رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "سياسات إحلال الواردات لأهم السلع استيراداً"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد في رام الله وعبر تقنية الزووم.
أعد الورقة الخلفية، منسق البحوث في المعهد مسيف جميل، وقدم كل من جواد المعطي ممثلاً عن وزارة الاقتصاد الوطني، ورئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، وخضر دراغمة ممثلاً عن وزارة الصناعة، ورئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة غازي الحرباوي، ورئيس مجلس إدارة شركة الأرض زياد عنبتاوي مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.
وأكد مدير عام معهد "ماس" رجا الخالدي، أهمية الموضوع وتداعياته السياساتية الحياتية والمعيشية.
وذكر أن موضوع هذه الورقة يأتي ضمن أولويات المعهد وهي جزء من مجموعة من الأنشطة التي نفذها المعهد في إطار آثار العدوان الإسرائيلي على الاراضي الفلسطينية، مستذكراً أن المعهد عمل منذ نشأته على دراسة سبل تعزيز الصناعات الوطنية وحصتها السوقية واستبدالها للواردات من إسرائيل، واليوم بات هذا الأمر مفروض فرضاً على لاقتصاد الفلسطيني ولا بد من الاسراع في الاستجابة لها سياساتياً واستثمارياً وتنظيمياً.
وشكر الخالدي مؤسسة مؤسسة هاينريش بول (فلسطين والأردن) التي دعمت هذا اللقاء وعدد من اللقاءات الأخرى المخططة للعام 2024، والتي رغم صعوبة الوضع السياسي الراهن إلا أنها جددت تمويلها لأنشطة المعهد ايماناً منها بأهمية الحوار السياساتي الاقتصادي المفتوح.
وأشار إلى أن المعهد سيعمل على إعداد ورقة سياسات بعد الجلسة ورفع توصياتها للجهات الرسمية المعنية.
بدوره، أوضح الباحث جميل بأن الهدف من الورقة يعود للتدهور الحاد في المؤشرات الاقتصادية الفلسطينية خاصة مؤشرات التجارة، وضعف الطلب المحلي وتراجع الايرادات، وارتفاع البطالة، والذي يستدعي انتهاج سياسة تجارية وصناعية للحد من هذا التدهور، واحداث تغير هيكلي للاقتصاد الوطني، وذلك عبر اعادة توجيه دفة الاستهلاك باتجاه المنتج المحلي عبر احلال جزء من الواردات التي يمكن انتاجها محليا.
وأشار الباحث بأن هناك تراجع في الناتج المحلي الفلسطيني في الضفة الغربية بنسبة 19% خلال العام 2024 ومتوقع أن يرتفع هذا التراجع، وبين أن هناك تعطل شبه كامل في قطاع غزة تعطل للحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وأصبح مكانا غير قابل للحياة، أضف لذلك وقف العمالة في إسرائيل والذي أدى إلى تداعيات كبيرة عل انفاق الأسر، والايرادات، وتراجع الطلب المحلي، وتراجع الواردات، وارتفاع البطالة الى مستوى 45% في الضفة الغربية، ومن المتوقع تراجع الواردات بنسبة 30% مع نهاية عام 2024، وهذه الواردات تشكل حوالي 50% من الانفاق الاستهلاكي.
وبين الباحث بأن الواردات تراجعت بشكل ملحوظ بسبب تشديد القيود الاسرائيلية، وارتفاع تكلفة الاستيراد، وتراجع القدرة الاستهلاكية، وتوقعات المستوردين بتراجع القوة الشرائية بسبب البطالة المرتفعة، ونتيجة لذلك أشارت ارقام الربع الاخير من عام 2023، والشهر الاول من عام 2024 بالمقارنة مع نظيرهما الى انخفاض الواردات الكلية بنسبة 28% و34% على التوالي، فيما انخفضت الصادرات الربعية والشهرية بنسبة 23% و15% على التوالي، بينما لم تنخفض الصادرات في كانون أول 2024 بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع نسبة التصدير في هذا الشهر إلى دول العالم الثالث على الرغم من الانخفاض الملحوظ في نسبة الصادرات إلى إسرائيل.
