضم، إضافة الى مصر، ستة أعضاء مؤسسين آخرين: اسرائيل، وقبرص، واليونان، وايطاليا، والأردن، وفلسطين، وعضويته، بموجب عقد التأسيس، مفتوحة أمام الدول الأخرى، سواء المنتجة للغاز في المنطقة او المستهلكة له في مناطق أخرى، وهي مبادرة رأت فيها تركيا استبعادا لها وتجاهلا لمصالحها في المنطقة، فسارعت الى توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا في خطوة قلبت الموازين في المنطقة وصعبت من انجاز بعض المشاريع، وجعلت من تنفيذ مشروع مد أنبوب "ايست ميد" بين حقول الغاز شرق المتوسط، وخصوصا الاسرائيلية، أمرا بعيد المنال ان لم يكن مستحيلا.
كيف بدأت القصة؟
توقعات وجود النفط والغاز في شرق المتوسط تعود الى أواسط القرن الماضي، وفي أواخر التسعينيات، اكتشف حقل غاز صغير قبالة سواحل قطاع غزة وبعد إجراء مسوحات جيوفيزيائية أولية قامت بها شركة بريتش غاز "بي بي"، قدرت احتياطياته الأولية بنحو 1-1.4 تريليون قدم مكعبة (28-32 مليار متر مكعب)، وهو أمر أسال لعاب الدول الأخرى في شرق المتوسط، وخصوصا اسرائيل، فبدأت عمليات استكشاف محمومة، أفضت حتى الآن الى اكتشاف حقول ضخمة دخل بعضها مرحلة الاستغلال: "ليفياثان" و"تمار" الاسرائيليين باحتياطيات تقترب من 900 مليار متر مكعب، و"ظهر" المصري باحتياطي 850 مليار متر مكعب، و"افروديت" القبرصي باحتياطيات تقدر بنحو 140 مليار متر مكعب، اضافة الى حقول أخرى، مصرية واسرائيلية وقبرصية، مكتشفة أو معروفة وهي في مراحل التطوير ولم تدخل مرحلة الاستغلال بعد، ورغم ان حقل الغاز الفلسطيني "غزة مارين " كان أول حقل يتم اكتشافه في منطقة شرق المتوسط، إلا أنه لم يشهد أي تطور يسمح باستغلاله نتيجة الاجراءات الاسرائيلية غير المشروعة، وبالتالي حرمان الفلسطينيين من واحد من أهم مواردهم وثرواتهم الطبيعية، في وقت يعانون من انعدام الأمن في مجال الطاقة.
في فلسطين، تتمثل الركيزة الأساسية لأمن الطاقة في تأمين الكهرباء، بكميات كافية وأسعار عادلة ومن مصادر موثوقة.
وفقا لسلطة الطاقة والمصادر الطبيعية الفلسطينية، يبلغ استهلاك فلسطين من الكهرباء حوالي 1500 ميغاواط، 1000 ميغاوات احتياجات الضفة الغربية و500 ميغاواط احتياجات قطاع غزة، بمعدل نمو سنوي يبلغ حوالي 3%، وهي بحسب الاستخدام: 76% للاستهلاك المنزلي، و15% للاستخدام التجاري، و9% للاستخدامات الصناعة.
أما لجهة المصادر، فان 86% من اجمالي استهلاك فلسطين من الكهرباء يأتي من اسرائيل، و12% من الأردن لتغذية أريحا، ومن محطة توليد محلية في غزة لتغطية جزء من احتياجات القطاع، و2% تولد من الطاقة الشمسية، وبينما يعيش قطاع غزة أزمة كهرباء خانقة منذ سنوات، فإن الأزمة انتقلت الى الضفة الغربية بسبب بدء المزود الاسرائيلي بقطع الكهرباء عن محافظات الضفة الغربية بدءا من شهر تشرين الأول 2019، بحجج مختلفة، ما جعل من أمن الطاقة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
في خطتها لتحقيق أمن الطاقة، بدأت الحكومة الفلسطينية تنفيذ خطة لتنويع المصادر، أحد أبرز مكوناتها توليد الطاقة محليا، سواء بالطرق التقليدية أو من مصادر نظيفة، وتحديدا الطاقة الشمسية، ودفعت القيادة الفلسطينية صندوق الاستثمار (الصندوق السيادي الفلسطيني) الى قلب هذه الاستراتيجية.
