رام الله-وفا-جعفر صدقة: "راحت السكرة وأجت الفكرة"، حال خريجي الثانوية العامة هذا العام، وفي كل عام، فما أن تنتهي احتفالاتهم بالنجاح حتى يدخلوا في حيرة خيارات الدراسة الجامعية، والتي تظهر البيانات الصادرة عن المؤسسات المختصة أن الالتحاق بأي منها إنما دخول في رحلة إلى المجهول.
نحو 72 ألف تلميذ تقدموا لامتحان الثانوية العامة "الانجاز" هذا العام، في فروعه التسعة، اجتازه منهم بنجاح 49 ألف تلميذ، ومظهر احتشادهم أمام مكاتب التسجيل في الجامعات الفلسطينية يوحي بأننا سنبقى لسنوات أمام خريجين زائدين عن الحاجة في سوق العمل.
عشية إعلان النتائج، الأحد الماضي، اصدر الجهاز المركزي للإحصاء تقريرا صادما يظهر معدلات بطالة مرتفعة في صفوف خريجي الجامعات، على اختلاف تخصصاتهم، في الحقول الإنسانية والعلوم التطبيقية على السواء، تتراوح في حدها الأدنى 27% لتصل في أقصاها إلى 70%، بالإجمال، فإن معدل البطالة بين خريجي الجامعات والكليات الجامعية المتوسطة، حتى عمر 29 عاما، في كافة التخصصات، يبلغ 56% ارتفاعا من 54% في العام 2016 و52% في العام 2015، فيما يبلغ المعدل العام للبطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة 28%.
في التفاصيل، فإن التقرير الأخير للإحصاء اظهر أن اعلى معدل بطالة بين خريجي الجامعات والمعاهد هو من نصيب العلوم التربوية وإعداد المعلمين بنسبة 70%، تلاه العلوم الإنسانية والطبيعية بنسبة 69% لكل منهما، والعلوم الاجتماعية بنسبة 64%، والرياضيات والإحصاء بنسبة 61%، والصحافة والإعلام والحاسوب بنسبة 55% لكل منهما، والأعمال التجارية والإدارية بنسبة 52%، والهندسة 45%، والمهن الصحية 44%، واقل معدل للبطالة بين خريجي القانون بنسبة 27%.
وفي سلوك غير معتاد، بادرت نقابات مهنية، كنقابتي المهن الصحية والمحامين إلى إصدار بيانين منفصلين موجهين لخريجي الثانوية العامة، تشرحان فيهما حالة حملة هذه التخصصات في سوق العمل، وخلصتا إلى توصية خريجي "انجاز" بعدم الالتحاق بهما تجنبا لبطالة شبه مؤكدة.
لكن انتظار اجتياز امتحان "انجاز" لتوجيه النصائح للخريجين بشأن خيارات الدراسة لا يبدو إنها مجدية في مقاومة حلم تغذى لسنوات لدى التلاميذ وأهاليهم بالالتحاق في إحدى الجامعات، في أي تخصص تتيحه نتيجة التلميذ، بغض النظر عن مدى حاجة السوق لهذا التخصص.
"هناك إشباع في كافة التخصصات الأكاديمية، يقابله نقص كبير في الفنيين والتقنيين"، قال إياد العامر رئيس اللجنة الفرعية لنقابة المهندسين في طوباس شمال الضفة الغربية، لـ"وفا"، وأضاف "هذا يتطلب تضافر الجهود لتهيئة التلاميذ في مراحل مبكرة من التعليم المدرسي، بزيادة عدد المدارس المهنية والتقنية، وتحفيزهم على الالتحاق بهذا النوع من التعليم، وليس باتجاه تخصصات تعاني إشباعا في السوق".
بين خريجي الهندسة، بحسب العامر، تشير الإحصائيات إلى إشباع في كافة الفروع، "و نأمل أن يكون لدى الطلبة وأهاليهم إدراك لهذا الواقع في تحديد خياراتهم".
وقال "السوق بحاجة إلى فنيين أكثر من حملة الشهادات الجامعية. كل مهندس بحاجة الى ستة فنيين حتى يستطيع انجاز ما يريد انجازه على الأرض، لكن واقع الحال فإن هناك فنيا واحدا على الأكثر لكل مهندس، وفي كثير من الأحيان يطلب المهندس فنيا ولا يجده. هناك إصرار من الأهالي على تدريس أبنائهم في تخصصات أكاديمية. هذه الثقافة يجب ان تتغير".
وقال مدير التعليم الجامعي في وزارة التربية والتعليم العالي، رائد بركات، "ندعو خريجي انجاز الى تحديد خياراتهم بناء على الإحصائيات والمعطيات، سواء الصادرة عن الوزارة، او تلك الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، وجميعها تشير إلى ضرورة التوجه نحو التعليم المهني والتقني".
وأضاف "هذا يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف لإزالة النظرة الدونية للتخصصات المهنية والتقنية".
في السنوات الأخيرة، أظهرت الحكومة، ممثلة بوزارتي التربية والتعليم العالي، والعمل، اهتماما اكبر في التعليم المهني والتقني، عبر جملة من الإجراءات، أبرزها دمج هذا النوع من التعليم في المدارس من الصفوف حتى التاسع، واستحداث فروع جديدة للثانوية العامة "انجاز"، إضافة إلى زيادة عدد مراكز ومعاهد التدريب المهني والتقني ووضعها تحت مظلة واحدة هي وزارة التربية والتعليم العالي، لكن النتائج ما زالت متواضعة، على أمل ظهورها بوضوح خلال السنوات المقبلة.
وقال بركات "بدأنا في الوزارة بخطوات فعلية لدمج التعليم المهني والتقني في التعليم المدرسي حتى الصف التاسع، وبعد العاشر يستطيع التلميذ اختيار واحد من تسعة فروع".
إضافة إلى ذلك، فقد استحدثت الوزارة، بحسب بركات، برنامجا إرشاديا لطلبة الثانوية العامة، حيث تجمع الطلبة المقبلين على هذه المرحلة قبل بدء العام الدراسي مع ممثلين عن الجامعات، حيث تعرض كل جامعة ما لديها من تخصصات، "ونحن بدورنا نوجههم نحو تخصصات تقنية ومهنية".
وتخرج الجامعات الفلسطينية بين 40 أو50 ألف شاب وفتاة سنويا، مقابل اقل من ثمانية آلاف فرصة عمل يوفرها الاقتصاد الفلسطيني الضعيف سنويا، يذهب الجزء الأكبر منها لخريجي مراكز التدريب المهني والتقني.