سياسات إحلال الواردات لأهم السلع استيرادًا

تاريخ النشر

ملخّص سياساتي لمعهد "ماس"*

تناولت الورقة الخلفية للقاء الطاولة المستديرة الرابع السياسات والتدابير المطلوبة لإحلال مجموعة من السلع المستوردة من إسرائيل ومن باقي العالم بسلع محلية الصنع.

وقد كان الدافع الرئيس من إعداد هذه الورقة، إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والتجارية المحلية ورسم سياسات اقتصادية جديدة قادرة على إحداث تغير ملموس على مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الكلية.

يتطلب إعداد سياسات اقتصادية جديدة في ظل استمرار الوضع القائم إعادة صياغة العلاقات التجارية مع إسرائيل، مع ضرورة البحث عن مصادر دخل ووظائف بديلة، دائمة ولائقة لليد العاملة الفلسطينية، من خلال التوجه نحو استهلاك الإنتاج المحلي وتغيير نمط الاستيراد، وتكثيف العمل، والاستثمار، والبناء.

تأثير الحرب على التجارة الخارجية

بدأت الورقة باستعراض تداعيات الحرب على التجارة الخارجية، وقد أظهرت الأرقام تراجعاً بنسبة 28% في الواردات السلعية الفلسطينية في الربع الأخير من العام 2023 مقارنة مع الربع السابق، وتراجعاً بنسبة 34% في الواردات السلعية الفلسطينية خلال الشهر الأول من العام 2024 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام السابق.

أما الصادرات، والتي يذهب عادة ما لا يقل عن 80% منها إلى إسرائيل، فقد انخفضت بنسبة 23% في الربع الرابع 2023 مقارنة مع الربع السابق، وانخفضت بنسبة 15% خلال شهر كانون الثاني من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.

تأثرت حركة الواردات بتشديد إسرائيل القيود والإجراءات على حركة الأشخاص والبضائع بين محافظات الضفة الغربية. كما تأثرت الواردات بتراجع الطلب المحلي، بسبب الانحسار الكبير لمصدر دخل مهم للاستهلاك المحلي، وهو تعويضات العاملين في إسرائيل.

وكذلك تراجع الطلب المحلي بسبب عدم قدرة الحكومة على دفع كامل فاتورة الرواتب والأجور للموظفين الحكوميين بسبب استمرار إسرائيل باقتطاع جزء من أموال المقاصة.

أسباب دعم سياسات إحلال الواردات

بالعودة بالزمن إلى الوراء، قبل ما يقارب العقد من الآن، تبنت الحكومة الفلسطينية سياسة استبدال الواردات من إسرائيل، لكن العمل على هذا الصعيد لم يأتِ بالنجاحات المأمولة، إذ ما زالت أرقام التجارة الخارجية تشير كما ذكرنا سابقاً إلى أن النصيب الأكبر من الواردات من السوق الإسرائيلية والصادرات إلى السوق الإسرائيلية تستحوذ على النصيب الأكبر من التجارة الخارجية الفلسطينية.

هذا بدوره يطرح تساؤلاً جدياً حول فعالية الجهود الرسمية التي بذلت في سبيل إحلال الواردات وتوسيع القاعدة الإنتاجية.

من جانب آخر، يؤكد استمرار استحواذ إسرائيل على الحصة الأكبر من التجارة الخارجية الفلسطينية على تبعية الاقتصاد الفلسطيني (أعلى بكثير مما تبرره الشروط الموضوعية لنموذج التجارة الدولية)، وكيف خلقت سياسات الاحتلال وإجراءاته واقعاً على الأرض يعرقل التنمية في الأراضي الفلسطينية.

هنا يمكن القول، إن انتهاج سياسة إحلال الواردات وتقليص الاعتماد على السوق الإسرائيلية أصبحا خيارين لا مفر منهما، خاصة في ظل تصاعد وتكرار الإجراءات الإسرائيلية العقابية واستخدام الاقتصاد والتجارة كأدوات للابتزاز السياسي. كاستمرار إسرائيل باحتجاز واقتطاع أموال المقاصة، والذي تزامن مع تراجع الإيرادات الحكومية بسبب تراجع الاستيراد ومنع القسم الأكبر من العمالة الفلسطينية من التدفق إلى سوق العمل الإسرائيلي، وتزامن مع التراجع الكبير في الدعم الدولي للموازنة الفلسطينية.

ضمن نفس الإطار، سيساعد توسيع القاعدة الإنتاجية في استيعاب جزء من فائض اليد العاملة في سوق العمل الفلسطيني خاصة التي فقدت أعمالها في سوق العمل الإسرائيلي عقب أحداث السابع من أكتوبر. كما من شأن توسيع القاعدة الإنتاجية تحسين الجباية المحلية وتعزيز الإيرادات الحكومية.

التوصيات

جاءت الورقة باقتراح جدي يصب في المضي قدماً في مجال إحلال الواردات، فقد قدمت الورقة قائمة بـ 36 سلعة مستوردة من إسرائيل ومن العالم الخارجي من الممكن إحلالها/استبدالها بشكل كلي أو جزئي بسلع محلية الصنع (مثل: المواد الغذائية، العصائر، المياه المعدنية، الأدوية، الطحين، الأحذية والمنسوجات، ومواد البناء - لمزيد من التفصيل راجع الجدول 4 في الورقة الخلفية حول الموضوع).