إضافة الى محطة التوليد العاملة في قطاع غزة بقدرة 140 ميغاوات، يقود صندوق الاستثمار تحالفا لبناء محطة توليد أخرى في جنين شمال الضفة الغربية، بقدرة 450 ميغاوات تغطي حوالي 50% من احتياجات الضفة الغربية كما هي الآن، لكن كلا المشروعين يواجهان تحديين كبيرين: الأول: غياب شبكة ضغط عالٍ فلسطينية قادرة على نقل الطاقة المتولدة الى مراكز الأحمال، والثاني: عدم توفر الغاز لتشغيلهما.
"خطتنا ان نصل خلال عشر سنوات الى استكمال نظام النقل: شبكات ضغط عالٍ، وإلغاء نقاط الربط بالضغط المتوسط واستبدالها بـ9 محطات تحويل بضغط عالٍ، وبناء محطة توليد في جنوب الضفة تضاف الى محطة التوليد في جنين، وكلاهما سيوفران 60% من احتياجات الضفة من الكهرباء"، قال رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم.
اضافة الى ذلك، بحسب ملحم، تخطط الحكومة الفلسطينية خلال هذه الفترة أيضا، إلى تفعيل ربط فلسطين بالشبكة الاقليمية بما يمكن من الحصول على 160 ميغاوات من الأردن؛ الأمر الذي يتطلب بناء شبكة بضغط 400 كيلو فولت، وزيادة الكهرباء المتولدة من الطاقة الشمسية لتغطي 20% من الاستهلاك".
في غزة، ورغم أن المحطة قدرتها 140 ميغاوات، إلا ان شبكة النقل العامة في القطاع لا تستطيع استيعاب أكثر من 80 ميغاوات في أفضل الأحوال، وقال ملحم "جزء من خططنا تطوير شبكات النقل وإعادة تأهيل محطات التحويل بما يمكننا من تفريغ الطاقة المتولدة من المحطة في مراكز الأحمال، ومن ثم إيصالها الى المستهلكين".
بالنسبة لمحطة جنين "هناك معيقات اسرائيلية جمة تحول دون استكمالها. الجانب الاسرائيلي يرفض نقل الطاقة المنتجة الى مراكز الأحمال الفلسطينية من خلال الشبكة الاسرائيلية إلا بتطبيق القوانين الاسرائيلية على المحطة، وهذا ما رفضناه كليا ونبحث عن حلول".
وأضاف: تقدمنا بطلب الى الاسرائيليين في العام 2017 ببناء شبكة نقل فلسطينية بضغط عال، وربط محطات التحويل بها، لكنهم ما زالوا يماطلون".
وتابع: الاسرائيليون يريدون اتفاقية شراء لكامل الطاقة المتولدة في المحطة، ومن ثم إعادة بيعها للجانب الفلسطيني. هذا يعني أن تتحول الى محطة اسرائيلية وهو أمر مرفوض من قبلنا".
تتمثل الرؤية الفلسطينية لتشغيل المحطة، بحسب ملحم، ونقل الطاقة منها إلى حين بناء شبكة ضغط عالٍ فلسطينية، بنقل الكهرباء المتولدة من محطة جنين الى مراكز الأحمال الفلسطينية عبر الشبكة الاسرائيلية مقابل رسوم دون الدخول في اتفاقية شراء مع الاسرائيليين.
سيناريو آخر قال ملحم إن سلطة الطاقة تدرسه مع الشركة المطورة للمحطة، يتثمل بتقسيم المحطة الى عدة محطات: في الشمال والوسط والجنوب، بقدرات يمكن توزيعها عبر الشبكة الفلسطينية بوضعها الحالي دون الحاجة الى الشبكة الاسرائيلية "لكن هذا الخيار مكلف".
فيما بدأ صندوق الاستثمار، فعلا، تنفيذ برنامج لتوليد الكهرباء من الخلايا الشمسية، يهدف للوصول الى انتاج 200 ميغاوات خلال خمس سنوات، منها 35 ميغاوات هذا العام.
