"ماس" يناقش الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للعدوان على شمال الضفة

تاريخ النشر

رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء الطاولة المستديرة الأول لهذا العام بعنوان "الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لحرب الإبادة الإسرائيلية على شمال الضفة الغربية"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد برام الله وعبر تقنية الزووم.

وأعد الورقة الخلفية أحمد علاونة، إسلام ربيع، وجمانة جنازرة، وقدم كل من مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية جنين بشير مطاحن، ومدير السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني رشاد يوسف، ومدير الخدمات في الغرفة التجارية الصناعية الزراعية لمحافظة طولكرم زاهي لفداوي، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.

الخالدي: يحذر من "مخطط إبادة جماعية"

وأكد المدير العام للمعهد رجا الخالدي، أهمية الموضوع المطروح في ظل التطورات المتسارعة في الأراضي الفلسطينية، لاسيما في الضفة الغربية.

وأوضح الخالدي أن هذه اللقاءات السنوية تشكّل منصة حيوية لمناقشة أبرز القضايا الوطنية العاجلة، مشيراً إلى أن جلسة اليوم تأتي في سياق متابعة المعهد المستمرة لتبعات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 2023 وكذلك على الضفة المحتلة.

وحذّر الخالدي من أن الظاهرة التي نواجها لم تعد مجرد اعتداءات أو اقتحامات أو مواجهات مع قوى مقاومة، بل منذ شهرين نشهد تنفيذ دقيق ومنهجي لمخطط تطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني وضعها منذ سنوات ونشرها (وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل) سموتريش دون خجل، وتنفذها إسرائيل على الأرض اليوم في المحافظات الشمالية تمهيداً لمواصلة زحفها جنوباً، وهي فعلاً "مخطط إبادة جماعية" لم يشهد التاريخ مثله منذ الحرب العالمية الثانية".

وأكد الخالدي أن ما يجري على الأرض يشكل تهديداً وجودياً يستدعي تحليلاً معمقاً وفهماً دقيقاً للسياق الإسرائيلي، مدعوماً ببيانات موثوقة ورؤية استراتيجية، مع ضرورة استحضار معاناة شعبنا اليومية.

وأعرب عن أمله في أن تخرج هذه الجلسة بجملة من التوصيات العملية التي تُسهم في صياغة مواقف واضحة، تعزز من قدرة المؤسسات الوطنية على التصدي لهذه التحديات.

ورقة ماس: حملة عسكرية غير مسبوقة لتفكيك الضفة الغربية وتفريغها من سكانها

في عرضها للورقة، أكدت الباحثة جنازرة أن الضفة الغربية تشهد واحدة من أوسع العمليات العسكرية منذ "عملية الدرع الواقي" عام 2002، حيث تعتمد إسرائيل على سياسة العقاب الجماعي من خلال القتل والاعتقالات وتدمير البنية التحتية، إضافة إلى نشر أكثر من 900 حاجز وبوابة عسكرية في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض.

وأشارت إلى أن التصعيد لا يقتصر على أهداف أمنية، بل يتجاوزها إلى أهداف استراتيجية تسعى لتفكيك قضية اللاجئين، عبر استهداف المخيمات وتفريغها، وتسريع تفكيك وكالة "الأونروا"، والعمل على تغيير التركيبة السكانية من خلال سياسات تهجير قسري، خاصة في أعقاب طرح خطط لتهجير ملايين الفلسطينيين، وتوسيع الاستيطان عبر تشريعات جديدة وقرارات عسكرية تفرض السيطرة الكاملة على مناطق "أ" التابعة للسلطة الفلسطينية.

وأوضحت جنازرة أن الحملة العسكرية تستهدف بشكل ممنهج مقومات الحياة اليومية للفلسطينيين، في مسعى لتحويل الضفة الغربية إلى بيئة غير صالحة للعيش، فقد تم تدمير مئات الوحدات السكنية في مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، إلى جانب تجريف الطرق، وقطع الكهرباء والمياه، وإغلاق مداخل المدن، مما يعمق العزلة داخل الضفة.

وأشارت إلى أن أكثر من 37,400 فلسطيني تم تهجيرهم من مخيمات الشمال حتى آذار الماضي، فيما اعتُقل المئات في إطار حملة تهدف لإضعاف الحضور الفلسطيني. كما شلّت الإجراءات الإسرائيلية الاقتصاد المحلي، متسببة بخسائر يومية تقدر بعشرات الملايين من الشواقل.

واختتمت بتحذير من أن استمرار هذه العملية دون أفق زمني، في ظل غياب ردع دولي، يكرّس واقع الضم الفعلي للضفة الغربية ويهدد مستقبلها السياسي والمعيشي.

جنين وطولكرم: شهادات ميدانية

من جهته، استعرض مطاحن الأوضاع الإنسانية الكارثية في مخيم جنين، مشيراً إلى نزوح أكثر من 21 ألف مواطن من المخيم ولجوئهم إلى مراكز إيواء مؤقتة نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل.

ولفت إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث تم تدمير أكثر من 90 كيلو متراً من الشوارع، مما أدى إلى شلل كامل في الحركة والخدمات الأساسية.

