رام الله-وفا-جعفر صدقة-من دون كثير كلام، للبندورة سلطان على جدول غلاء المعيشة، فهي مع عدد محدود من السلع تشكل السلة الحقيقية لمعظم الاسر الفلسطينية.
في حزيران، سجل جدول غلاء المعيشة، في فلسطين، او ما يطلق عليه بلغة اهل الاحصاء الرقم القياسي لأسعار المستهلك، حوالي نقطة مئوية، والمصدر الاساسي لهذا لارتفاع كالعادة، صعود اسعار بعض السلع الغذائية، فهي على الاغلب تتحكم فيه صعودا او هبوطا.
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عزا ارتفاع المؤشر لشهر حزيران، بشكل اساسي، لصعود ملحوظ في اسعار الخضروات، الطازجة والمجففة، واللحوم، والزيوت النباتية، وهي جميعها تنتمي لمجموعة المواد الغذائية، يضاف اليها ارتفاع اسعار المحروقات.
المؤشر يحتسب شهريا، ويقيس سلة تتكون من حوالي 650 سلعة موزعة على اثنتي عشرة مجموعة سلعية، تشكل مجموعة المواد الغذائية الوزن الاكبر فيها بنسبة 35-40%، وبإضافة مجموعتي المسكن، ومستلزماته والنقل والمواصلات، فإن النسبة تتجاوز 60% من سلة انفاق الاسرة الفلسطينية، ويأتي ذلك على حساب الانفاق على التعليم والصحة، ناهيك عن السلع والانشطة الترفيهية، وهو مؤشر على محدودية الدخل واتساع دائرة الفقر في المجتمع الفلسطيني.
حتى داخل المجموعة السلعية الواحدة، فإن سلع محددة تستحوذ على الوزن الاكبر من الانفاق، فعلى سبيل المثال، فإن البندورة وحدها تستأثر بنحو 50% من الانفاق على رزمة الخضروات، وكذا الخبز والارز والزيوت في رزم اخرى، بينما تستأثر المحروقات بالوزن الاكبر من مجموعتي السكن ومستلزماته، والنقل والمواصلات على حد سواء، ما يعني ان عدد السلع التي تستطيع غالبية الاسر الفلسطينية شراءها بالدخل المتاح لها، هي محدودة للغاية، واقل بكثير من عدد السلع المشمولة بسلة الانفاق.
"ليس المهم عدد السلع في سلة الانفاق، انما وزن السلعة"، قال اشرف سمارة مدير عام دائرة الاسعار والارقام القياسية في الجهاز المركزي للإحصاء، وفي مقاربة بسيطة يشرح "المجموعة الاهم هي مجموعة المواد الغذائية، التي تزن بين 35-40% من سلة الانفاق، واذا ما اضيف لها مجموعتي: السكن ومستلزماته، والنقل والمواصلات، فإن الوزن يرتفع الى 60%. بمعنى، كل 100 شيقل من دخل الاسرة 35-40 شيقلا على الطعام، وبإضافة المسكن والنقل والمواصلات تصل الحصة 60 شيقلا، ولا يبقى لباقي المجموعات التسع سوى 40 شيقلا، لهذا فإن مؤشر جدول غلاء المعيشة يتأثر اكثر ما يتأثر بهذه المجموعات الثلاث".
واضاف "نظريا، تتكون المجموعات الثلاث الاكثر وزنا: الغذاء، والمسكن ومستلزماته، والنقل والمواصلات، من حوالي 40 سلعة وخدمة، لكن الاهم من العدد هو وزن كل سلعة على حدة ضمن المجموعة نفسها وبالتالي ضمن المؤشر ككل، فعلى سبيل المثال، فإن رزمة الخبز من اهم السلع واكثرها وزنا، رغم ان سعرها ثابت تقريبا، وكذلك البندورة، فإن وزنها يزيد عن 50% من رزمة الخضروات الطازجة، التي بدورها تستحوذ على وزن كبير في مجموعة السلع الغذائية، وكذا اللحوم، والزيوت، والدواجن والبيض".