تأمين الغاز
ما زال الاستهلاك الفلسطيني من الغاز يقتصر على الاستخدام المنزلي (للطبخ والتدفئة)، وقليل منه لأغراض الصناعة، وحديثا بدأ تحويل السيارات في قطاع غزة للعمل بالغاز، وفي المجمل فان حجم الاستهلاك لا يتجاوز 160 طنا من الغاز المسال (حوالي 500 متر مكعب) سنويا، لكن الحاجة الاساسية للغاز تتمثل بتأمينه بكميات كافية ودائمة وموثوقة لأغراض توليد الكهرباء، ووفقا لتقديرات سلطة الطاقة، فإن حاجة محطتي التوليد، القائمة في غزة والجاري انشاؤها في جنين، تبلغ حوالي 200 مليون متر مكعب سنويا.
في الاجماع الفلسطيني، فان الأولوية في تزويد هاتين المحطتين بالغاز هو للغاز المحلي من حقل "غزة مارين"، والذي تكفي احتياطياته المحطتين 140 عاما (دون تصدير)، لكن تطوير الحقل واستغلاله لا يزال دونه عقبات كبيرة تفرضها اسرائيل، سواء في إتمام عمليات المسح السيزمي/ الزلزالي والحفر بغرض الاستكشاف للتأكد من الاحتياطيات وصولا الى استخراج الغاز او النقل لأغراض تشغيل محطتي غزة وجنين وكذلك لتصدير الفائض.
فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية في شرق المتوسط، فإن فلسطين تعمل على مسارين، الاول: سياسي دبلوماسي قانوني تقوده وزارة الخارجية بهدف تحديد الحدود البحرية الفلسطينية وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار للعام 1982، بما يشمل المياه الاقليمية والمياه المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة، والثاني: فني يقوده صندوق الاستثمار الفلسطيني ويركز على فتح الطريق أمام تطوير واستغلال موارد الغاز كما هي مثبتة الآن.
في أواخر تسعينيات القرن الماضي، منحت السلطة الوطنية عقد امتياز تطوير الحقل لشركة "بي بي" البريطانية، الى جانب شركة اتحاد المقاولين "سي سي سي" وصندوق الاستثمار بحصص قليلة نسبيا، واقتصر عمل "بي بي" على عملية الاكتشاف الأولية ولم تتقدم بعد ذلك نحو تطوير الحقل بسبب العراقيل الاسرائيلية، وقبل سنوات بيعت "بي بي" الى شركة "رويال داتش شل" البريطانية الهولندية، والتي بدورها انسحبت من عديد الاستثمارات في العالم من بينها حقل "غزة مارين"، ما سمح بإعادة هيكلة ملكية الحقل لترتفع حصة صندوق الاستثمار وشركة "سي سي سي" الى 55% (27.5% لكل منهما)، وترك النسبة الباقية (45%) لشريك عالمي محتمل.
خلال فترة تولي ارئيل شارون للسلطة في اسرائيل، بين عامي 2001 و2006، جرت محادثات بين الحكومة الاسرائيلية و"بي بي" بشأن شراء اسرائيل للغاز الفلسطيني لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الغاز في وقت كانت أعمال التنقيب قبالة سواحلها في بداياتها، غير أن هذه المحادثات فشلت لإصرار اسرائيل على شراء الغاز الفلسطيني بأقل من الأسعار العالمية، وإصرارها على أن يضخ كامل الغاز المستخرج من "غزة مارين" في شبكة الأنابيب الاسرائيلية ومن ثم توريد جزء منه الى الأراضي الفلسطينية، وأخيرا إصرارها على آلية تمكنها من التحكم بعائدات الغاز الفلسطينية كما هو الحال في عائدات المقاصة، وهو ما رفضته القيادة الفلسطينية فانتهت المفاوضات.
"الآن اسرائيل باتت مصدرا للغاز، ولم تعد بحاجة الى الغاز الفلسطيني. هذا تطور قد يسمح باختراق في ملف تطوير حقل الغاز قبالة سواحل غزة"، قال رئيس مجلس ادارة صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى.
