رام الله-وفا-عماد فريج-تشهد غالبية محافظات الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، تصل مدتها في بعض المناطق لأكثر من 5 ساعات، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة المواطنين في ظل أجواء الشتاء الباردة.
وتتركز الانقطاعات في محافظات: القدس، ورام الله والبيرة، وبيت لحم، وأريحا، وجميعها مناطق امتياز لشركة كهرباء محافظة القدس، التي أنشئت رسميا عام 1914، وتتغذى بالطاقة من مزودين، هما: الشركة القطرية، من خلال 37 نقطة ربط على الضغط المتوسط، والمزود الثاني هو الأردن، من خلال نقطة ربط واحدة.
وتأثرت المستشفيات والمراكز الصحية بالانقطاع المتكرر للكهرباء، ما يشكّل خطرا على المرضى، خاصة في المراكز الصحية التي لا تتوفر فيها مولدات كهربائية.
وخلّف انقطاع الكهرباء في عدة مناطق ازدحامات وأزمات مرورية بعد توقف عمل إشارات المرور.
وطال القطع وزارات، ومؤسسات هامة، وحيوية، خاصة في محافظة رام الله، كما تأثرت المصانع والمطاعم والمصالح التجارية بالانقطاع المتكرر للكهرباء.
واضطرت العديد من المطاعم في محافظة بيت لحم لإغلاق أبوابها بعد انقطاع التيار الكهربائي نهاية الأسبوع الماضي.
وينتظر أصحاب هذه المطاعم فترة الأعياد الميلادية المجيدة كل عام، لما تشهده من إقبال من السياح الأجانب والمواطنين من مختلف المحافظات، إلا أن عملهم تعطل هذا العام.
وخرج العشرات من المواطنين في المحافظة احتجاجا على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، محمّلين شركة كهرباء القدس المسؤولية عن حالة الإرباك التي يعيشونها في ظل أجواء الشتاء الباردة.
وأغلق محتجون مكتبا للشركة في بيت ساحور بالأقفال والجنازير، وألصقوا ورقة على الزجاج كتب عليها، تم إغلاق شركة الكهرباء فرع بيت ساحور بسبب عدم وجود ضرورة لها.
بدورها، قالت "كهرباء القدس" إنها تواصل جهودها من أجل إنهاء الانقطاعات المتكررة الناجمة عن إجراءات وتحكّم الشركة القطرية الإسرائيلية بالتيار الكهربائي، موضحة أن السبب في الأزمة هو "إسرائيلي بحت".
وأوضحت أن شركة كهرباء إسرائيل تتحكم بالطاقة التي تصل إلى كهرباء القدس، عبر تقليص الطاقة الواصلة الى خطوط الشركة لتخفيف الأحمال عن الشركة الإسرائيلية، وتحويل هذه الطاقة إلى المناطق الاسرائيلية التي تتبعها تحسبا من انقطاع الكهرباء عنها على حساب المواطن الفلسطيني.
وتأتي أزمة الكهرباء الحالية بعد أيام من الإعلان عن انتهاء أزمة تراكم ديون شركة كهرباء القدس لشركة الكهرباء الإسرائيلية، بعد توقيع اتفاق مع التجمع البنكي لمنح الشركة قرضا بقيمة 670 مليون شيقل من البنوك، لسداد التزاماتها، وذلك وفق مقترح قدمه مكتب رئيس الوزراء محمد اشتية.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة ومديرها العام هشام العمري: منذ بداية الاتفاق على تسديد المديونية للشركة للقطرية الإسرائيلية والتيار الكهربائي يقطع عن عدد من المحافظات الفلسطينية، كان أولها رام الله والبيرة والآن محافظة بيت لحم بالكامل، وأجزاء من القدس، منها: بيت صفافا، والمكبر، والسواحرة، وسلوان، وفي الخليل أيضا، فيما يتم تحويل الطاقة الكهربائية الى المستوطنات".
ورغم أن الشركة تعلن في بعض الأحيان أسماء المناطق والساعات التي ستقطع عنها الكهرباء، إلا أنه في كثير من الأحيان يكون القطع فجائيا ودون سابق إنذار.
وقال الرئيس التنفيذي لمجلس تنظيم الكهرباء حمدي طهبوب "إن المجلس يراقب شركات توزيع الكهرباء في الوطن لتحقيق العدالة بين كافة المستهلكين".
وأضاف: حتى في ظل الأزمة التي نعيشها، يجب أن تكون هناك عدالة في قطع التيار الكهربائي، بمعنى قطع التيار الكهربائي لفترات متساوية عن المستهلكين.