ودعا الباحث إلى تغيير السياسات التجارية والصناعية للوصول الى تحقيق هدف الثلث للاستيراد من اسرائيل. والثلث هنا يعني استبدال واردات بقيمة 1.6 مليار دولار تقريبا، وذلك من خلال ثلاث مسارات وسياسات تجارية داعمة لتقليل الاستيراد من إسرائيل، بحيث يستهدف المسار الأول والأشمل وضع سياسات تجارية جمركية قابلة للتنفيذ الفوري تجاه القوائم السلعية المدرجة في اتفاق باريس الاقتصادي والتي لم تستغل بعد، ووضع سياسات جمركية حمائية، وكذلك تعزيز العمل على تشجيع الاستيراد المباشر، واستيراد السلع الاستراتيجية من خارج اسرائيل مثل البترول، واستحداث صناعات جديدة تخص القطاع الزراعي. بينما يطرح المسار الثاني التأثير على المستورد والمستهلك لتغيير انماط الاستيراد والاستهلاك للسلع العادية المستوردة من إسرائيل، إذ أنه ليس بالضرورة استيراد واستهلاك سلع من السوق الإسرائيلي وخاصة إذا لم تكن سلع استراتيجية أو حساسة (مثل السكاكر، والشكولاتة، والمشروبات الغازية، وغيرها) وهذه السلع بحاجة إلى رصد وتفحص لاتخاذ السياسات والإجراءات المناسبة تجاهها، فيما يشير المسار الثالث إلى العمل على قائمة سلع محددة (36 سلعة فقط) لتوسيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، أي العمل على الاستعاضة عن جزء من السلع المستوردة حاليا من السوق الإسرائيلي وخاصة السلع الحساسة والهامة التي يمكن زيادة إنتاجها محلياً كبديل للسلع الإسرائيلية.
وبين الباحث أن هناك 36 سلعة قابلة للإحلال بمنتجات محلية سواء بشكل جزئي أو كلي، منها 22 سلعة تستورد حصريا من إسرائيل، و14 سلعة تستورد من إسرائيل وغير إسرائيل، وأشار إلى أن هذه السلع هي جزء منها يأتي حصريا من إسرائيل ويمكن استبداله بمنتجات محلية، مثل المياه المعدنية والغازية، وبعض المواد الغذائية، والبيض، والخضار والفواكه، والأعلاف والأسمدة، وجزء آخر من هذه السلع يستورد من إسرائيل وغير إسرائيل ويمكن أيضا إنتاجه محليا أو استيراده بشكل مباشر من غير إسرائيل مثل، الحيوانات الحية، والإسمنت، وأجهزة الهاتف، والشوكولاتة والسكاكر، والقمح والأرز، أما الجزء الآخر؛ فهناك سلع سهلة الإحلال وسهلة في التصنيع، كما يوجد بها غزارة في الإنتاج المحلي وهناك قدرة عالية على تغطيتها من الإنتاج الفلسطيني، مثل المياه المعدنية والغازية، وبعض السلع الزراعية، ومنتجات الألبان، أشار الباحث بأن الورقة تطرح عدد من التوصيات السياساتية والتدخلات وآليات التنفيذ.