منذ انسحبت "شل" وريثة "بي بي" من حقل غزة وإحالة حقوق التطوير الى تحالف بقيادة صندوق الاستثمار وتكليفه بالتفاوض مع شريك دولي، لم تنجح الجهود في جذب هذا الشريك نتيجة غياب الأفق السياسي وعدم الحصول على ضمانات من اسرائيل بعدم عرقلة الاستثمار في الحقل، والذي يصل الى نحو مليار دولار، لكن مع بيان "منتدى غاز شرق المتوسط" في اجتماعه الأخير في كانون الثاني الماضي، والذي أكدت فيه الدول الأعضاء بالإجماع، بما فيها اسرائيل، على حقوق الفلسطينيين في مواردهم الطبيعية في البحر المتوسط، وفي استغلالها، "نأمل ان يسهل ذلك عملية استقطاب شريك عالمي"، قال مصطفى.
وأضاف: هناك تواصل مع العديد من الشركات العالمية في محاولة لاستقطابها كشريك محتمل، ونأمل ان يفضي الى اتفاق مع إحداها.
في الاجتماع الأخير للمنتدى، أطلق وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينيتس تصريحات مفادها ان اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية بدأتا مفاوضات حول امكانية شراء الغاز الاسرائيلي، ملمحا كذلك الى تطوير مشترك لحقل غزة مارين، وهذا غير صحيح بحسب المصادر الفلسطينية، حيث اعلن مصطفى اكثر من مرة ان تطوير حقل غزة لن يكون بشراكة مع طرف إسرائيلي، وان الهدف هو استغلال الغاز الفلسطيني لتلبية الاحتياجات الفلسطينية.
في روايته لما حصل في الاجتماع الأخير للمنتدى، قال مصطفى "نحاول الاستفادة من المنتدى من أجل اقناع دول الاقليم بحقوقنا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. ثبتنا في الميثاق أن الدول الأعضاء تعترف بحقوق الأطراف الأخرى في حدودها ومواردها، وتمكينها من الاستفادة منها. طلب من الدول التي شاركت في الاجتماع دعم تطوير مشروع غزة مارين وأقروا بذلك بمن فيهم اسرائيل، القادم هو خطوات عملية وهذا يتطلب تسهيلات اسرائيلية. خطونا خطوة مهمة الى الأمام باعتراف هذه الدول بحقوقنا في مواردنا وتطويرها".
وتابع: استراتيجيتنا هي الاستفادة من جميع ما رد في هذا الميثاق للانتقال من مرحلة المطالبة الى مرحلة المباشرة في تطوير المشروع.
مصطفى أعرب عن أمله في أن تشكل هذه التطورات على الصعيد السياسي الى طمأنة المستثمرين "ما يسهل مهمتنا في استقطاب شركة عالمية".
على الأغلب، بحسب مصطفى، فإن الجزء الأكبر من الغاز، حال استخراجه من غزة مارين، سيذهب لاستخدام محطات توليد الكهرباء محليا، وتوقع ان تبلغ احتياجات محطتي التوليد في غزة وجنين ثلثي الاحتياطي، عبر ادخاله في الشبكة الإسرائيلية ومن ثم نقله الى محطتي التوليد عبر أنابيب تمتد الى داخل الأراضي الفلسطينية، وما يتبقى سيتم تسويقه خارجيا "على الأغلب عبر الشبكة المصرية".
الى حين ان يتم ذلك، لم يستبعد مصطفى شراء الغاز من اسرائيل لأغراض توليد الكهرباء، عبر أنبوبين أحدهما يصل محطة التوليد في غزة بالشبكة الاسرائيلية، والثاني يصل محطة جنين من نقطة ربط بالشبكة الاسرائيلية قريبة من بيسان شمالا.
مسار قطري
الى حبن استخراج الغاز الفلسطيني، تقوم اطراف دولية، بما يشمل القطريين، ببحث إمكانية شراء الغاز من إسرائيل لاغراض توليد الكهرباء، عبر نبوب يصل محطة التوليد في غزة بشبكة أنابيب الغاز الإسرائيلية.
في غزة، هناك مشروع مخطط منذ سنوات لمد أنبوب يربط محطة غزة بشبكة الأنابيب الاسرائيلية، بطول 41 كيلو متر، أبدى الاتحاد الاوروبي اهتماما بتمويل الجزء الممتد منه داخل قطاع غزة وطوله خمسة كيلومترات.