تبلغ قيمة الاستيراد الكلي من هذه السلع 2,173 مليون دولار، وتشكل حوالى 24% من قيمة الواردات الفلسطينية الكلية.

تنقسم السلع المقترحة في القائمة والتي من الممكن استبدالها بسلع محلية حسب مصدرها إلى قسمين؛ السلع المستوردة من إسرائيل فقط (22 سلعة - على سبيل المثال: المياه المعدنية والغازية، وبعض المواد الغذائية والأعلاف والأسمدة)؛ والسلع المستوردة من إسرائيل ومن باقي العالم (14 سلعة - من الأمثلة عليها: الإسمنت والشوكولاتة والسكاكر).

من جانب آخر، يتضح من القائمة المقترحة أن هناك سلعاً يسهل إحلالها أكثر من غيرها، وكذلك أن بعض السلع تمتلك فرصاً أعلى في توسيع الإنتاج المحلي، والذي سيكون كافياً إلى حد ما لسد الطلب المحلي.

ناقشت عدة دراسات سابقة أجراها معهد "ماس" سبل إحلال الواردات، وقد خرجت هذه الدراسات بمجموعة من التوصيات التي من الممكن ربطها مع توصيات الورقة الحالية، ويمكن إجمالها بما يأتي:

- تحفيز وتشجيع القطاع الخاص على توفير سلع بديلة عن السلع المستوردة من إسرائيل ومن العالم الخارجي، وهنا حددت الورقة قائمة مفصلة بالسلع التي يمكن استبدالها.

- التأكيد على المواصفات والجودة في المنتجات المحلية، وعلى أن توفر السلع الفلسطينية بديلاً جيداً عن السلع المستوردة، وتلقى قبولاً لدى المستهلكين المحليين ثم المستهلكين في الأسواق الخارجية لاحقاً.

- في المرحلة العاجلة يجب إعطاء أولوية للصناعات التي تستطيع استبدال المنتجات المستوردة، وكذلك تتمتع في ذات الوقت بميزة تنافسية تمكنها من التوسع بسرعة ومن التصدير واستيعاب اليد العاملة.

من الأمثلة على هذه الصناعات: الحجر، المنسوجات، والأثاث. تخدم هذه التوصية تأسيس قاعدة بيانات موسعة بالسلع المستوردة من إسرائيل أو من العالم الخارجي، وبالإمكان إحلالها بسلع محلية الصنع.

- تسهيل إجراءات حصول القطاع الخاص على المواد الخام المحلية، خاصة الزراعية، ما يعزز الترابط بين القطاعين الزراعي والصناعي، ويساعد في تطوير الصناعات الغذائية (المعلبات والمخللات، العصائر، والحليب ومشتقاته).

- إحداث تغيير ملموس في السياسات التجارية الفلسطينية. من الأدوات التي تستطيع وزارة الاقتصاد الوطني القيام بها أن تقوم الوزارة بالعمل على الحد من توسع أذونات الاستيراد، خاصة للسلع التي يمكن إنتاجها محلياً، من خلال وضع عراقيل أمام استيرادها.

من الممكن القيام بهذه الخطوة بالتعاون مع مؤسسة المواصفات والمقاييس، إذ تحصل فقط السلع التي تستوفي المعايير والمواصفات الفلسطينية على الموافقة على إذن الاستيراد.

- تعبئة الوعي الاستهلاكي للاستجابة لمتطلبات مواجهة العدوان الإسرائيلي الراهن على قطاع غزة وإطلاق حملة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وتشجيع استهلاك المنتجات المحلية البديلة أو الاستيراد المباشر للسلع التي ليس لها بديل محلي بدلاً من استيرادها من إسرائيل.

- تحفيز إنشاء صناعات جديدة تعتمد على اليد العاملة الماهرة والمؤهلة لتحقيق ميزة تنافسية في إنتاجها، بالتزامن مع تطوير الصناعات القائمة وخلق علاقة بين الصناعات القائمة والصناعات الحديثة عبر تعزيز الروابط الخلفية بينهما.

- يتطلب دعم صمود المواطنين في المرحلة الراهنة، توفير السلع الأساسية التي يحتاجونها، وهذا يتطلب إعداد نموذج للسلة الاستهلاكية الوطنية، يتم تحضيرها تحت مظلة الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، تشمل هذه السلة كافة احتياجات الأسرة من السلع الأساسية التي يجب أن تكون محلية الصنع. سينعكس إنشاء هذه السلة بشكل إيجابي على زيادة الإنتاج المحلي واستيعاب جزء من فائض اليد العاملة.

- لن يتم إحلال جزء من السلع المستوردة (المذكورة في الورقة الخلفية) بسلع محلية، دون إحداث فارق جوهري في الإنتاج المحلي، والذي بدوره يتطلب ضخ الاستثمارات الكافية، وتعديل بعض القوانين المتعلقة بالعمل المصرفي.

إضافة إلى ذلك، أصبح شبه حتمي ضرورة إنشاء بنك التنمية الصناعية والإقراض الصناعي، لتوفير قروض لتمويل المنشآت الصناعية بتكلفة إقراض منخفضة.

_______________

* هذا الملخص نتاج نقاشات لقاء طاولة مستديرة لمعهد "ماس" عقدت في 12 حزيران 2024.