وفي تعقيبه على الموضوع، أشار المعطي أن هذه الورقة تتقاطع بأهميتها مع عمل وزارة الاقتصاد الوطني، وقال ان هناك قرار في 2015 من مجلس الوزراء، تم اعداد قائمة للعمل عليها لموضوع الاحلال، وبين أنه لا يمكن أخذ تدابير على المستوى الحكومي، ودعا إلى وضع آلية داخلية في وزارة الاقتصاد لتقييد إدخال هذه السلع، وتنظيم السوق الداخلي، وإلى ضرورة وضع توصيات بحيث تعيد النظر في بعض السياسات خاصة فيما يتعلق بجذب المستثمرين،
بدوره، تحدث هنية عن ثلاثة مستويات في موضوع احلال الواردات، الأول يتعلق بالبعد الشعبي الجماهيري في التوجه نحو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات الفلسطينية، وضرورة وأهمية استمرار مبادرات التوعية ومأسستها والاستعانة بالمؤسسات البحثية والعلمية لإسنادها بالأرقام والمعلومات الدقيقة، أما المستوى الثاني متعلق بالشركات الفلسطينية، وذلك من خلال زيادة التركيز على الجودة، وكذلك أن لا يكون أول عامل متغير هو ارتفاع الأسعار، مع الحفاظ على حقوق العمال، أما فيما بالمستوى الثالث والمتمثل بالحكومة الفلسطينية من خلال الاسراع في انجاز الكود الفلسطيني والانضمام لمنظمة الترقيم العالمية، والاسراع في انجاز معهد التغليف الفلسطيني بالشراكة مع القطاع الخاص، وغيرها من الإجراءات المطلوبة من الحكومة.
وأشار هنية إلى أن البلديات لها دور حيوي في دعم المنتجات الفلسطينية وتشجيع الاستثمار أذ يوجد نظام للاستثمار المشترك بين البلديات والمستثمرين وهذا يتيح المجال لتوسيع الاستثمارات وتعزيز المنتجات الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها تمتلك دور محوري في تطوير المناطق الصناعية في المدن من حيث البنية التحتية وتشجيع الفرص الاستثمارية.
فيما أشار دراغمة إلى أن موضوع إحلال الواردات هو قضية مصيرية بالنسبة للقطاع الصناعي في فلسطين، وأن هناك سلع بسيطة ذات طابع استهلاكي قابلة للتصدير، ويجب إعادة إحياء ملف الشراكة مع القطاع الخاص، وبين أنه تم إعادة إحياء مكتب المحاماة ليتم منح فلسطين الباركود.
وقال الحرباوي انه من الصعب إعادة صياغة هذه العلاقة التجارية مع الجانب الإسرائيلي، خاصة وأن إسرائيل غير ملتزمة بأي بند من هذه البنود، ويجب كسر هذه العلاقة على المستوى الشعبي، وتعزيز العلاقة مع الفلسطينيين في الداخل، ودعا إلى تعزيز الصناعة ضمن استراتيجية لزيادة حصة المنتج الوطني الفلسطيني في السوق الفلسطيني بحيث أن نسبتها بين 10-12% ويجب رفعها إلى 20% في المرحلة الأولى، وبين أن الصناعة تحتاج إلى مقومات خاصة فيما يتعلق بالمناطق الصناعية والتي بدورها تقلل كلفة الإنتاج.
فيما دعا عنبتاوي إلى ضرورة إنشاء علاقة من التعاون الإقليمي، وتشجيع البحث والتطوير، وخلق حالة من الشركات الدولية، وإنشاء شراكات حقيقة ما بين الحكومة والقطاع الخاص، ودعا إلى ضرورة الالتفاف الشعبي، وأن يكون هناك قرار وخطة وطنية ودعم من المستوى السياسي لذلك.
بينما أجمع الحضور على أهمية الموضوع، وأكدوا على ضرورة أن يتم دراسة هذا الموضوع بتمعن، وأنه موضوع استراتيجي يجب الاهتمام به، وهذا يتطلب أن تقوم الجهات الفلسطينية بأخذ زمام المبادرة، مع التركيز على ضرورة البدء في تطبيق ال 36 سلعة قابلة للإحلال بمنتجات محلية سواء بشكل جزئي أو كلي.
يذكر أن المعهد سوف يقوم خلال الأيام القادمة بإصدار ورقة سياسات حول التوصيات الواردة في الورقة الخلفية والجلسة وطرق متابعة هذا الملف الحيوي.