غير أن دخول قطر على الخط، وبدئها بمسار آخر من المفاوضات مع اسرائيل لمد أنبوب لنقل الغاز الى قطاع غزة، أبطأ العمل بالمشروع الأول، تريثا لاتضاح مسار الجهد القطري.
وقال ملحم "رئيس اللجنة القطرية لإعادة اعمار غزة محمد العمادي يفاوض اسرائيل، ولديه خطة لجلب الغاز الى محطة غزة بشروط لم نطلع عليها بعد، لكننا على أتم الاستعداد للتعاون في هذا المشروع".
وأضاف: كنا قد انتهينا من تحديد مسار الأنبوب الآخر، الذي تتولاه لجنة فنية مشتركة اوروبية هولندية فلسطينية، إضافة الى اللجنة الرباعية، ويفترض أن تأتي شركة دولية لتحديد مسار الجزء الممتد داخل قطاع غزة، على الأغلب ستكون شركة هولندية، وهناك استعداد اوروبي لتمويل هذا الجزء، لكننا بحاجة الى توضيح لأدوار الجهات الأخرى حتى لا يكون هناك تضارب"، مشيرا بذلك الى القطريين.
وتابع: سمعنا من القطريين انهم سيمولون العمل داخل قطاع غزة بمبلغ 22 مليون دولار، تشمل ذلك الجزء من الأنبوب الممتد داخل القطاع إضافة الى إعادة تأهيل المحطة للعمل بالغاز. نحن بانتظار التطورات على هذا الصعيد".
كذلك، قال ملحم إن أهم متطلبات المشروع هو إعادة تصويب أوضاع شركة توزيع الكهرباء في غزة، وإعادة هيكلتها، اضافة الى تصويب أوضاع محطة التوليد بما يضمن تسديد أثمان الغاز، علما أن عقد امتياز الأخيرة ينتهي في العام 2024، "ويجب إعادة النظر في الاتفاقية التجارية بينها وبين الحكومة بما يعكس الحقوق والواجبات لكل طرف، سواء في التوليد أو التوزيع أو توريد الغاز".
في شمال الضفة، فان عقد الامتياز واضح بأن تأمين الغاز هو من مهمة المطور.
وقال ملحم "الأولوية في تشغيل محطة جنين هي للغاز المحلي، وإلى حين ذلك سنلجأ لشراء الغاز من اسرائيل".
ترسيم الحدود
على الجانب السياسي، تعمل وزارة الخارجية على تحديد احداثيات الحدود البحرية الفلسطينية، سواء للمياه الاقليمية أو المتاخمة أو المنطقة الاقتصادية الخالية.
حدد اتفاق اوسلو حقوق السلطة في البحر المتوسط بمنطقة عمقها 22 ميلا، وهي منطقة صيد بالأساس، في وسطها اكتشف حقل "غزة مارين" فيما اكتشف حقل أصغر الى الشمال عند حدود هذه المنطقة مع المياه التي تعتبرها اسرائيل منطقتها، لكن هذا الوضع تغير، على الأقل من الناحية القانونية، بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين عضوا مراقبا.
فعلى الرغم من رمزية خطوة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن أهميتها تكمن في إتاحة المجال لفلسطين للانضمام الى المنظمات والاتفاقيات الدولية عضوا كامل العضوية على قدم المساواة مع باقي الدول، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، الذي يشكل الأساس القانوني لترسيم الحدود البحرية بين الدول، ويحدد المياه الاقليمية بعمق 12 ميلا والمياه المتاخمة بـ24 ميلا تالية، والمنطقة الاقتصادية الخالصة في المناطق المفتوحة بـ200 ميلا تبدأ من نهاية حد المنطقة المتاخمة، من حق الدولة استغلال موارد هذه المنطقة، سواء في المياه أو في الجرف القاري، وكانت هذه الاتفاقية من أوائل الاتفاقيات التي وقع الرئيس محمود عباس انضمام فلسطين إليها في العام 2012، مباشرة عقب اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين عضوا مراقبا.
