رام الله-أخبار المال والأعمال-الحياة الجديدة- يتوقع معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" وباحثون، أنه يمكن تقليل صافي الإقراض الذي يعتبر من أهم المعيقات التي تواجه الحكومة في القدرة على الاستمرارية في تقديم خدماتها بمقدار 187 مليون دولار (موزعة على العمر الافتراضي لمحطات الطاقة الشمسية) إذا تم تطوير وتنفيذ 100 ميجاواط من محطات الطاقة الشمسية. الأمر الذي يتطلب من الحكومة وبالشراكة مع الدول المانحة والقطاع الخاص الاستفادة من المبادرات الآخذة في التوسع لحل هذه المشكلة على وجه الخصوص.
جاء ذلك خلال ورشة نظمها المعهد في مقره برام الله، بالتعاون مع المعهد الفلسطيني للمالية العامة والضرائب، بالشراكة مع الوكالة الفرنسية للخبرة الفنية الدولية والمدعوم من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) لعرض ومناقشة نتائج دراسته بعنوان "أثر الانتقال إلى الطاقة المستدامة على المال العام - تقييم أثر مشاريع الطاقة الشمسية على الإيرادات وصافي الإقراض وتحفيز الاقتصاد الفلسطيني"، التي أعدها الباحثان د. ياسر الخالدي، ود. نائل موسى، وعقب على نتائجها الرئيس التنفيذي لمجلس تنظيم قطاع الكهرباء المهندس حمدي طهبوب، والمحاسب العام- وزارة المالية، أحمد الصباح، ورئيس مجلس الإدارة لشركة قدرة لحلول الطاقة المتجددة، المهندس عنان عنبتاوي.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية
ويتوقع الباحثون والخبراء، أن تساهم مشاريع الطاقة المتجددة في ثبات وصمود المناطق المهمشة والمتضررة بشكل أكبر من إجراءات الاحتلال، وتزيد من استقرار أمن الطاقة والاعتماد على مصادر الإنتاج المحلي، الأمر الذي يؤدي إلى الانفكاك الاقتصادي بشكل تدريجي وتقليل الاعتماد على الواردات من الاحتلال.
وبالنسبة للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، فان خلق فرص العمل على المديي القصير والطويل، يعد مؤشراً أساسياً يجب مراعاته عند مقارنة الطاقة المتجددة بأي مصدر آخر للطاقة. عند استيراد الكهرباء، يتم خلق فرص العمل في جانب التوزيع فقط.
أما بالنسبة للإنتاج المحلي من محطات الطاقة الشمسية، يتم خلق فرص العمل في كل مرحلة من عملية التطوير إلى التصميم والتعاقد والبناء والتشغيل والصيانة، وهذا بدوره يمكن أن يعزز المالية العامة. التحفيز الاقتصادي للمدن والبلدات هو مؤشر آخر ويأتي من جذب وإنشاء أنشطة صناعية وتجارية جديدة ومتنوعة بسبب زيادة إمدادات الطاقة من خلال الإنتاج المحلي من مشاريع الطاقة الشمسية.
الإيرادات (الضريبية) من واردات الطاقة المستوردة
وقارن الباحثان بين تكلفة استيراد الكهرباء مباشرة من شركة الكهرباء الإسرائيلية وبين توليد الكهرباء محليا من خلال الاستثمار في محطات الطاقة الشمسية لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للطاقة حتى عام 2030، وذلك للتعرف على التأثيرات المالية لإنتاج واستهلاك الطاقة المتجددة محليا على الحكومة وهيئات توزيع الكهرباء والقطاع الخاص.
واظهرت نتائج الدراسة التي عرضها د. نائل موسى، ان الإيرادات المتوقعة للحكومة وهيئات توزيع الكهرباء ومنتجي الطاقة المستقلين (بعد خصم الضرائب والتكاليف) من280 ميجاواط من محطات الطاقة الشمسية تبلغ حوالي 582 مليون دولار من سنة 2022 إلى 2030 (موزعة على 25 سنة حسب العمر الافتراضي لمشاريع الطاقة الشمسية)، وتزيد أربعة أضعاف ونصف عن الإيرادات (الضريبية) من واردات الطاقة المستوردة من شركة الكهرباء الإسرائيلية والبالغة 123,5 مليون دولار.
ويرى الباحثان إن الفرق الجوهري والإيجابي بين الإنتاج المحلي من المصادر المتجددة مقارنة باستيرادها من شركة الكهرباء الإسرائيلية، يعتبر دليلاً كافيا لصناع القرار لتغيير مسار التخطيط ووضع الانتقال إلى الطاقة المستدامة التي تقودها الطاقة الشمسية على رأس الأولويات وأجندات التطوير.
تساهم بشكل إيجابي في المالية العامة
وأظهرت النتائج بأن مشاريع الطاقة المتجددة تساهم بشكل إيجابي في المالية العامة من خلال تحسين الإيرادات العامة وتقليل صافي الإقراض، على عكس ما هو شائع بأن دعم الطاقة المتجددة يعمل على استنزاف المال العام، وخصوصا فيما يتعلق بإنتاج الطاقة محليا من خلال محطات الطاقة الشمسية.
واكد الباحثان ان منتجي الطاقة المستقلين والمستثمرين يحتاجون إلى مشاريع لدعم البنية التحتية لشبكات الكهرباء للسماح لهم بدمج مشاريع الطاقة المتجددة، والتي يمكن تمويلها من خلال توجيه الحكومة للجهات المانحة للاستثمار في البنى التحتية للطاقة المتجددة.
