رام الله-وفا- عماد فريج-لم يكن 2019 عاما مثاليا لشركة سوق فلسطين للأوراق المالية "بورصة فلسطين"، بعد أن ألقت الأزمة المالية التي مرت بها الحكومة جراء قرصنة الاحتلال للعائدات الضريبية "المقاصة"، بظلالها على الاقتصاد الفلسطيني ككل، وظهرت تداعياتها بصورة واضحة في الإفصاحات المالية للشركات المدرجة في البورصة، والبالغ عددها 48 شركة.
ووفقاً للبيانات المالية الختامية الأولية للعام 2019، فقد حققت بورصة فلسطين صافي أرباح بعد الضريبة بلغت أكثر من 596 ألف دولار، بارتفاع بلغت نسبته نحو 42% مقارنة مع عام 2018، وذلك بعد أن نجحت البورصة في خفض المصاريف والنققات التشغيلية في إطار إعادة هيكلة البورصة.
الرئيس التنفيذي لبورصة فلسطين أحمد عويضة أوضح في لقاء خاص مع "وفا"، إن الإيراد الرئيسي للبورصة هو عمولة التداول، وشهد العام 2019 تراجعا في أحجام وقيم التداول وانخفض ايراد البورصة بأكثر من 20%، مشيراً إلى أن "الاستراتيجية الواضحة التي تبنتها البورصة منذ بداية تداعيات الأزمات المالية تلخصت في: تخفيض النفقات التشغيلية عن طريق إعادة هيكلة البورصة، وخلق مصادر دخل أخرى لا تعتمد بالأساس على عمولة التدوال، والاعتماد على الرقمنة والأتمتة.
ووفقاً لعويضة، فقد نجحت البورصة في إعادة الهيكلة، وقطعت شوطاً كبيراً في مجال الرقمنة والأتمتة، إلا أنها ما زالت تبذل جهوداً في مجال خلق مصادر دخل أخرى.
من جهة أخرى، تعكس البيانات المالية الختامية الأولية للشركات المدرجة في البورصة، تأثر هذه الشركات نسبياً بالأزمة المالية التي مرت بها الحكومة خلال العام الماضي.
"تداعيات الأزمة انعكست على السوق والاقتصاد"، يقول عويضة.
وخلال عام 2019، شهدت بورصة فلسطين تداول 143 مليون سهم بلغت قيمتها 274 مليون دولار، مقارنة مع تداول 185 مليون سهم خلال عام 2018 بلغت قيمتها 353 مليون دولار. وشهد مؤشر القدس انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.64% مقارنة مع إغلاق عام 2018، وأغلق عند مستوى 525.96 نقطة.
وبلغت القيمة السوقية للبورصة نهاية العام 2019 حوالي 3.76 مليار دولار بارتفاع بلغت نسبته 0.60% عن العام 2018.
ولا تختلف الظروف المحلية كثيراً عن الوضع الإقليمي، إذ انعكست الأزمات الجيوسياسية التي تعصف بالشرق الأوسط على أداء البورصات العربية بشكل عام، والتراجعات على أحجام السيولة كانت حالة عامة بمجمل الأسواق العربية.
واستمرت هذه الحالة في المنطقة مع بداية العام الجاري، خاصة بعد اغتيال الولايات المتحدة الأميركية للجنرال الإيراني قاسم سليماني، والتخوفات من إندلاع حرب إقليمية جديدة، إلا أنها تراجعت في المرحلة الحالية. كما تبرز تخوفات في مجمل الأسواق العالمية في ظل تراجع الاقتصاد بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والأوضاع المأساوية في الصين بعد انتشار فيروس كورونا.
ويرى عويضة أن التداعيات العالمية تأثيرها محدود نوعاً ما على سوق فلسطين، بسبب محدودية انكشافنا على الاستثمار الأجنبي المؤسساتي بالتحديد.
وقال: "نبقى متحفظين، وذلك لا يعني أن نتوقف، والأزمات أصبحت جزءاً طبيعياً من عملنا وسنظل نبذل أقصى جهودنا ونتعامل مع المتغيرات والظروف عندما تحدث ونقوم بمعالجتها".
ولم يخف عويضة قلقه من قضية منع الاحتلال تصدير المنتجات الفلسطينية إلى الخارج، والتداعيات الميدانية والسياسية للإعلان عن الخطة الأميركية الإسرائيلية المعروفة بـ"صفقة القرن"، إلا أنه يؤكد الخبرة الكبيرة التي تتمتع بها بورصة فلسطين في التعامل مع مختلف المتغيرات.