أما في المناطق التي تتداخل فيها حدود الدول، كمنطقة شرق المتوسط، فقد حدد قانون الأمم المتحدة معايير لتقاسم عادل للمناطق الاقتصادية الخالصة؛ الأمر الذي يتطلب اتفاقيات ثنائية لترسيم الحدود، وهو ما حصل بين اسرائيل وقبرص، ومصر واسرائيل، ومصر وقبرص، ومصر، ولبنان وقبرص، إلا أن الاتفاق انهار بعد أن وقعت قبرص اتفاقا لترسيم الحدود مع اسرائيل تجاهل نهاية الخط الجنوبي للحدود بين قبرص ولبنان، ما سمح لإسرائيل باقتطاع نحو 850 كيلو متر مربع من المنطقة التي يعتبرها لبنان منطقته الاقتصادية الخالصة.
منذ انضمامها لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، سعت فلسطين الى ترسيم الحدود البحرية باتفاقيات مع دولتي الجوار، مصر واسرائيل، لكن هذه الجهود لم تفض الى نتيجة، وكما هو متبع، بادرت فلسطين الى ترسيم حدودها البحرية وتعيين نقاط إحداثياتها وأودعتها لدى الأمين العام للأمم المتحدة في 31 آب من العام 2015، وتشمل 12 ميلا المياه الاقليمية، تليها 24 ميلا المنطقة المتاخمة، ثم 200 ميلا المنطقة الاقتصادية الخالصة، مرفقة بخارطة تشمل المناطق الثلاث، وطلب الرئيس محمود عباس من الأمين العام توزيعها على الدول الأعضاء وفقا للإجراءات المرعية ليتسنى لأي من الدول المشاركة لفلسطين في الحدود من الاعتراض وبالتالي الدخول في مفاوضات لاتفاق ثنائي على ترسيم الحديد، ومنذ ذلك الحين حتى الآن، لم تعترض أية دولة، وتحديدا: مصر، واسرائيل، وقبرص.
لكن عدم اعتراض اسرائيل على الخطوة الفلسطينية ليس من باب الإقرار والاعتراف بالحدود الفلسطينية على ما يبدو، وإنما عدم اعتراف بها من الأساس.
ووفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن مساحة المياه الفلسطينية تتضاعف عشر مرات، من حوالي 600 ميل مربع الى نحو ستة آلاف ميل مربع، بما يعني ذلك من احتمالات وجود حقول هيدروكربونية أخرى في هذه المنطقة (نفط وغاز)، أو مشاركة دول الجوار بحقول أعلنت عن اكتشافها.
وفقا لوزارة الخارجية الفلسطينية، فان اسرائيل ما زالت تتعامل مع حدود المياه الفلسطينية كما رسمها اتفاق اوسلو، مع تداول خارطة لا تبعد كثيرا عن حدود اوسلو، حرصت فيها على إبقاء مكامن محتملة للغاز خارج هذه المنطقة، وحصر الحقوق الفلسطينية بحقل "غزة مارين".
على المسارين، السياسي الذي تتولاه وزارة الخارجية لترسيم الحدود البحرية وفقا لقانون البحار، والفني الذي يتولاه صندوق الاستثمار الفلسطيني لتطوير الحقوق المثبتة، فان الدبلوماسية الفلسطينية ما زالت تأمل في التوصل الى اتفاقيات ثنائية مع الدول المشاركة لفلسطين بالحدود: مصر واسرائيل، سواء لجهة ترسيم الحدود أو تمكين الفلسطينيين من تطوير حقوقهم وفقا للمصلحة الفلسطينية، والنأي قدر الإمكان عن حالة الاستقطاب والمحاور في المنطقة، ومع ذلك، فقد سعت السلطة الوطنية الى استقطاب شركة روسية للمشاركة في تطوير حقل "غزة مارين"، "للاستفادة من الخبرة الروسية في هذا المجال، وليس استغلالا لحالة الاستقطاب في المنطقة، وقد عرضنا ذلك خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس عباس الى موسكو، لكننا تلقينا ردا سلبيا من الشركة الروسية"، يقول مصطفى.
ويؤكد: استراتيجيتنا تقوم على الاستفادة مما ورد في اتفاق تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، فلأول مرة نحصل على هذا الاعتراف الدولي والاقليمي بحقوقنا البحرية. الدخول في حالة الاستقطاب والمحاور لا تفيدنا، وليست من مصلحتنا".