رام الله-وفا-جعفر صدقة-أحدثت قائمة نشرها مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، تضم 112 شركة لها انشطة تجارية في المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، هزة في اسرائيل، فيما فتحت آفاق جديدة لمحاسبة هذه الشركات أمام المحاكم الدولية، وتوسيع أنشطة الحملة العالمية لمقاطعة اسرائيل "BDS".
ورغم أن القائمة عبارة عن قاعدة بيانات بالشركات والكيانات التجارية التي لها انشطة في المستوطنات، التي يجمع العالم على أنها انتهاك للقانون الدولي، إلا انها تحمل أهمية سياسية كبيرة، في وقت تحضر فيه اسرائيل لضم اجزاء واسعة من الاراضي الفلسطينية المحتلة، تنفيذا للخطة الاميركية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، التي اعلن تفاصيلها الرئيس الاميركي دونالد ترمب في 28 كانون الثاني الماضي، ورحبت فيها اسرائيل بشدة، ورفضتها القيادة الفلسطينية جملة وتفصيلا.
الخطوة المقبلة: تحويل الشركات التي تصر على التعاون مع المستوطنات الى القائمة السوداء
"اعلان مجلس حقوق الانسان خطوة نحو استعادة الثقة بالمؤسسات الاممية، التي اهتزت خلال الفترة الماضية، واعتمد اساسا على مخرجات لجنة لتقصي الحقائق شكلتها الامم المتحدة عام 2013، للنظر في تأثير الاستيطان الاسرائيلي على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني"، قال مدير منظمات الامم المتحدة في وزارة الخارجية عمر عوض الله.
وأضاف عوض الله لـ"وفا": القائمة ليست قائمة سوداء، إنما قاعدة بيانات غير مكتملة، مشيرا إلى أن هناك شركات أخرى لها نشاط في المستوطنات، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وسنعمل على إضافتها، وسنتحدث مع مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان لتحديث القائمة بشكل سنوي.
ضمن خطوات المتابعة لوزارة الخارجية، بحسب عوض الله، سنتواصل مع الشركات نفسها، والدول التي تنتمي اليها، لحثها على التوقف عن انتهاك القانون الدولي والانسحاب من المستوطنات، "والتي لا تلتزم ستواجه اجراءات قانونية، اما الشركات التي ستلتزم سترفع من القائمة".
طريق ثالث فتحته مبادرة مجلس حقوق الانسان بإعلان القائمة امام الجانب الفلسطيني، تتمثل بـ"العمل مع المنظومة الدولية لتنفيذ المبادئ التوجيهية للاعمال التجارية وحقوق الانسان، "لضمان التزام الشركات بعدم انتهاك حقوق الانسان وعدم العمل مع كيانات غير شرعية بموجب القانون الدولي كالمستوطنات الاسرائيلية، وهذا سيفتح آفاقا لتحويل الشركات التي تصر على الاستمرار في تعاملها مع المستوطنات الى القائمة السوداء، ومواجهتها في نفس المؤسسات التي نواجه بها الاحتلال والاستيطان باعتبارها شريكة له، كمحكمة الجنايات الدولية"، قال عوض الله.
وأضاف: سنستمر في هذه المعركة لتجفيف منابع تمويل الاستيطان. فمنذ اصدار المفوض السامي لحقوق الانسان تقريره الاول اثر لجنة تقصي الحقائق في 2013، بحثنا عن هذه الشركات وتابعناها لكي تنسحب من المستوطنات لانتهاكها حقوق الانسان الفلسطيني. هذه عملية تراكمية سنستمر بها.
ملاحقة الشركات قضائيا في المحاكم الدولية ومطالبتها بتعويضات
سريعا، أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، أن فلسطين ستبادر، الاثنين المقبل، لتسليم رسائل رسمية للدول التي تنتمي اليها الشركات العاملة في المستوطنات، الواردة في قائمة مجلس حقوق الانسان، لمطالبتها بإغلاق مقارها وفروعه وانهاء انشطتها التجارية والاستثمارية في المستوطنات.
