الرياض-أخبار المال والأعمال- تعيش السعودية مرحلة بالغة الأهمية ضمن سعيها لبناء مركز عالمي للمعادن، وسط تعطش الشركات الأجنبية المؤثرة بالقطاع للاستثمارات السعودية، أكثر من ضخّ رؤوس أموالها في المملكة.
في مؤتمر التعدين الدولي الذي انعقد في الرياض خلال الأسبوع الماضي، أبدى ما لا يقل عن 24 مشاركاً التقتهم "بلومبرغ" رغبتهم في استقطاب الأموال السعودية، لكنهم لم يبدوا استعداداً كافياً للاستثمار داخل المملكة حتى الآن.
العديد منهم ينتظر التفاصيل حول سبل تنفيذ المشاريع الكبرى والخطط العملية لمصانع المعادن.
مارك سيلبي، الرئيس التنفيذي لشركة "كندا نيكل (.Canada Nickel Co)"، التي تأمل في جذب استثمارات إلى منجم في أونتاريو، وتدرس شراكة مع جهات في الشرق الأوسط، قال: "نحن في مرحلة إثبات الجدية.. هناك العديد من المشاريع قيد التنفيذ، لكن لم نرَ حتى الآن الكثير من الأعمال الفعلية على الأرض".
روّجت السعودية لفرص استثمارية محلية بقيمة 100 مليار دولار خلال المؤتمر، وقدّرت امتلاكها لموارد معدنية تصل قيمتها إلى 2.5 تريليون دولار يمكن استخراجها.
تسعى المملكة إلى جعل المعادن والتعدين ما يُعرف بـ"الركيزة الثالثة" لاقتصادها المحلي في إطار جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط والبتروكيماويات.
إضافة أعمال استكشاف المعادن ومعالجتها من شأنه أن يسهم في دعم العشرات من المشاريع الضخمة، وتخفيف تكاليف استيراد المنتجات النهائية المرتفعة التي تؤثر على المالية العامة للبلاد.
"معادن" وطموحات السعودية في التعدين
لتحقيق هذه الطموحات، أوكلت السعودية لشركة التعدين "معادن" مهمة تطوير الصناعة المحلية، وأسست "منارة المعادن" في عام 2023 للاستحواذ على الأصول الخارجية.
لكن حتى الآن، لم تكمل "منارة" سوى صفقة رئيسية واحدة مع شركة التعدين البرازيلية "فالي (Vale)"، ولم تجذب المملكة سوى عدد قليل من شركات التعدين الكبرى للعمل داخل أراضيها.
قال وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف في مقابلة خلال المؤتمر: "أعتقد أن لدينا قاعدة جيدة، لكن لا أستطيع القول إن الأمور تسير بالسرعة المطلوبة".
اتخذت شركة "باريك غولد (.Barrick Gold Corp)" الكندية خطوة استثمارية في السعودية، وتدير منجماً للنحاس على الساحل الجنوبي الغربي قرب البحر الأحمر. أوضح روب مكيون، الرئيس التنفيذي لشركة "ماك إيوان ماينينغ (,McEwen Mining Inc)"، الذي حضر المؤتمر، أنه مهتم بمواقع النحاس والذهب في المملكة، لكنه لم يتخذ قراراً استثمارياً بعد.
أما شركة "المصانع الكبرى للتعدين (Amak)" السعودية، فقد أفادت بأنها في مراحل مبكرة من المحادثات مع شركة دولية كبرى، لكنها امتنعت عن تقديم المزيد من التفاصيل. تخطط الشركة لمضاعفة إنفاقها على الحفر بمقدار ثلاث مرات هذا العام، حيث تستكشف المزيد من مواقع النحاس والذهب.
على الرغم من تركيزها على التعدين، تتوقع الشركة أن تأتي الاستثمارات في مصانع المعالجة خلال السنوات الخمس المقبلة، بدعم من الحوافز الحكومية والتشريعات، وفقاً لرئيس مجلس الإدارة محمد أبالعلا.
قال أبالعلا في مقابلة على هامش المؤتمر: "الاستكشاف والحفر سيكونان هائلين"، مضيفاً: "ما نحتاجه حقاً هو مصهر ومصفاة للنحاس".
إنتاج النحاس والصلب
تُعد شركة "فيدانتا (Vedanta Ltd)" من بين أكبر الشركات الأجنبية التي تدفع طموحات السعودية قُدماً.
أعلنت الشركة الهندية في تشرين الثاني/نوفمبر أنها تخطط لاستثمار ملياري دولار لبناء منشآت لمعالجة النحاس في المملكة، ويُتوقع أن يبدأ الإنتاج في عام 2026. كما تسعى شركة الصلب التركية "توسيالي هولدينغ (Tosyali Holding AS)" إلى استثمار 5 مليارات دولار في مصنع للصلب في المملكة.
شملت الاتفاقيات الأخيرة التي تركز على عمليات المصب تعاوناً مع "مجموعة زيجين (Zijin Group)" الصينية و"هاستينغز تكنولوجي ميتالز (Hastings Technology Metals Ltd)" الأسترالية.
جرى توقيع أكثر من 100 مذكرة تفاهم واتفاقية خلال مؤتمر التعدين الدولي، مع الإشارة إلى أن هذه الاتفاقيات لا تضمن تنفيذ المشاريع.
قال مارك كوتيفاني، رئيس مجلس إدارة وحدة المعادن الأساسية في شركة "فالي": "هناك اتفاقيات لمعالجة المعادن في السعودية، لكن لا يزال الوقت مبكراً".
تقدم وحدة "فالي" بعض إمدادات المعادن إلى شركة "منارة" كجزء من صفقة أُبرمت منتصف عام 2023.
تقوم "منارة" حالياً بتداول هذه المعادن في السوق إلى حين توفر منشآت لمعالجتها داخل المملكة.
محادثات مع باكستان
قد يتم قريباً إنجاز صفقات مماثلة. إذ تجري السعودية محادثات مع الحكومة الباكستانية لشراء حصة الأقلية المملوكة لها في أحد مناجم شركة "باريك" في البلاد.
الصفقة، التي قد تشمل استثماراً سعودياً بقيمة مليار دولار، كان من المتوقع أن تُستكمل العام الماضي، لكنها تأخرت بسبب النقاش حول مكان معالجة إمدادات المعادن.
كما أبدى المسؤولون السعوديون اهتماماً بالمعادن من تشيلي وكندا، وتتوقع زامبيا أن تقوم المملكة قريباً باستثمارات هناك، بعد توقيع مذكرة تفاهم الأسبوع الماضي.
في الوقت الحالي، الرسالة في السعودية واضحة، ومفادها ضرورة التحرك بوتيرة أسرع.
قدم الرئيس التنفيذي لشركة "معادن"، روبرت ويلت، العام الماضي اقتراحاً لمجلس الإدارة لتقليص وقت التطوير من مرحلة الاستكشاف إلى التعدين إلى تسع سنوات بدلاً من 20 عاماً، باستخدام أساليب مبتكرة.
قال: "رد الرئيس قائلاً إن ذلك غير مقبول. نحن بحاجة إلى التحرك بسرعة أكبر. هذا هو الشعور بالاستعجال الذي يسود في المملكة".
المصدر: بلومبرغ