واشنطن-أخبار المال والأعمال- نشر موقع "سي إن إن" الأميركيّ، تقريرًا مطوّلًا حول مستقبل المدن، والمشاريع الساعية إلى إيجاد مساحات أخرى لمواصلة التطوّر والنموّ، فبعد ردمها لأجزاء واسعة من البحر، وبناء ناطحات السحاب، بدأت سنغافورة هذه المدينة التي تعتبر مركزًا اقتصاديًّا عالميًّا، بالتخطيط للتوسّع تحت الأرض، من أجل تجنب التوسع العمراني غير المنظم، والاكتظاظ السكّاني، بالإضافة إلى ازدحامات لمرور، إذ تبحث السلطات السنغافوريّة عن حلول لاستخدام المساحات التي تقع تحت الأرض، بأفضل الطرق الممكنة.
وكانت سنغافورة قد أنشأت سابقًا طريقًا سريعًا، بالإضافة إلى مشاريع تكييف الهواء تحت الأرض، من خلال استخدامها لأحدث التقنيات. ووفقًا للمشروع، فإنّ السلطات تسعى لإنشاء مبان جديدة تحت الأرض، لكنّها لا تفكّر في الوقت الحاليّ في بناء مساكن، حيث أعدّت من خلال التقنيّات ثلاثيّة الأبعاد، خرائط خاصّة للتخطيط تحت الأرض.
وليست سنغافورة هي المدينة الوحيدة التي تفكّر في التوسع تحت الأرض، إذ كانت هلسنكي الفنلنديّة قد بنت مراكز تسوّق ومواقف للسيّارات، بالإضافة إلى مسابح عديدة، كما قامت مدينة مونتريال الكنديّة شبكة كاملة تحت الأرض تمتدّ إلى أكثر من 32 كيلومترًا، تحتوي على مطاعم ومبانٍ ومراكز تسوّق.
ما هي الخطّة؟
بدأت سنغافورة بحفر سلسلة من الأنفاق تحت الأرض على عمق 60 مترًا، وليس الأمر حديثًا، إذ جاء تصوّر المشروع في منتصف التسعينات، والذي يقضي بإنشاء طريق سريع تحت الأرض، وتضمّنت المرحلة الأولى للمشروع، 48 كيلومترًا من أنفاق الصرف الصحيّ، ومحطّة مركزيّة لتنقية المياه، وقدّرت تكلفة هذه المرحلة بنحو 3.4 مليار دولار. انتهت هذه المرحلة مع عام 2008، وبدأت المرحلة الثانية عام 2017، ومن المتوقّع أن تنتهي مع عام 2026، حيث ستستطيع هذه الأنفاق نقل مياه الصرف الصحيّ كاملة إلى محطّات المعالجة تحت الأرض.
وفي هذا المشروع، وبناءً على ما تعلّمه المهندسون من العمل في المرحلة الأولى من المشروع، فإنّه سيتمّ العمل على أنواع خاصّة من الخرسانات المقاومة للتآكل.
وقال كبير المهندسين في المشروع، لاي لين "لقد واجهنا تحدّيات زيادة عدد السكّان وكذلك زيادة التطوّرات في الصناعة، ومع هذا الطلب، لم نستطع الاستمرار في الاعتماد على توسيع البنية التحتيّة لمياه الصرف الصحيّ، وكان علينا إيجاد حلول مستدامة بشكل أكبر، وتعطينا قدرًا أكبر من المرونة".
وتخطّط السلطات في سنغافورة أيضًا إلى إنشاء مدينة للعلوم تحت الأرض، بمساحة 300 ألف متر مربّع من أجل البحث والاختبارات، وسوف تساهم هذه المدينة في الصناعات الكيماويّة والبيولوجيّة والطبيّة، ومن المتوقّع أن يؤوي هذه المشروع نحو 4200 نسمة، على أن يزداد العدد بعد ذلك، ويقلّ الازدحام السكانيّ ولو بنسبة قليلة، ممّا يعني توفير مساحات لبناء المسطّحات الخضراء.
المستقبل تحت الأرض ليس مستقبلًا فعلًا… بل إنّه من الماضي
لأسباب مختلفة، فقد عاش الناس عبر التاريخ تحت الأرض بصورة مؤقّتة، فمثلًا، مع ظروف المناخ القاسية، اتّجهت مجتمعات للعيش تحت الأرض لحماية أنفسها بالأساس، على سبيل المثال، كانت مدن مثل كابادوكيا الشهيرة في تركيا، أو مدينة بورتلاند في الولايات المتّحدة الأميركيّة، التي يوجد بها مدينة أسفل أنفاق شنغهاي، وهي مجموعة من الممرّات للأنفاق التي تربط بورتلاند القديمة، ويُطلق عليها اسم "الحيّ الصينيّ". أو مدينة أدنبرة فاولز، وتتواجد تحت عاصمة أسكتلندا وتعود إلى القرن الثامن عشر، وهي مجموعة من الغرف التي كانت من أجل تخزين البضائع غير المشروعة، ومدينة بكين التي بنيت في السبعينات، لتكون ملجأ من الغزوات والهجمات النوويّة، أو مدينة سيتينيل دي لاس في إسبانيا، والتي تتواجد أسفل صخور ضخمة على طول مضيق نهر ضيّق، وغيرها من المدن
وقال المهندس المشارك في المشروع، بيتر ستونز "على الصعيد العالميّ، ومع نموّ مدننا من حيث عدد الكثافة السكّانيّة، سنشهد المزيد من تطوير المساحات تحت الأرض". وتابع "أنا أتصوّر مستقبلًا يتمّ فيه إعطاء الأولويّة للمساحة فوق الأرض للناس والطبيعة، ومن الممكن أن تخدم المساحات تحت الأرض، هذا الجانب العلويّ، من خلال البنية التحتيّة واستخدامات أخرى".