رام الله-الحياة الجديدة-أعلن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" أن الاقتصاد الفلسطيني ربما يخسر ربع قيمته (4.3 مليرا دولار)، مشيرا وفق سيناريوهات وضعها إلى أن الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي سيتراجعان بنسبة تتراوح بين 20-36%.
وتوقع المعهد في دراسة حول الخسائر المتوقعة نتيجة تراجع العجلة الاقتصادية بسبب إجراءات مكافحة كورونا، ارتفاع معدل البطالة لجميع الأفراد في الضفة الغربية، ومن ضمنهم العائدين من العمل في الداخل، الى 30% وقد ترتفع الى 36%.
جاء ذلك خلال لقاء طاولة مستديرة عقدها المعهد، يوم الأربعاء، عن بعد بواسطة الفيديو، خصص لعرض النتائج الأولية لأبحاثه حول حجم ونطاق التكلفة الاقتصادية للأزمة الحالية وتطبيق إجراءات الطوارئ من أجل الحد من انتشار جائحة كوفيد-19في الضفة الغربية، بمشاركة مدير عام المعهد رجا الخالدي والباحثان مسيف جميل وبلال فلاح، بحضور حوالي 58 خبيرا وناشطا اقتصاديا يمثلون كافة القطاعات ذات العلاقة.
وأظهرت نتائج البحوث الاقتصادية انه مع احتساب مساهمة الدخل من العمالة في إسرائيل والمستوطنات (التي تضاف الى مؤشر الناتج المحلي الإجمالي لتكوين "الدخل القومي الإجمالي")، تكون الخسارة الكلية للاقتصاد الوطني بنسبة 25% (حوالي 4.3 مليار دولار) في السيناريو الأول، تصل حتى 38% (أو 6.3 مليار دولار) في السيناريو الثاني.
على مستوى الوظائف، للعاملين في الضفة الغربية، تظهر النتائج انخفاضا في عدد العاملين بمقدار 17% ضمن السيناريو الأول و25% في السيناريو الثاني. وبذلك من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة لجميع الأفراد في الضفة الغربية، ومن ضمنهم العائدين من العمل في الداخل، الى 30% ضمن السيناريو الأول و36% في السيناريو الثاني.
توقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للضفة
ويتوقع الباحثون في نتائج السيناريو الأول أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للضفة الغربية للعام 2020 بنسبة 20.3% قياسا بسيناريو الأساس. ويعادل هذا الإنخفاض ما مقداره 2,920 مليون دولار، مقيما بالأسعار الجارية.
أما نتائج السيناريو الثاني بحسب نتائج البحوث الثلاثة فانها تظهر انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يصل الى 35% (5,028 مليون دولار مقيما بالأسعار الجارية).
انخفاض الإنفاق الحكومي
كما يتوقع الباحثون انخفاض الإنفاق الحكومي في السيناريو الأول بنسبة 15% نتيجة انخفاض إيرادات الحكومة بحوالي 23%. فيما يرتفع هذا الانخفاض في إيرادات الحكومة إلى 33% في السيناريو الثاني وينخفض الاستهلاك الحكومي تباعا بنسبة 20%.
إجراءات الطوارئ سترفع بعد شهر ونصف من قرار رئيس الوزراء
وأكد الباحثون خلال عرضهم نتائج بحوثهم أن السيناريو الأول يفترض أن إجراءات الطوارئ سترفع بعد شهر ونصف من قرار رئيس الوزراء منع خروج المواطنين من منازلهم والذي اتخذه بتاريخ 22 آذار، وذلك على اعتبار أن الحكومة الفلسطينية قد سيطرت على انتشار الفيروس بشكل يسمح بعودة الحياة تدريجيا الى طبيعتها.
أما في السيناريو الثاني، فتضطر الحكومة الى تمديد الإجراءات المقيدة للنشاط الاقتصادي لمدة شهر ونصف. كما يفترض هذا السيناريو أن القيود سيتم رفعها تدريجيا، ولكن بوتيرة أبطأ من السيناريو الأول، بعد انتهاء هذه المدة.
التغير في القيمة المضافة بحسب القطاعات الاقتصادية الرئيسة
وتظهر النتائج كذلك التغير في القيمة المضافة بحسب القطاعات الاقتصادية الرئيسة، حيث يتوقع الباحثون أن تتأثر أنشطة النقل والتخزين وخدمات الإقامة والمطاعم سلبيا أكثر من معظم القطاعات الأخرى في السيناريو الأول وذلك نتيجة تأثرها بإجراءات الإغلاق الممتدة.