وبينت النتائج أن الحكومة لا ينبغي أن تكون مسؤولة بشكل مباشر عن تمويل مشاريع الطاقة المتجددة وبنيتها التحتية، الأمر الذي قد يرهق خزينة الدولة، ولكن يجب أن تعمل على تمكين وصنع السياسات، وتطبيق اللوائح والقوانين، وتسهيل وتسريع عملية التطوير والتنفيذ لتذليل العقبات التي تقف أمام مسيرة التنمية المستدامة من خلال حزمة من الحوافز المدروسة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة تقديم ضمانات للمستثمرين لتقليل المخاطر وضمان التدفق المستمر للمدفوعات لتوليد الطاقة من مصادر متجددة.
قياس أثر 500 ميجاواط من مشاريع الطاقة المتجددة على مؤشرات المالية العامة
وطور الباحثان نموذجا مصمما خصيصا لقياس تأثير 500 ميجاواط من مشاريع الطاقة المتجددة على مؤشرات المالية العامة المختارة. وفقاً لاستراتيجية الطاقة الوطنية، تشكل الطاقة الشمسية 80% منها أو 400 ميجاواط من الهدف الوطني، والتي يمكن تنفيذها إما باستخدام اتفاقيات شراء الطاقة أو القياس الصافي.
وأكد الباحثان وجود ثلاثة سيناريوهات محتملة بالنسبة لتنفيذ مشاريع اتفاقيات شراء الطاقة مقارنة بمشاريع القياس الصافي.
وبينت نتائج الدراسة أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو توليد 70% أو 280 ميجاواط من محطات الطاقة الشمسية عبر اتفاقيات شراء الطاقة، بينما سيتم توليد 30% أو 120 ميجاواط المتبقية عبر ترتيبات القياس الصافي، ووفقاً لذلك، ستتم الحسابات من خلال النموذج الذي تم تطويره في الدراسة على توليد 280 ميجاواط من خلال محطات الطاقة الشمسية التي سيتم إنشاؤها على نطاق واسع في السنوات التسع القادمة بدءاً من عام 2022 والتي تنتهي بالسنة المالية 2030، بالإضافة إلى حساب كل مؤشر من مؤشرات المالية العامة على حدة، حي تم حساب مجموع الأثار المالية لدمج 280 ميجاواط من محطات الطاقة الشمسية عبر اتفاقيات شراء الطاقة ومقارنتها باستيراد 280 ميجاواط من شركة الكهرباء الإسرائيلية على إيرادات المؤسسات الفلسطينية.
اما مدير عام معهد "ماس" رجا الخالدي فأكد أن هذا البحث طَوّر إطارا تحليليا لفهم أثر مشاريع الطاقة المتجددة على المالية العامة، وتحديدا أثر تطوير محطات الطاقة الشمسية على نطاق واسع. يساعد الإطار التحليلي في تصنيف التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية وقياسها وتجميعها ومقارنتها بطريقة شاملة.
وقال: "يُظهر البحث أن الانتقال إلى الطاقة المستدامة لا يفيد البيئة فحسب، بل يقلل من تكلفة إنتاج الكهرباء بنسبة قد تصل إلى 30% على الأقل مقارنة بالطاقة المستوردة من المصادر غير المستدامة والتي ستنعكس في النهاية على التكلفة التي يتحملها المستهلك، وتولد إيرادات للحكومة والقطاع الخاص وهيئات توزيع الكهرباء، من شركات خاصة وبلديات ومجالس محلية. علاوةً على ان الانتقال إلى الطاقة المستدامة يؤدي إلى ترك آثار اقتصادية خارجية إيجابية على الناتج المحلي الإجمالي، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحفيز الاقتصاد، وتحسين البنية التحتية".
ومن جانبها، أكدت مدير عام المعهد الفلسطيني للمالية العامة نهاد يونس، بضرورة التعاون المستمر ما بين المؤسسات للخروج بدراسات نوعية متخصصة تقوم بمساندة صانعي القرار بطريقة علمية مستندة على حقائق وبيانات.
وتأتي هذه الدراسات انسجامًا مع الاستراتيجية البحثية للمعهد المالي وتلبي حاجة القطاع العام لدراسات متخصصة من هذا النوع، بالإضافة الى دور الشريك الفرنسي في تمويل هذه المشاريع.
وعقب على الدراسة الأستاذ أحمد الصباح المحاسب العام في وزارة المالية، في إطار توجهات الوزارة في دعم هذا القطاع من حيث الإعفاءات الجمركية والضريبية، بالإضافة إلى محاولة التخفيف من مشكلة صافي الإقراض الذي يشكّل عبئًا كبيرًا على المالية العامة في فلسطين.
وعن مجلس تنظيم قطاع الكهرباء، عقب المهندس حمدي طهبوب، المدير التنفيذي للمجلس، على أهمية هذه الدراسة المتخصصة ونتائجها التي يمكن أن يبنى عليها الكثير من السياسات الخاصة بقطاع الطاقة المتجددة، وأكد على وجوب العمل الدائم على رفد مكتبة القطاع العام بمثل هذه الدراسات.
وبدوره عقب المهندس عنان عنبتاوي رئيس مجلس إدارة شركة قُدرة لحلول الطاقة المتجددة، وممثلا عن القطاع الخاص،على نتائج الدراسة في إطار التحديات الفنية والمالية التي تواجه المستثمرين في هذا القطاع.