تل أبيب-أخبار المال والأعمال- يرى خبراء، وفق تقارير الإعلام الإسرائيلي، أن بنك إسرائيل المركزي سيكون أمام خيارات صعبة هذا العام، مع وصول الاقتصاد الإسرائيلي في نهاية العام 2023 إلى مفترق طرق حاسم يستوجب من البنك التفكير ملياً قبل اتخاذ أي قرار.
وجاء في تقرير نشره موقع "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن بيئة معدلات الفائدة المرتفعة، وتداعيات الحرب في غزة، جعلتا الوضع الاقتصادي يتجه نحو اختبار حقيقي، حيث أنه يتوجب على بنك إسرائيل الآن أن يحدد إستراتيجيته، سواء بخفض معدلات الفائدة لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي، أو بالتفكير في تجنب مثل هذه الخطوة نظراً للبيئة العالمية المرتفعة لأسعار الفائدة.
وبيّن التقرير أن العام 2024 بدأ وهو يثير العديد من التساؤلات حول حالة أقوى الاقتصادات في العالم، إذ يتجه الاهتمام بشكل كبير نحو التضخم المتواصل وارتفاع معدلات الفائدة الحالية، ما يثير مخاوف بشأن استمرار نمو الاقتصادات أو احتمالات الانخفاض فيها، حيث شهدت السنوات الأخيرة أحداثاً كبيرة أدت إلى زيادة ملحوظة في معدلات التضخم عالمياً، بما في ذلك فترة جائحة "كورونا" والأزمة الأوكرانية، اللتان تعتبران حدثين رئيسيين في هذا المجال.
وأشار التقرير إلى أنه بعد الارتفاع الملحوظ في معدلات التضخم على مستوى العالم، لم يبق للبنوك المركزية سوى خيار رفع أسعار الفائدة، وذلك بوتيرة متسارعة. فبعد نحو عقد من سياسات الفائدة الصفرية في معظم دول العالم، بدأت زيادات في أسعار الفائدة في شباط 2023، حين رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الأولى.
وتطرق الإعلام الإسرائيلي إلى أنه في نهاية اللغز، يقف حال سوق العمل في مواجهة تحد جديد، حيث تختلف الديناميات هذه المرة عن المألوف، فعادة ما تترافق بيئة أسعار الفائدة المرتفعة مع زيادة كبيرة في معدلات البطالة نتيجة تسريح العمال، ورغم وجود موجات كبيرة من التسريح عند نهاية العام 2022 وبداية العام 2023، فإن معدلات البطالة لم تصل إلى المستويات المتوقعة من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، وظلت في تراجع مستمر.
ولفت التقرير إلى أنه في الوقت الحالي، تباطأت معدلات البطالة في إسرائيل ومنطقة اليورو والولايات المتحدة، ووصلت إلى مستويات أقل من المتوسط التاريخي، وهو ما يشكل تحدياً إضافياً لجهود البنوك المركزية في خفض معدلات التضخم.
أما عن "الامتحان الحقيقي لبنك إسرائيل"، فكشف التقرير أنه في الأشهر الأخيرة، استمرت النقاشات حول تأثير نفقات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي في التصاعد، حيث يقول خبراء: إن البلاد تسير على طريق الكارثة، ويثير هذا السؤال ما إذا كان ينبغي لبنك إسرائيل التصرف بخفض أسعار الفائدة لتخفيف حدة الوضع، ولكن الواقع أكثر تعقيداً مما يبدو.
وألقى التقرير الضوء على سببين رئيسين يمنعان بنك إسرائيل من خفض سعر الفائدة كما توقع الكثيرون فور اندلاع الحرب، الأول: النظر إلى الاقتصاد الأميركي، الذي يشهد حالياً نقطة رائعة، حيث يتراوح سعر الفائدة الفيدرالي (البنك المركزي للولايات المتحدة) بين 5.25% و5.5%، ولكن البيانات الاقتصادية تشير إلى اقتصاد أميركي قوي ومستقر، إذ تقرر ترك سعر الفائدة دون تغيير على الأقل حتى آذار.
ومع ذلك، فإن الرئيس الحالي لبنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول، أكد أنه من غير المرجح خفض أسعار الفائدة في آذار، نظراً للبيانات الاقتصادية القوية وانخفاض معدل البطالة، وهذا يجعل بنك الاحتياطي الفيدرالي يخشى من خفض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة، ما قد يؤدي إلى زيادة التضخم مرة أخرى، لذا ينبغي على المستثمرين الصبر ومواصلة مراقبة التطورات بحذر.
وفي الوضع الحالي، ومع عدم خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فإن بنك إسرائيل (الذي خفض بالفعل أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس) سيجد نفسه في موقف حساس قبل اتخاذ أي خطوة إضافية في هذا الصدد، فتخفيض أسعار الفائدة من جانب بنك إسرائيل قد يؤدي إلى انخفاض عائدات السندات الحكومية، ما يمكن أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي وقيمة الشيقل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تخفيض أسعار الفائدة من جديد قد يؤدي إلى خروج كميات كبيرة من الأموال من البلاد، حيث قد تصبح سندات الدول الأخرى أكثر جاذبية، وهو ما يمكن أن يضعف بنك إسرائيل بشكل كبير مقارنةً بالعملات الأخرى في سوق الصرف الأجنبي.
وعلى الرغم من بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، فإن معدل البطالة لا يزال يشهد زيادة، وهو ما يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل ويعكس قوة الاقتصاد الإسرائيلي.
أما السبب الثاني الذي يجعل بنك إسرائيل يخشى خفض أسعار الفائدة، فيتمثل في أن الأرقام الحالية للاقتصاد الإسرائيلي تثير المخاوف بشأن التضخم المفرط، وهي عملية تضخمية تخرج عن نطاق السيطرة وتتجلى في ارتفاع سريع في أسعار السلع والخدمات.
ويُعتبر التضخم المفرط خطراً حقيقياً يؤدي إلى خسارة قيمة النقود، كما حدث في إسرائيل خلال الفترة بين عامَي 1980 و1985، حيث بلغ معدل التضخم أكثر من 900%، وقد يؤدي خفض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة إلى زيادة التضخم وتصاعده إلى مستويات متطرفة، وهو ما يشكّل أحد أكبر المخاوف التي تواجهها البنوك المركزية.
ومن المتوقع طوال العام الجاري أن تكون مسألة خفض سعر الفائدة واحدة من أكثر المواضيع التي تتم مناقشتها ونشرها، حيث سيحاول الجميع تخمين ما إذا كان بنك إسرائيل سيخفض سعر الفائدة أم سيبقيه كما هو.