ويبرز ضمن السيناريو الثاني أن قطاعات التعدين واستغلال المحاجر والصناعات التحويلية والإنشاءات ستكون من أكبر الخاسرين. كما ستتراجع القيمة المضافة في قطاع الزراعة بشكل طفيف مقارنة بباقي القطاعات بسبب عدم تأثر هذا القطاع بإجراءات الطوارئ واستمرار الطلب عليه. ويرجع ذلك أيضا الى أن القطاع الزراعي يعتبر ملاذا أخيرا للرزق نتيجة تراجع النشاطات الاقتصادية الأخرى، تماما كما حصل خلال الانتكاسة الاقتصادية في الانتفاضة الثانية حيث ارتفعت القيمة المضافة لهذا القطاع.
نتائج نموذج التوازن العام المحوسب تبين مقدار الخسائر الاقتصادية للجائحة
ويبين مدير عام معهد"ماس" رجا الخالدي، ان نتائج نموذج التوازن العام المحوسب تبين مقدار الخسائر الاقتصادية للجائحة قياسا بما كان سيؤول اليه الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية بغياب الجائحة (سيناريو الأساس)، وذلك على افتراض أنه كان سينمو بنفس الوتيرة التي نما عليها في عامي 2017 و2019.
وقال:"برغم أنه لم يتسن للباحثين أخذ التسهيلات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة خلال هذا الأسبوع، إلا أن افتراضات السيناريو الأول تعكس الى حد بعيد هذه التسهيلات على أساس أن قيود الطوارئ سيتم رفعها بنسبة 50% في الأسبوعين اللاحقين لانتهاء فترة الطوارئ وعلى أن يتم رفعها نهائيا عن معظم القطاعات الاقتصادية (ما عدا الإقامة وخدمات الطعام والنقل العام) بعد ذلك".
إعداد عدة بحوث من خلال تطبيق نموذج التوازن العام المحسوب
وأكد الخالدي انه منذ اندلاع الأزمة، عمل المعهد على إعداد عدة بحوث من خلال تطبيق نموذج التوازن العام المحسوب (والذي تم تصميمه من قبل البنك الدولي) لمحاكاة ظروف الأزمة وتأثيراتها المحتملة.لذلك نمذّج باحثو المعهد تأثير اجراءات الطوارئ ضمن سيناريوهين لما يمكن أن تؤول اليه الأمور وذلك في ظل غياب معلومات يقينية عن أفق انتهاء الجائحة، وتم استثناء قطاع غزة من التحليل بسبب عدم وجود معلومات كافية حول طبيعة القيود والتغيرات التي طرأت على قطاعاته الاقتصادية.
النتائج تلتقي بشكل كبير مع توقعات الجهاز المركزي للإحصاء
وقال الخالدي ان هذه النتائج تلتقي بشكل كبير مع التوقعات التي أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مؤخراً، مع اختلافات في بعض المبالغ أو النسب، لكنه رأى تقاربا في توقعات المعهد والجهاز، والتي استخدم كل مؤسسة منهجية نمذّجة اقتصادية مختلفة لوضعها، "ما يؤكد مصداقية هذه التقديرات بشكل عام ومحاكاتها الدقيقة نسبياً لاتجاهات الاقتصاد في المدى القريب على الأقل"، وأكد ان المؤسستين ستواصلان "تعاونهما الفني مع شركاء آخرين من المؤسسات الاقتصادية الوطنية، في مراقبة التطورات الجارية وفي سبيل تحديث وتطوير مناهجهم في التنبؤ الاقتصادي".
النتائج التفصيلية ستصدر في عدد خاص من "المراقب الاقتصادي"
واشار الخالدي الى أن النتائج التفصيلية والشرح حول المنهجية والافتراضات ستصدر في عدد خاص من "المراقب الاقتصادي" خلال الفترة القريبة القادمة، والذي سيتضمن أيضا مراجعات قطاعية أولية لأبرز محاور التأثير المتوقع للأزمة خلال 2020.
ويسعى المعهد من خلال هذا البحث الى تزويد صانع القرار الفلسطيني بالتصورات العلمية المستندة الى قراءة واقعية للوضع الاقتصادي، للمساعدة في تبني التدخلات اللازمة في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأكثر تضرراً للحد من الخسائر ووضع التصورات المناسبة لحماية الأنفس والأرزاق والخروج من الأزمة نحو التعافي.
وأكد الخالدي أن الباحثين راعوا اختلاف حدة القيود لكل قطاع اقتصادي على حدا بحسب الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة. كما راعوا انخفاض أعداد العمال في سوق العمل الإسرائيلي والمستعمرات، والقيود الخارجية على الصادرات والواردات، وانخفاض التدفقات النقدية الى فلسطين، وانخفاض أعداد المتسوقين من فلسطينيي الداخل على مدار العام.