رام الله-وفا-يامن نوباني-في ساعة مبكرة من صباح قرية عجول الهادئة، شمال رام الله، تدور مغرفة أم كمال بواطنة (72 عاما) داخل برميل حديدي، سكبت بداخله زيت زيتون وقطرونة (صودا كاوية)، بعد أن أشعلت النار أسفله، وسط دخان منبعث من المكان.
وصلناها في حدود الواحدة بعد الظهر، وحين اقتربنا منها، قالت بعفوية: "أقف هنا منذ السادسة والنصف صباحا، وسأظل على هذا الحال حتى الرابعة والنصف مساء، أحرك زيت الزيتون وأمد النار بالحطب حتى تستوي الطبخة".
بأصابع متشققة نتيجة استخدامها للقطرونة، ومنديل تمسح به عرقها، تطبخ أم كمال زيت الزيتون مع المواد المضافة إليه، لتصنع بعد يومين متتاليين من العمل الشاق "الصابون البلدي".
عن خطوات تلك الصناعة، قالت أم كمال لوكالة الأنباء الرسمية "وفا": نسكب زيت الزيتون في الوعاء الحديدي، ونضيف إليها القطرونة والماء، ثم نبدأ بالتحريك، ويستمر ذلك لعدة ساعات، حتى يجمد الزيت ويصبح ثقيلا.
وتضيف: بعد ما يقارب الـ10 ساعات من غلي الزيت، يتم سكبه في مكان دافئ محاطاً بإطار خشبي يمنع سيلانه، ويترك ليوم واحد على الأقل ليجف، قبل أن يتم تقطيعه بواسطة آلة حادة، وتجهيزه للبيع.
يتم استخدام الصابون البلدي بعد 10-14 يوما من تقطيعه وتجهيزه، تجنبا لآثار الصودا. تقول أم كمال.
وحول سعر الصابون البلدي، توضح: أنا شخصيا أبيع الرطل بـ60 شيقلا، لكن أسمع أنه يباع بأسعار مختلفة، وفي مناطق أخرى يصل إلى 80 شيقلا، كما أنني أقوم في كل موسم بطبخ الصابون لأناس يأتوني بالزيت، ويكون نصيبي مقابل كل تنكة أطبخها، 100 شيقل.
تعتمد أم كمال على الصابون البلدي في توفير بعض احتياجات البيت، وهو أحد مصادر رزقها إلى جانب عملها في الأرض، تقول: أزرع كل ما هو ممكن زراعته، من بقوليات وخضراوات وحبوب، أسقي مزروعاتي من عيون المياه، إضافة إلى قطف النباتات والأعشاب البرية، أبيع جزءا منها، والجزء الآخر أخصصه للبيت، مثلا تخيل أنني لم أشترِ البندورة منذ أكثر من عشرين عاما، بل أزرعها.
وترى أم كمال: أنه ما زال للصابون البلدي زبائنه، الذين يفضلونه على أنواع الصابون الأخرى، المحلية والمستوردة، وذلك لخلوه من المواد الكيماوية وفوائده الكثيرة، وأيضا يفضله الكثيرون على سائل الاستحمام "الشامبو"، ففيه العديد من الخصائص التي تجعل الشعر قويا ونظيفا، إضافة إلى أنه يمنح الأجسام والوجوه النضارة والحيوية، وهو معقم طبيعي وقاتل للبكتيريا.
تجمع أم كمال في بدايات الخريف، الحطب وقطعا خشبية لاستخدامها في إشعال النار تحت البرميل الذي أعدته لطبخ الصابون، وتحاول قدر الإمكان اختيار أنواع من الأخشاب يكون ضررها أقل على البيئة المحيطة وصحتها الشخصية، فالدخان المتصاعد لعدة ساعات من الموقدة وفوهة البرميل يسبب لها السعال وضيق التنفس طيلة فصل الشتاء.
وتواجه مهنة صناعة الصابون البلدي خطر الاندثار، رغم وجود من يتقنها ويعمل بها في كل قرية وبلدة ومدينة فلسطينية تقريبا، فالتطور في وسائل الترفيه والمنظفات أزاح وطغى على الكثير من العادات الموروثة والمهن التراثية، كمصلح بوابير الكاز وتبييض النحاس، والحلاس (صانع سرج يوضع فوق الدابة ليسهل ركوبها).