وتابع: في الفترة الاخيرة، لاحظنا ان سعر البندورة احدث ضجة في الشارع، ليس فقط لارتفاع السعر، وانما لان وزنها كبير في سلة الاستهلاك، فهي سلعة يومية على المائدة، وهنا تكمن الاهمية".
ارتفاع حصة السلع الاساسية، بل الضرورية للحياة، من سلة انفاق الاسرة الفلسطينية، يعني ضعف قدرتها على الانفاق على سلع وخدمات اخرى، بما في ذلك الصحة والتعليم، وهو دليل على تراجع مستوى الرفاه في المجتمع الفلسطيني.
وقال سمارة "كلما ازدادت نسبة الانفاق على السلع الاساسية، فهذا دليل على انخفاض مستوى الرفاه في البلد. الاسر الفلسطينية تنفق دخلها لتلبية حاجاتها الضرورية، ولا يتبقى لها ما تنفقه على الاحتياجات الاخرى، بما في ذلك التعليم والصحة، وهذا يضر بصحة المواطن وقدرته على الانتاج، كذلك، فإن قلة الانفاق على التعليم سيكون له اثر مستقبلي في غاية الاهمية، خصوصا على الاستثمار في الكادر البشري وهو المورد الاساسي لفلسطين".
"ارتفاع نسبة الانفاق على السلع الاساسية، وعدم توفر ما يمكن انفاقه على باقي السلع والخدمات، كالصحة النوعية والتعليم والترفيه، يعني هشاشة في وضع الاسرة، وانكشافها امام الخضات والازمات"، قالت هديل قزاز الباحثة في شؤون التنمية.
واضافت "حتى لو لم تكن الاسرة فقيرة حاليا، فإن استنفاد دخلها على السلع الاساسية، وعدم قدرتها على الانفاق على امور اخرى، كالصحة النوعية والتعليم، او تخصيص مبلغ ولو بسيط للادخار، يعني انها اسرة ضعيفة".
حتى في السلع الاساسية نفسها، فإن غالبية الاسر تضطر للمفاضلة في كمية ونوعية الطعام، ما يعني تذبذبا في كمية الطعام ونوعيته بين يوم وآخر، ناهيك عن اضطرار الاسر لوضع اولويات، ويضعها امام خيارات صعبة، كالمفاضلة بين تعليم البنت او الولد، او الاكتفاء بمرحلة معينة في التعليم لكليهما.
في عدد ليس قليل من الاسر، فإن معيلها لا تقتصر مسؤوليته على اعالة اسرته النووية (الزوجة والاولاد)، وانما تمتد الى عدد اكبر، كالوالدين وربما الاخوة والاخوات وبعض الاقارب، "وزيادة حصة الانفاق على السلع الاساسية تقلل من قدرته على تقديم المساعدة للآخرين، فتبقى الاسر الفقيرة معرضة للمزيد من الفقر، وربما الجوع"، قالت قزاز.
مقارنة مع دول الجوار، فإن الانفاق على الطعام كنسبة من الدخل اعلى بكثير في فلسطين، لكنه كرقم مطلق اقل بكثير، فعلى سبيل المثال فإن حصة الطعام للفرد في فلسطين، قياسا على معدل دخل الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، لا تتعدى 650 دولارا سنويا، بينما في اسرائيل، التي ترتبط بها الاراضي الفلسطينية بتعرفة جمركية واحدة، فإن حصة الطعام لا تتجاوز كنسبة من سلة الانفاق 15%، لكنها كرقم مطلق تبلغ حوالي 6 آلاف دولار للفرد سنويا.
ويبلغ معدل دخل الفرد في فلسطين من الناتج المحلي الاجمالي حوالي 1800 دولار سنويا، مقابل 40 ألف دولار في اسرائيل، ما يجعل مستوى الاسعار دائما اعلى من مستوى الدخل في فلسطين، سواء انخفض مؤشر جدول غلاء المعيشة ام ارتفع، وهو ما يفسر تجدد الجدل تزامنا مع اصدار الجهاز المركزي للإحصاء تقريره الشهري حول جدول غلاء المعيشة.