رام الله-أخبار المال والأعمال- نظمت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، يوم الأربعاء، ورشة عمل بعنوان (حبس المدين في فلسطين) بمشاركة مختصين ومسؤولين وممثلين عن مجلس الوزراء، نقابة المحامين، جمعية البنوك، سلطة النقد، الشرطة القضائية ووزارتي العدل والاقتصاد الوطني، النيابة العامة، وصحفيين مختصين بالشأن الاقتصادي وعدد من المهتمين.
تم تنظيم هذه الورشة لتسليط الضوء على ورقة سياسات أعدتها الهيئة حول حبس المدين، والتي أـكدت فيها على مطالباتها السابقة بحظر حبس المدين لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي انسجاماً مع المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه فلسطين في العام 2014.
وتضمنت الورقة مختصرًا لكيفية عمل نظام حبس المدين وآثاره الاقتصادية والاجتماعية، وذلك على طريق إثراء النقاش الحقوقي حول هذه القضية المهمة، معتمدة على قراءة قانونية للقوانين الوطنية والأحكام القضائية ذات العلاقة، وإجراء مقابلات مع محامين وقضاة للتعرف على الجانب العملي لحبس المدين، والاعتماد على الزيارات الميدانية التي تنفذها الهيئة لمراكز الإصلاح والتأهيل.
افتتح الورشة الدكتور عمار الدويك المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مبينًا أن الهيئة بصفتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، نعتبر أن مراجعة حبس المدين لجهة حظر حبس المدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية، خطوة مهمة على طريق تعزيز منظومة حقوق الإنسان فلسطينياً بما ينسجم مع المعايير الدولية، داعياً إلى اعتماد بدائل تحفظ حقوق الدائنين مع الأخذ بالاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة.
وبين أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته (11) يحظر سجن الإنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي، كون حبس المدين يمثل انتهاكاً للكرامة الإنسانية، فالأصل هو أن الذمة المالية للإنسان تضمن الديون وليس الجسد من يضمنها، وأن العمل بعكس هذه القاعدة فيه امتهان للكرامة الإنسانية.
الجلسة الأولى والتي أدارتها الأستاذة لبنى كاتبة عضو مجلس مفوضي الهيئة، تحدث فيها الأستاذ أحمد الأشقر، قاضي سابق، محمد رجوب صحفي مهتم بالشأن الاقتصادي، الباحث الحقوقي عمار جاموس، الأستاذ فادي عباس أمين سر نقابة المحامين.
عرض جاموس ورقة السياسات التي أعدتها الهيئة حول حبس المدين في فلسطين، مبينًا الإطار التشريعي لحبس المدين ومدى انسجام الواقع معه.
وقال إن القانون ساري المفعول لا يجيز حبس المدين الذي يعجز فعلا عن السداد، إلا أن القضاة في معظم الحالات لا يأخذون هذا بعين الاعتبار، لذلك تجد أن في الحبس أناساً معسرين. بالإضافة إلى الأسباب الداعية إلى حظر سجن المدين العاجز، مقدماً التوصيات التي تساهم في تجنب سجنه.
وقدم الرجوب مؤشرات اقتصادية عامة حول مصادر الاستدانة السائدة في فلسطين لا سيما الشيكات وأثرها على زيادة فرص تعثر المدينين وبالتالي زيادة فرصة تعرضهم للسجن، مشيرًا إلى أن التداول بأوراق الشيكات بالملايين.
تحدث الأشقر حول السياسة القضائية المتعلقة بصلاحية حبس المدين، كون ذهنية السادة القضاة تتجه نحو استسهال إصدار أوامر الحبس، مشيرًا إلى أن القانون الفلسطيني جيد، لكنه بحاجة لتعديلات تتم من خلال المجلس التشريعي وليس من خلال اصدار قرارات بقانون.
وأشار إلى مسألة الإنفاذ القضائي لاتفاقيات حقوق الإنسان.
من جهته اعتبر عباس أن موضوع الورشة فرصة هامة لإظهار موقف النقابة من موضوع حبس المدين، معتبرًا أن إجراءات الحبس لا تتم الا في أضيق الأحوال، وأن عملية الحبس تمر بإجراءات متعددة تبدأ بفتح الملف التنفيذي، مؤكدًا أن حبس المدين يأتي بحق المقتدر الذي يرفض الالتزام، ومن غير الدقيق القول بأن المدين هو عرضة للحبس، وأن الغاء أمر الحبس دون وجود بدائل ناجعة في واقعنا يعتبر أمر في غاية الصعوبة.
الجلسة الثانية والتي أدارتها الأستاذة خديجة زهران مديرة دائرة السياسات والتشريعات الوطنية في الهيئة، تحدث فيها د. رابح مرار مدير البحوث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحبس المدين، وتطرق إلى واحدة من أهم أسباب المديونية في فلسطين وهي سياسة الاقتصاد الحر التي أدت إلى الافراط في الاستهلاك والاعتماد على القروض والديون لسد الحاجات الأساسية للمواطنين الأمر الذي يعرضهم لعقوبة الحبس حال تعثرهم لأسباب خارجة عن ارادتهم.
وتحدث مراد صوافطة مدير الدائرة القانونية في سلطة النقد عن نسب التعثر في الشيكات والتسهيلات المصرفية، بعد 2009، فقد بدأت سلطة النقد بالعمل وفق نظام المعلومات الائتماني والذي بموجبه انخفضت نسب التعثر، كون هذا النظام مرتبط بالحالة السياسية والوضع العام، مبيناً أن موضوع الشيكات اعقد من موضوع التسهيلات كون صاحب الشيك حر بالتصرف في دفتر الشكات الخاص مع عدم وجود قيود على تحريرها.
واستعرض العميد مهند صوان مدير إدارة الشرطة القضائية إجراءات الشرطة في تنفيذ مذكرات القضائية ضد الشخص المدين والتكلفة المالية لهذه الإجراءات وتكلفة حبس المدين في السجون بشكل عام من حيث تكلفة المأكل والمشرب والرعاية الصحية داخل مراكز الاحتجاز، وقال إن إجراءات الشرطة المتخذة في هذا السياق تتعلق بالسيادة والشرطة تعمل على تنفيذ المذكرات القانونية بحق حبس المدين.
وبينت قسم حمدان مساعد قانوني بوزارة العدل أنه بالإمكان اتخاذ إجراءات بحق المدين المتعثر عوضًا عن حجز حريته، تتمثل في تقييد استخراج بعض الوثائق كون هذه الإجراءات متبعة في العديد من دول العالم، مشيرةً إلى أن موضوع حجز المدين وقانون التنفيذ جرى نقاشه في لجنة مواءمة التشريعات التي اعتبرت أن القانون جيد مقارنة مع العيد من دول الجوار، غير أن التطبيق الفعلي بحاجة إلى ضرورة التحري عن وضع المدين المتعثر قبل إصدار حكم حبس المدين.