رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "منافع ومحددات تفعيل السجل الوطني الاجتماعي الموحّد"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهيا في مقر المعهد برام الله وعبر تقنية الزووم.
أعد الورقة الخلفية الباحثة في المعهد إيمان سعادة، وقدم كل من وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني، والمدير القطري وممثل برنامج الأغذية العالمي سامر عبد الجابر، والدكتور بدر الأعرج المحاضر في جامعة بيرزيت مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.
وأكد مدير عام المعهد رجا الخالدي، أهمية الموضوع، وذكر أن هذه الورقة تأتي أيضا في إطار اهتمام المعهد بمتابعة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المستجدة، حيث يعقد المعهد لقاءات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة هذه المواضيع باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني، كما شكر الخالدي مؤسسة هينرش بل - مكتب فلسطين والأردن على دعمها هذا اللقاء.
ورقة ماس الخلفية
في إطار عرضها للورقة، بينت سعادة أن هذه الجلسة تناقش الدور الذي تلعبه السجلات الاجتماعية في السياسة الاجتماعية للحكومات من ناحية مساهمتها في تحقيق سياسات شمولية، وكذلك الدور التشغيلي الذي تلعبه كونها نظم معلومات.
وأوضحت سعادة أن مبدأ هذه السجلات يقوم على إمكانية تسجيل المواطنين فيها بطريقة ديناميكية في حال كان التسجيل فيها مفتوحا بشكل مستمر، حيث يحق لأي شخص مستحق للحماية الاجتماعية الحصول عليها من خلال التسجيل في هذا السجل مما يساهم في تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة.
وأشارت إلى أنه يتم التسجيل فيه من خلال الموقع الإلكتروني المخصص للسجل أو من خلال التوجه إلى المديريات والاستعانة بموظفي وزارة التنمية الاجتماعية.
وأظهرت الباحثة أنه في المرحلة الأولى سيضاف تلقائيا إلى السجل الوطني كافة متلقي خدمات وزارة التنمية الاجتماعية الحاليين سواء في برنامج التحويلات النقدية أو في أي من البرامج التي تقدمها الوزارة. ولهذا الغرض منذ نهاية العام 2021 قامت طواقم وزارة التنمية الاجتماعية وباحثوها المدربون بتنفيذ زيارات ميدانية لتحديث بيانات 142 ألف أسرة من الأسر المسجلة مسبقا لدى وزارة التنمية. ويستطيع التقدم بطلب للحصول على مساعدة كل شخص يرى أنه بحاجة لها. وبعدها تتم مرحلة تعبئة استمارة السجل وفحص الاستحقاق.
أبعاد الحماية الاجتماعية التي يتضمنها السجل الاجتماعي الوطني الموحد وارتباطها بأهداف التنمية المستدامة
أشارت الباحثة إلى أن السجل الاجتماعي الوطني الموحّد يتضمن رزمة حماية اجتماعية شاملة تضم أبعادا اقتصادية واجتماعية وفق مفهوم الفقر المتعدد الأبعاد. وكذلك معادلة فقر مبنية على متغيرات الانفاق الاستهلاكي للأسرة لتحديد الفقر النقدي، إضافة إلى المتغيرات الاجتماعية الخاصة بقياس الحرمان الاجتماعي.
وأضافت أن هناك رزمة مساعدات تغطي أبعاد مختلفة للحماية الاجتماعية إلى جانب المساعدات النقدية والغذائية، تشمل التأمين الصحي والوصول للخدمات الصحية، خدمات تأهيل لذوي الإعاقة، إعفاءات مدرسية، حماية وتأهيل لمن تعرضوا للعنف سواء من النساء أو الأطفال. ويرتبط تفعيل السجل بالمساهمة في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة 2030 ومنها الهدف الأول وهو القضاء على الفقر.
فرص وفوائد تطبيق السجل الاجتماعي الوطني الاجتماعي الموحّد
بينت الباحثة أهمية تفعيل دور وزارة التنمية الاجتماعية كقائد وموجّه لقطاع التنمية الاجتماعية وليست مقدم خدمات فقط. فمن ناحية سيضمن السجل الوصول لخدمات وزارة التنمية الاجتماعية وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الشريكة وفق معادلة محددة تضمن العدالة والمساواة والوصول للمساعدات وفق الاستحقاق. وسيضمن السجل الوصول إلى الخدمات بسرعة وسهولة وفعالية من قبل مستحقيها ويقلل الجهد والتدخل البشري اللازم للوصول إلى المساعدة من خلال استخدام نظام محوسب مشترك يربط مختلف مقدمي خدمات الحماية الاجتماعية اللازمة. أضف إلى ذلك أنه سيوفر إضافة إلى خارطة الاحتياجات، خارطة لمقدمي الخدمات، وتصبح محاولة الربط والتشبيك بين مستحقي الخدمات ومقدميها أكثر شفافية ووضوح. وإن تحديد أولويات واضحة قد يشجّع الممولين الدوليين والمحليين للمساهمة في دعم منظومة الحماية الاجتماعية كل بحسب اختصاصه وأجندته التمويلية.
تحديات تفعيل السجل الوطني الاجتماعي الموحّد
وأوضحت الورقة أن تكلفة تفعيل السجل الوطني مرتفعة في ظل موازنات شحيحة، كما أنه سيواجه تحديات تقنية، وسيكون بحاجة لصيانة وتطوير دائم وهو ما يتطلب موارد بشرية كفؤة وتمويل كافي.