وأضاف: في حال عدم استجابة هذه الشركات لمطالبنا، سنلاحقها قضائيا في المحاكم الدولية، وسنطالبها بتعويضات على خلفية استغلالها للموارد والارض الفلسطينية.
واعتبر عريقات اصدار الامم المتحدة قائمة بشركات عاملة في المستوطنات، بعد اربع سنوات من الضغوط الأميركية والاسرائيلية، "انتصارا للحق الفلسطيني للقانون الدولي، في الوقت الذي يعتزم فيه نتنياهو ضم المستوطنات بدعم مع من إدارة ترمب، في محاولة لتدمير الشرعية الدولية، وخلق نظام دولي جديد يستند إلى سيطرة القوة والأحادية".
خبراء ومختصون لمتابعة كافة الشركات المخالفة
وطالب مندوب فلسطين في مجلس حقوق الانسان ابراهيم خريشة الشركات العاملة في المستوطنات، الواردة في القائمة، وعددها 94 شركة محلية و18 من دول مختلفة، بالتعاطي مع قرار المجلس "بجدية" ووقف عملها في المستوطنات.
وضمت القائمة التي اعلنها مجلس حقوق الانسان 112 شركة من اصل 307 كانت مرشحة للقائمة، وقال خريشة ان المجلس "اختصر عدد الشركات لأن بعض الشركات تعهدت لمكتب المفوض السامي بعدم تجديد عقودها للعمل داخل المستوطنات".
وحذّر خريشة من أن "أية شركة تصر على العمل في المستوطنات سيتم تصنيفها ضمن الشركات المخالفة للقانون . سنعمل لاحقا على متابعة كافة الشركات المخالفة بشكل مدروس من قبل مجموعة من الخبراء والفنيين المختصين".
3.4 مليار دولار خسائر مباشرة للفلسطينيين نتيجة السيطرة الاسرائيلية على مناطق "ج"
فيما، اعتبر وزير الاقتصاد خالد العسيلي، في حديث مع وكالة "وفا"، اعلان مجلس حقوق الانسان "خطوة سياسية بالدرجة الاولى، جاءت بعد اربع سنوات من الضغوط الاميركية لمنع نشر القائمة، وبعد اسابيع من اعلان صفقة القرن".
واضاف: من شأن هذه القائمة ان تعزل الشركات الواردة فيها، "فإما ان تستجيب هذه الشركات وتنسحب من المستوطنات، او ستتكبد خسائر وتواجه ملاحقات قانونية.
وتابع: تقارير الامم المتحدة تشير الى خسائر بـ3.4 مليار دولار يخسرها الشعب الفلسطيني نتيجة السيطرة الاسرائيلية على المناطق "ج"، ومنع الفلسطينيين من استغلالها، بما في ذلك الاراضي التي تشغلها المستوطنات. اعلان القائمة من مجلس حقوق الانسان يفتح آفاقا واسعة لمطالبة هذه الشركات بالتعويض عن فترة عملها في المستوطنات.
وقال العسيلي إن قائمة مجلس حقوق الانسان بشأن الشركات التي لها انشطة تجارية في المستوطنات جاء بعد اشهر من قرار للمحكمة الاوروبية بوسم منتجات المستوطنات المستوردة الى دول الاتحاد الاوروبي "وسنتوجه الى المحكمة الاوروبية لاستصدار قرار بمنع منتجات المستوطنات من دخول الاسواق الاوروبية بشكل تام، وعدم الاكتفاء بوسمها، كما يفتح المجال لاي مواطن في احدى الدول الاوروبية لرفع دعاوي امام محاكم بلاده لمنع منتجات المستوطنات".