ويشير عويضة إلى أن أداء الشركات القيادية في فلسطين "ممتاز"، من حيث نسبة توزيع الأرباح ومعدلات التسعير والمقررات الربحية، كما أن النسبة المالية مغرية لبورصة فلسطين بالمقارنة مع المحيط الإقليمي.
"في ظل الاضطرابات الجيوساسية التي تزيد في المنطقة بشكل عام، فإن سوق مثل سوقنا يتميز بخبرة أكبر في البورصة والشركات من أسواق أخرى في التعامل مع هذا النوع من المتغيرات"، يقول عويضة.
ويضيف: "لدينا قطاع خاص أثبت قدرته العالية على التكيف والتعامل مع المتغيرات التي يعيشها".
وبنبرة مفعمة بالتفاؤل والحماسة، يتحدث عويضة عن توجه البورصة للانتقال إلى بيئة الكترونية جديدة بالكامل، ستكون جاهزة بنهاية شهر حزيران المقبل.
ولا زالت عملية التطوير الكلي للأنظمة الإلكترونية على أشدها، وعلى وجه الخصوص تطبيق أنظمة التداول الجديد التي تم شرائها بداية العام 2018 من شركة "ناسدك"، وبناء نظام إلكتروني خاص بمركز الإيداع والتحويل وإعادة تحديث البنية الإلكترونية التحتية للبورصة بما يتناسب والوضع الجديد، جنبا الى جنب مع تطوير وتنويع الخدمات والأدوات المالية المستخدمة في قطاع الأوراق المالية بشكل عام.
"النظام الجديد أكثر من عالمي وتستخدمه كل البورصىات الكبيرة في المنطقة، وعدد من البورصات العالمية، وهذا النظام يؤهلنا لنكون جاهزين لطرح خدمات ومنتجات جديدة، ومواكبة مختلف التطورات العالمية". بحسب عويضة.
وستطرح البورصة أداة "حقوق الاكتتاب" خلال العام الجاري، والتي تعد أداة جديدة تتيح لغير القادرين على الاكتتاب بيع حقوقهم في الاكتتاب لآخرين.
ويؤكد عويضة أن عملية الرقمنة التي تقوم بها البورصة حاليا هي تجهيز لما هو قادم في المستقبل القريب، ومن ضمن ذلك إمكانية استحداث عملة رقمية في فلسطين.
"التكنولوجيا تتغير بسرعة كبيرة وموضوع سلاسل الكتل (البلوك تشين) يعتبر تحدٍ لأي وسيط مركزي مثل البورصة أو مركز الإيداع، وبنفس الوقت فرصة. وهناك إمكانية لاستحداث عملة رقمية موثوقة في حال توفر التكنولوجيا والإطار التشريعي والأنظمة اللازمة". يوضح عويضة.
وفي إطار التحول الرقمي، تستعد بورصة فلسطين لأن تكون خالية من الأوراق تماماً خلال الأشهر القادمة، بعد أن بات الاعتماد أكثر على النظام الالكتروني بدلا عن الوثائق والمراسلات الورقية.
وتشهد البورصة خلال شهر نيسان القادم، إدراج شركة جديدة هي "شركة تمكين للتأمين"، مع إمكانية إدراج شركة "مصرف الصفا" قبل نهاية العام.
وكانت البورصة قد أطلقت خلال العام 2019 النسخة الجديدة والمحدثة من الموقع الإلكتروني؛ الذي يتميز بواجهة عصرية وجديدة متناسقة مع كافة الأجهزة الإلكترونية المستخدمة، تتيح للمتصفح الوصول الى المعلومات المطلوبة بكل يسر وسهولة، كما أضاف الموقع الجديد ميزات متنوعة في عرض البيانات الإحصائية والتاريخية وآليات لاستخراجها بصيغ مختلفة، تمنح المستثمرين والباحثين ورواد قطاع الأوراق المالية أفضل وأقصر طريق للوصول الى المعلومات المطلوبة.
كما وأعادت البورصة افتتاح مكتبها التمثيلي في مدينة رام الله، وذلك لتسهيل عملية التواصل مع مجتمع المؤسسات في المدينة المذكورة.
وعملت وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمرأة بإجراء تقييم للنوع الاجتماعي والوقوف عند أهم نقاط القوة في هذا الموضوع ومحاولة لردم الثغرات الموجودة، يتضمن ذلك تدريب كادر مؤهل والعمل على إجراء تغييرات نوعية لتحقيق هذه الأهداف.