كما أشار مطاحن إلى تدمير واسع في القطاع السكني، موضحاً أن أكثر من 600 بناية سكنية تم اقتلاعها بشكل كامل، في حين أصبحت 3200 وحدة سكنية في المخيم غير قابلة للسكن.

وأكد أن الحياة اليومية تعطلت بشكل شبه كامل، بما في ذلك توقف العملية التعليمية، ما يعمق من حجم المعاناة التي يعيشها سكان المخيم في ظل غياب حلول عاجلة وفعالة.

بدوره، بين يوسف أن ما يجري في شمال الضفة الغربية هو حرب إبادة ممنهجة تستهدف تصفية قضية اللاجئين وتكريس واقع الضم، وتمهد الطريق لفرض وقائع ميدانية تدعم مخططات الضم عبر الاستيطان.

وأشار إلى أن المناطق المستهدفة، خاصة جنين وطولكرم ونابلس وطوباس، تواجه تصعيداً غير مسبوق أدى إلى تدمير واسع في البنية التحتية، وخسائر فادحة في الممتلكات.

وأضاف أن تداعيات الحرب انعكست بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، في وقت تواجه فيه الحكومة أزمة مالية خانقة تعيق الاستجابة الشاملة.

كما بين أن الحكومة تعمل حالياً على حصر الأضرار الاقتصادية في أربع محافظات هي نابلس، طوباس، طولكرم، وجنين، لتوفير قاعدة بيانات دقيقة تشمل الخسائر في المباني، البنية التحتية، والأضرار الاقتصادية، وذلك في إطار خطة شاملة لرصد الأثر الاقتصادي والإنساني الناتج عن هذا العدوان.

من جهته، أكد لفداوي أن محافظة طولكرم تتعرض لاجتياح وعدوان متواصل منذ 73 يوما، أسفر عن شلل شبه تام في الحركة التجارية، ونزوح أكثر من 24 ألف مواطن من مخيمي طولكرم ونور شمس.

وأوضح أن قوات الاحتلال أبلغت عددا من أصحاب المنازل بعدم السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم.

وأشار إلى أن مدينة طولكرم تعيش تحت حصار خانق، إذ أنها مغلقة من جميع الجهات، مما يصعب حركة التنقل ويعزل المدينة عن محيطها.

ودعا السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية إلى التدخل العاجل لوقف هذا العدوان المتواصل، كما أشار إلى الدمار الكبير في القطاع الزراعي نتيجة الحصار، حيث لا يوجد تصريف للإنتاج.

كما نبه إلى ضرورة إنشاء قاعدة بيانات دقيقة لحصر الأضرار، في ظل استمرار عمليات الهدم والتجريف.

حباس: إسرائيل انتقلت من إدارة الصراع إلى حسمه وتدير الضفة الغربية عبر المستوطنين

أكد الباحث وليد حباس في مداخلته أن ما يجري في الضفة الغربية، وتحديداً في شمالها، يجب أن يفهم ضمن سياق أوسع يشمل الحرب على غزة وصعود المستوطنين كقوة حاكمة فعلية في الضفة الغربية.

وأوضح أن السياسات الإسرائيلية خلال العامين الماضيين، وحتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تعكس تحولا استراتيجيا من إدارة الصراع إلى محاولة حسمه بشكل نهائي، من خلال خلق ظروف تؤدي إلى التهجير القسري للفلسطينيين.

وأشار حباس إلى أن الاحتلال بعد عام 2023 لم يعد كما كان، إذ باتت مؤسسات الحكم في الضفة الغربية تخضع بشكل متزايد لسيطرة المستوطنين، بما في ذلك مكتب المنسق، الإدارة المدنية، ووزارات أساسية مثل وزارة الاستيطان ووزارة الجيش، حيث يشغل المستوطنون مناصب قانونية واستشارية عليا فيها.

وأضاف أن إسرائيل لم تعد تخفي نواياها، فهي لا تريد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتتعمد إنكار وجودهم وحقوقهم، مؤكدا أن الضفة باتت تدار فعليا من قبل المستوطنين في إطار مشروع يهدف إلى "حسم" واقعها عبر تكثيف الاستيطان وفرض وقائع ديموغرافية وسياسية جديدة.

وأجمع الحضور على أهمية هذا اللقاء، وضرورة التخلي عن حالة الانكار لدى البعض تجاه ما يحصل، خاصة على ضوء الدروس التي كان يفترض التعلم منها من إبادة غزة، استباقاً لما يتم فعلاً اليوم في الضفة الغربية.

وطرح المشاركون عددا من الحلول فيما يتعلق باستبدال عملة التداول، وأيضاً ضرورة التحول نحو الدفع الإلكتروني، واستخدام العملات الرقمية.

وبين المشاركون من القطاع المصرفي بأن أزمة الشيقل هي من ضمن أولويات البنوك للسعي للحد من آثاراها، وكذلك ضرورة دراسة فوائد وتكلفة إعفاءات ضريبية للمناطق المنكوبة وللأسر النازحة والمتضررة.