إعداد تصور من أجل ملاحقة ومساءلة الشركات العاملة في المستوطنات
واعلن وزير العدل محمد شلالدة، أن وزارتي العدل والخارجية تعملان على إعداد تصور من أجل ملاحقة ومساءلة الشركات العاملة في المستوطنات، والعاملين فيها من مختلف الجنسيات باعتبارهم مرتكبي جرائم بحق الشعب الفلسطيني، مطالبا الأمم المتحدة بالاسراع في وضع اتفاقية دولية تحرّم مشاركة الشركات من كافة دول العالم في دعم ومساعدة الاستيطان بكافة أشكاله.
وقال: قائمة الشركات العاملة في المستوطنات التي اعلنها مجلس حقوق الانسان وثيقة مهمة جدا، وتتمتع بقيمة قانونية تساهم في تسهيل مهمة الملاحقة لهذه الشركات لدى القضاء الوطني في دولها، وخطوة نحو حماية وتعزيز التمتع الفعال لابناء شعبنا بحقوقهم الانسانية.
واعتبر شلالدة اعلان مجلس حقوق الانسان "تطبيقا لقرار مجلس الأمن رقم 2334 القاضي بعدم مشروعية الاستيطان، ويدعو الدول لعدم تقديم أي مساعدة أو دعم للسلطة القائمة بالاحتلال".
ونصت المادة 17 من قرار مجلس الامن 2334، للعام 2016، مجلس حقوق الانسان بصياغة قائمة تشمل جميع الشركات الإسرائيلية والدولية التي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وتحديثها مرة كل سنة.
"القائمة" ستتيح لـ"BDS" توسيع عملها بسند قانوني
معظم الشركات الواردة في القائمة التي اعلنها مجلس حقوق الانسان كانت، منذ سنوات، هدفا للحملة العالمية لمقاطعة اسرائيل "بي دي اس".
منسق الحملة الوطنية لمقاطعة اسرائيل محمود نواجعة قال لـ"وفا"، "الاعلان له اكثر من معنى، الاول مرة يصدر اعلان بهذا الخصوص من مؤسسة أممية، وسيتيح للحملة توسيع عملها بسند قانوني".
واضاف: معظم الشركات الواردة في القائمة كان لدينا اصلا حملات ضدها، بما في ذلك الاستثمار في البنوك اسرائيلية، خصوصا من الكنايس وصناديق استثمارية كبرى كالصندوق السيادي النرويجي".
وقال "صحيح ان القائمة تشمل البنوك الإسرائيلية الخمسة الرئيسية، التي تستثمر شركة التأمين العملاقة (أيه اكس ايه) فيها، وشركة "دلتا إسرائيل" للأقمشة والألبسة، وشركة النفط والغاز الإسرائيلية "ديلك"، والتي هي شريك رئيسي في تصدير الغاز إلى مصر والأردن، وشركة "ميكوروت"، شركات اخدمات سياحية، وغيرها من الشركات، الا ان هناك العديد من الشركات والمصارف المتورّطة في أنشطةٍ تجاريةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ في المستعمرات الإسرائيلية غير مدرجةٍ في القائمة، كشركة "جي فور اس" و"اتش بي"، و"فولفو"، و"هيونداي لصناعة المعدات الثقيلة"، و"سيمكس"، و"هايديلبرغ سيمنت"، و"كاتربلر"، وغيرها من الشركات العالمية العملاقة، سنطالب بادراج هذه الشركات في القائمة"
حملة المقاطعة، بحسب نواجعة، ستبادر للطلب من الحكومات المركزية والمحلية في الدول التي تنتمي لها هذه الشركات لاستبعادها من العطاءات العامة، "ونتوقع ان ينسحب جزء من هذه الشركات كما حصل في شركة اورانج للاتصالات. المسألة ستكون مسألة ربح وخسارة بالنسبة لهذه الشركات".
