السويداء ـ سوريا (شينخوا) في قرية "شنيرة" بريف السويداء جنوب سوريا، لجأ الخمسيني المثنى حسن الشوفي إلى استخدام روث أبقاره كوسيلة لتوليد الحرارة في فصل الشتاء في ظل ندرة وقود التدفئة (المازوت) نتيجة العقوبات المفروضة من جانب الولايات المتحدة وسيطرة قواتها على حقول النفط الرئيسية في سوريا.
وفي حظيرة تقع خلف منزله كان المزارع السوري الذي يكنى بأبي حسن، يرتدي أفرولا أزرق اللون، وحذاء مطاطيا بساق طويلة، ويضع غطاء أحمر اللون على رأس لحمايته من الرياح العاتية في تلك البقعة شديدة البرودة، حيث يقوم بجمع الروث من تحت الأبقار، ثم يخرجه على عربة معدنية يجرها بيديه ويمشي بها مسافة بعيدة عن المنزل ليضعها تحت أشعة الشمس.
ويمزج أبوحسن "روث الأبقار" مع مادة "التبن" بقليل من الماء قبل أن يحوله إلى أقراص بواسطة قوالب خشبية أو باليد ويتركه ليجف ثم يقطع إلى كتل صغيرة يتم وضعها في مدفأة يلتف حولها أفراد العائلة وهم يشربون الشاي أو القهوة المرة التي تم تجهيزها على نار الروث، وسط أجواء من الفرح والسرور.
ولا يقتصر استخدام روث الأبقار على التدفئة فقط بل أحيانا يستخدم في إشعال مواقد طينية لتحضير الطعام أو تسخين المياه.
وقال أبو حسن لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما كان يجلس وبيده ملقاطا مصنوعا من الحديد يمسك به قطع الروث ويضعها في المدفأة، إنه لا يخجل من استخدام روث البقر كوقود للتدفئة، مشيرا إلى أن زوجته تستخدمه لإشعال الفرن وتسخين الماء للعائلة أيضا.
واستخدمت فئة قليلة من السكان هذا النوع من الوقود قبل نشوب الأزمة في سوريا في عام 2011، ومع توفر مادة المازوت في سوريا تخلى الكثير عن الروث كوقود بديل.
ولكن مع تفاقم أزمة الوقود التدفئة واستمرارها خلال سنوات الحرب عاد استخدام روث الأبقار للتدفئة كونه متوفرا ويحقق الغرض المطلوب.
ودفع نقص وقود التدفئة الحاد "المازوت " في عموم المناطق السورية بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضتها على البلاد، المواطنين إلى البحث عن بدائل، فلجأ بعضهم إلى الحطب وآخرون إلى تفل الزيتون المصنع على شكل أسطوانات، وقشر اللوز والفستق الحلبي وغيره.
وتحدث أبو حسن بكثير من الأسى عن تردي الأوضاع المعيشية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار العملة وغلاء الأسعار ، مشيرا إلى أنه كان من الضروري عليه وعلى المزارعين الآخرين البحث عن بدائل والتكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته ظروف الحرب.
وقال أبو حسن "منذ اندلاع الأزمة في البلاد بدأت مادة المازوت تقل في الأسواق وباتت أسعارها تشكل عبئا كبيرا على الناس وكوني مزارعا وعندي مزرعة أبقار فكان لابد من البحث عن بديل فكان روث الأبقار".
ويرى أبو حسن في الروث البديل الأمثل للتدفئة في الشتاء وتلبية احتياجات المنزل الأخرى من تسخين المياه والطهي أيضا، لأن غاز الطهي أصبح نادرا أيضا، مضيفا أن "الأجداد والآباء استخدموا هذا الوقود للتدفئة".
وتابع يقول إن "الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وتفاقم الأزمات المعيشية، دفعت الناس الى الاستغناء عن مادة المازوت بسبب غلاء أسعارها وعدم قدرة الناس على شرائها".
وأضاف "لدي ابنة تخرجت هذا العام في كلية الصيدلة، وإذا كنت سأشتري مادة المازوت، فلن أتمكن من إعالتها لإنهاء دراستها، وإعالة باقي الأولاد الذين مازالوا يدرسون"، مؤكدا أن اللجوء إلى استخدام وقود بديل جعله يتمكن من اكمال دراسة أولاده بالجامعة.
وأشار أبو حسن إلى أن من 70% من سكان القرية التي يعيش بها يستخدمون الآن وقود روث الأبقار للتدفئة، لافتا إلى أنه يعطي بعض الناس هذا الوقود بشكل مجاني كنوع من التكافل الاجتماعي بين الناس.
وقال أبو حسن "حتى لو أصبحت مادة المازوت متوفرة في المستقبل، فسأبقى استخدم روث البقر للتدفئة لأنه صديق للبيئة ورخيص بالمقارنة مع مادة المازوت".
بدورها قالت زوجته أم حسن إن "هذا الوقود جيد، وأمن لنا دفئا وفيرا في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد"، مؤكدة أن الانسان يجب أن يبحث عن بدائل تمكنه من العيش والتغلب على الصعوبات التي تصادفه في حياته.
وأضافت أم حسن لوكالة ((شينخوا)) أن "هذا الأمر جعلنا نتمكن من تعليم أبنائنا في الجامعة، ورفد المجتمع بكفاءات متعلمة".
وفي يوليو 2021، رفعت الحكومة السورية سعر الوقود المدعوم بنسبة 177.7%.
وبحسب البيان الرسمي، فإن الزيادة في أسعار المحروقات نجمت عن ارتفاع أسعار الوقود العالمية إضافة إلى العقوبات الغربية المفروضة على سوريا.
وتلقي الحكومة السورية باللوم على العقوبات الأمريكية أحادية الجانب في تدهور سبل عيش مواطنيها.