غزة-(الجزيرة نت)- بلمح بالبصر أصبح "أبو الأمير" وأسرته المكونة من 10 أفراد في "مهبّ الريح" بعدما فقد مصدر رزقه الوحيد إذ كان يعمل حارسا في برج الشروق الذي حولته غارة جوية إسرائيلية إلى "كومة من الركام".
كثيرون مثل أبو الأمير ممن يحصّلون أرزاقهم من مهن مرتبطة بالعمل اليومي ويطلق عليهم "عمال المياومة"، قد التحقوا بـ"جيش البطالة" الجرّار في غزة، سواء جراء تدمير الأماكن التي يعملون فيها، أو بسبب توقف عجلة الحياة في غزة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الحالية مساء الاثنين الماضي.
العمال.. ضحايا بلا دماء
وقال أبو الأمير -للجزيرة نت- إنه يعمل في البرج منذ 13 عامًا، ويعيل أسرة كبيرة من 10 أفراد، وبانهياره أمام ناظريه أصيب بكثير من الألم والحسرة.
أبو الأمير الذي استشهد نجلاه أمير (12 عامًا) ومحمد (10 أعوام) في غارة جوية إسرائيلية خلال حرب عام 2014، يضيف "شعرت بأنني فقدت ابنًا ثالثًا بانهيار البرج الذي كان مصدر رزقي الوحيد".
وبرج الشروق هو أقدم الأبراج التي شيدت في غزة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، وهو الثاني من حيث الارتفاع، ويعدّ معلمًا شهيرًا في حي الرمال التجاري الأكثر حيوية في المدينة، وهو برج تجاري يحتوي على مقارّ شركات تجارية ومكاتب إعلامية وصحفية وعيادات طبية وغيرها من القطاعات التجارية والخدمية.
وأدّت الحرب الإسرائيلية المستعرة على غزة منذ الاثنين الماضي إلى توقف عجلة الاقتصاد الهش بالأساس بسبب القيود وسنوات الحصار الإسرائيلي الطويلة منذ منتصف عام 2007.
وقال نائل الشبطي -للجزيرة نت- إنه وشقيقه وعمالا آخرين يعملون معه في قطاع البناء والإنشاءات أصبحوا بلا عمل منذ اندلاع الحرب.
ويخشى الشبطي أن يطول أمد الحرب ويطول معها عجزهم عن العمل الذي تعتاش منه كثير من الأسر.
خسائر فادحة
ونتيجة الغارات الجوية المكثفة لحقت أضرار جسيمة بأغلب القطاعات التجارية والاقتصادية، ستترك آثارًا سلبية في حياة مليوني إنسان في القطاع الساحلي الصغير، يعانون أصلًا معدلات فقر وبطالة مرتفعة.
وتقول جهات رسمية في غزة إن التدمير الإسرائيلي نال من مئات المنشآت الاقتصادية والتجارية، بينها بنوك ومقار شركات، مقدّرة الخسائر الأولية المباشرة لما أحدثته الحرب من دمار بأكثر من 100 مليون دولار.
ولحق دمار هائل بنحو 60 مقرًّا حكوميًا، وأكثر من 500 وحدة سكنية، بحسب تقديرات أولية للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
شلل اقتصادي
وقال الدكتور أسامة نوفل مدير التخطيط والسياسات العام في وزارة الاقتصاد بغزة -للجزيرة نت- إن الاقتصاد هو الأكثر تضررًا من الحرب التي ضاعفت أضراراه وفاقمت الأوضاع المأساوية لدى السكان.
وأضاف أن استهداف الأبراج والمحال ومقار الشركات التجارية والبنية التحتية له "بعد اقتصادي"، فالدمار الذي يلحق بها يؤثر في إنتاجية القطاعات الاقتصادية كافة، فضلًا عن توقف النظام المالي والمصرفي جراء قصف مقار بنوك وخروجها عن العمل، فذلك كله يؤدي إلى عدم انتظام العملية الاقتصادية.
كذلك فأجواء الرعب التي تخيم على قطاع غزة منذ اندلاع الحرب تسببت في "شلل" الحركة الاقتصادية التجارية، وأصبحت دورة الأعمال والنشاط الاقتصادي في حالة انهيار، وفقًا لنوفل.
وقال إن الفئات الهشة والعمالة غير المنتظمة (المياومة) هي الأكثر تضررًا من هذا الانهيار، ومن ثم سترتفع نسبة البطالة وستقود إلى ارتفاع أكبر في مستوى الفقر.
ومن المتوقع، حسب نوفل، أن ترتفع البطالة من 49% قبل الحرب إلى 70% بعدها، وستبلغ نسبة الفقر 85%، وهذه النسب الخطرة تتطلب تدخلات إقليمية ودولية سريعة عبر تشكيل صناديق إغاثة وإعادة إعمار تمنع الانهيار التام.
ويقول نوفل إن ما يزيد الواقع سوءًا أن الحرب اندلعت وقطاع الاقتصاد الذي تكبد خلال حرب 2014 خسائر تقدر بـ500 مليون دولار لم يتم تعويض سوى 7% منها، وذلك يراكم الأزمات الاقتصادية.