وعلى الرغم من توقيع 13 وزارة لاتفاقيات تفاهم، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من الوقت لتعديل أنظمتها حتى تصبح متلاءمة مع نظام السجل الوطني الاجتماعي، كما أن الوزارات بحاجة إلى تنسيق تقني فيما بينها، حيث أن لكل وزارة بروتوكول خاص في تقديم المساعدة.
أما من ناحية الموارد البشرية فهي محدودة من ناحية الكفاءة والحجم، (230 باحث اجتماعي) نسبة ضئيلة منهم مؤهلون ليكونوا مدراء حالة. ووزارة التنمية الاجتماعية بحاجة لكوادر أكبر وتدريبات. وكذلك أيضا فيما يتعلق بالبنية التحتية لمديريات وزارة التنمية الاجتماعية في المحافظات، حيث لا تزال غير مؤهلة لتتناسب مع احتياجات المواطنين وخصوصيتهم أثناء التسجيل في السجل الوطني الاجتماعي. أضف إلى ذلك أن عدم الوصولية للانترنت من كافة المواطنين والأمية في القراءة والكتابة أو في استخدام التكنولوجيا قد يحرم عدد من الفقراء من الوصول إلى الحماية الاجتماعية.
آراء نقدية ومخاطر محتملة
"يخلص المنتقدون إلى استنتاج قاسي مفاده أنه ليس للسجلات الاجتماعية دور تلعبه في أنظمة الضمان الاجتماعي الحديثة. إذا كانت الحكومات ترغب في تغيير مجتمعاتها ودعم التعافي الوطني من جائحة كورونا، فعليها، بدلاً من ذلك: التركيز على بناء أنظمة شاملة للضمان الاجتماعي الشامل، جنبًا إلى جنب مع الخدمات العامة الشاملة الأخرى".
من جانبه، بين مجدلاني أن السجل الوطني الفلسطيني أفضل من العديد من السجلات في الدول المجاورة بحيث تعتمد هذه السجلات على الفقر، بينما يعتمد السجل الوطني الفلسطيني على الفقر المتعدد.
وأوضح أن السجل ليس حلا سحريا لمشكلة الفقر في فلسطين، فهو نظام يساعد في التعامل مع القضايا الإحصائية، وأن أهمية السجل الوطني في منهج إدارة الحالة وأنه لا يتم التعامل مع الفقير لوحده ولكن مع العائلة كاملة.
وأوضح أن الهدف من السجل هو توفير فرص عادلة لجميع طالبي الخدمات وتقييم الأولويات بينهم، ومن المفترض أن يساعد السجل الوزارة على الوصول إلى شريحة أوسع من مستحقي خدمات التنمية الاجتماعية والأكثر احتياجا منهم.
بدوره، أكد عبد الجابر أهمية بناء السجل الاجتماعي في سياقات البرامج الاجتماعية الإغاثية وأيضا التنموية في حالات أخرى وفي الحالة الفلسطينية خاصة.
وأشار الى أن برامج التحويلات النقدية والمساعدة الغذائية التي ينفذها برنامج الأغذية العالمي في فلسطين لما يقارب من 400 ألف مستفيد، غالبيتهم من الفئات الأفقر، سيستفيد من تفعيل السجل الاجتماعي وسيمكن السلطة الفلسطينية وكذلك شركائها الدوليين والمحليين، من المزيد من التدقيق في الاستهداف، وفي التركيز أكثر على قدرات المستفيدين الكامنة وغير الموظفة، بدل من التركيز فقط على احتياجاتهم.
وأضاف أن جميع برامج الحماية الاجتماعية يجب أن تركّز على "تخريج" المستفيدين من حالة العوز إلى حالة التمكين من خلال برامج مرادفة ومكملة.
من جهته، أوضح الأعرج أن السجل الاجتماعي ضمن جهود المأسسة ضروري ومهم في هذه المرحلة، لكن المحاذير حول السجل يجب أخذها بجدية والعمل باستمرار على معالجتها حتى لا يستثنى أحد من الدعم.
ومن بين تلك المحاذير، أشار الى عدم الوصول الشامل لجميع المحتاجين من مختلف الفئات الفقيرة والمهمشة، وإذا بقي النظام محصورا بمن استطاع الوصول لهم فقط ولم يتم توسيع شموله وتوفير الكادر لتفعيله رقميا وميدانيا لجميع المناطق والطبقات التي ما زالت "خلف الركب"، فإن من شأن ذلك إضعاف الفائدة السياسية الاستراتيجية من اعتماد مثل هذا السجل.
وأكد أنه يجب التفكير بتحويل السجل الذي يستهدف فقط الفئات الفقيرة، إلى سجل اجتماعي لجميع السكان بغض النظر عن حالتهم المادية، ليصبح مرجع معلوماتي لمختلف البرامج الإنمائية الاجتماعية.
فيما أجمع الحضور على أن السجل الاجتماعي اليوم لا يزال سجل مستفيدين ولم يصل إلى مرحلة سجل اجتماعي موحّد، وأن أهمية السجل تكمن في كونه أداة للوصول وتحقيق أهداف برامج الحماية. كما أن التسجيل الذاتي عبر الوسائل التقنية الحديثة مشكلة للفقراء وهو أمر يجب التنبه له حتى لا يترك أحد خلف الركب. كما أشاروا إلى أهمية وجود قانون للحماية الاجتماعية يشمل كل المكونات.