وعقب اصدار المحكمة الاوروبية قرارها بوسم منتجات المستوطنات في اسواق دول الاتحاد الاوروبي، بادرت "بي دي اس" الى رفع قضية امام المحكمة لمنع دخول هذه المنتجات تماما الى الاسواق الاوروبية، "واعلان مجلس حقوق الانسان سيدعم موقفنا امام هذه المحكمة"، قال نواجعة.
وقال: على الصعيد الرسمي، فإن القائمة التي اعلنها مجلس حقوق الانسان سيفتح الباب واسعا امام المؤسسة الرسمية الفلسطينية للضغط على الحكومات التي تنتمي لها هذه الشركات، وهذ الامر في غاية الاهمية في ظل الاجراءات الاسرائيلية لضم اراض فلسطينية، وايضا في مواجهة الاجراءات الاميركية وصفقة القرن".
هزة في إسرائيل
على الجانب الآخر، سارعت سلطات الاحتلال الى رفض قائمة مجلس حقوق الانسان، واعتبرتها وزارة الخارجية الاسرائيلية انها "استسلام مخجل للدول والمنظمات التي مارست ضغوطا من أجل الإضرار بإسرائيل"، وبادرت الى توجيه قنصلياتها في الولايات المتحدة بالاتصال بحكام الولايات التي تقع فيها مقرات الشركات الأميركية الواردة بالقائمة، لحثها على إصدار بيانات إدانة لاعلان مجلس حقوق الانسان.
وقدّرت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية ان اعلان القائمة التي نشرها مجلس حقوق الانسان "ستكون له آثار عديدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وسيشكل ضغوطًا شديدة على الشركات الدولية التي تعمل في المستوطنات، وقد يتسبب ذلك في توقف بعضها عن العمل هناك، وربما يضطر بعضها لوقف عمله في إسرائيل ككل، لأنها لن تكون قادرة على التمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة".
واعتبر موقع "واينت" نشر قائمة مجلس حقوق الانسان "ضربة قوية لإسرائيل، وذلك لتوقيته الذي يأتي بعد الإعلان عن الخطة الأميركية (صفقة القرن)، وقبل أقل من شهر على موعد الانتخابات الإسرائيلية".
وقال "واينت" "بينما أعطت خطة ترمب، ضوءا أخضر للحكومة الإسرائيلية بضم مناطق واسعة في الضفة الغربية، وتمهد فعليا لفرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات، فإن التقرير الصادر عن الأمم المتحدة يشكل بيانا قويًا حول وضع المناطق المحتلة، ويؤكد بشكل لا يضع مجالا للشك أن الأراضي المحتلة لا تشكل في جميع الحالات جزءا من إسرائيل وأي نشاط إسرائيلي في المستوطنات غير قانوني".
وتخشى اسرائيل من أن يطلب مجلس حقوق الانسان من الجمعية العامة للأمم المتحدة تبني قرار يدعو الدول الأعضاء بمفوضيتها لحقوق الإنسان الى قطع العلاقات مع الشركات المدرجة في القائمة، علما أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سيعقد جلسته السنوية في 24 شباط الجاري، ويتوقع اتخاذ قرارات بهذا الشأن.
ودافعت الأمم المتحدة عن اعلان المفوضية السامية لحقوق الإنسان قائمة بالشركات العاملة في المستوطنات، وقال استيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، "التقرير صدر بناء على تفويض دولي، وقامت المفوضة السامية بتنفيذ التفويض الممنوح لها".
فيما أكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه أن "عملية مراجعة دقيقة تمت قبل صدور التقرير، حتى يعكس الاعتبارات الجدية المتعلقة بهذه الولاية المعقدة وغير المسبوقة، وأيضا حتى يستجيب التقرير، وبالشكل المناسب، لطلب مجلس حقوق الإنسان"، وأعربت عن أملها أن "يتم استقبال التقرير دون تحريف أو تشويه لخدمة أهداف سياسية أو أيديولوجية".