وأوضح طهبوب أن شركتي كهرباء الشمال وكهرباء الخليل تعاملتا مع الموضوع بصورة ممتازة جدا والقطع، تم تجنبه بكثير من الأحمال، وكانت هناك إدارة ممتازة للشبكات، وحتى عندما كانت هناك برامج قطع كانت بطريقة متساوية عن المستهلكين، أما شركة كهرباء طوباس فتزودت بالتيار الكهربائي من محطة الجلمة بشكل جزئي، ولم تكن هناك انقطاعات كبيرة.
وأشار إلى أن شركة كهرباء الجنوب عانت من انقطاعات كبيرة، والسبب بشكل أساسي يعود إلى أن الخطوط التي تزودها مشتركة مع هيئات محلية، أما بالنسبة لشركة كهرباء محافظة القدس، فطبيعة الشبكة والتزويد عطّلا من الاستجابة القصوى لتوزيع الأحمال بعدالة على المستهلكين.
وأكد ان المجلس سيقوم بمتابعة هذا الموضوع بصورة دائمة حتى تنتهي الأزمة، ويضمن العدالة في توزيع الأحمال بين المستهلكين.
وانتقد طهبوب عملية قطع التيار الكهربائي دون سابق إنذار، وقال: المحطات الإسرائيلية التي تزودنا بالطاقة الكهربائية تصل إلى مرحلة لا تستطيع فيها تزويدنا بقدرات أكبر، وبالتالي يطلب الجانب الإسرائيلي من شركات التوزيع الفلسطينية تخفيض الأحمال، وهذا يتم بطريقة مفاجئة.
وأضاف: حتى لو كان إبلاغ شركات التوزيع بصورة مفاجئة، يجب أن تكون لديهم الخطط الكافية التي من خلالها تعلم المستهلكين بمدة القطع وسببه. وإذا تم تجنب القطع فهي مصلحة الجميع، لكن يجب أن يكون هناك تحذير للمواطنين.
وتابع: أصدرنا تعليمات للشركات بضرورة إعلام المواطنين بالقطع ومدته وسببه، وعدم تكراره، ومستمرون بمتابعة ذلك، الأمور ليست مثالية، ولكن بناء على الشكاوى التي تصلنا من المواطنين سنبقى نتابع الموضوع وهو ضمن رقابتنا".
وأشار طهبوب إلى أن "نقص القدرات هو نتيجة التنامي الطبيعي للأحمال، بسبب زيادة عدد المشتركين السنوي، وبالتالي نحتاج لإضافة قدرات جديدة للنظام، لتلبية الطلب على الكهرباء".
وكانت الحكومة الفلسطينية ومن خلال الشركة الفلسطينية لنقل الكهرباء، قد قامت ببناء 4 محطات في الجلمة وصرة وقلنديا وترقوميا، لتحويل الطاقة الكهربائية من الضغط العالي إلى الضغط المتوسط، وبالتالي توفير القدرات المطلوبة.
وتعمل محطة الجلمة بصورة جزئية، أما باقي المحطات فلا تعمل لغاية الآن بسبب عدم التوصل إلى اتفاقية شراء الطاقة مع الجانب الإسرائيلي.
وبين طهبوب أن السبب بشكل رئيسي وراء تأخر توقيع الاتفاقية حتى الآن كان تراكم الديون على شركة كهرباء محافظة القدس، موضحا أنه بعد إنهاء ملف ديون الشركة بجهود بذلت من الحكومة، نأمل قريبا أن تعمل هذه المحطات وتلبي النقص في الطاقة الكهربائية التي نعاني منه في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
يذكر أن 99.9% من المواطنين في فلسطين تتوفر لديهم خدمة الكهرباء، ويمثل القطاع المنزلي 80% من الطاقة المستهلكة، و17% يستهلك من قبل القطاع التجاري، وحوالي 1% للقطاع الصناعي، و2% للقطاعات الأخرى.
وبحسب ورقة بحثية لمعهد "ماس"، فإن شركات التوزيع تقوم بإدارة وتزويد ما يزيد على 65% من خدمات توزيع الطاقة الكهربائية في الضفة الغربية، والباقي يتم عبر الهيئات المحلية. وفي غزة تقوم شركة كهرباء غزة بإدارة توزيع الكهرباء.
وبلغ معدل مشتريات الكهرباء من إسرائيل حوالي 540 مليون دولار سنويا لآخر ثلاث سنوات للضفة وغزة ولا يشمل القدس، وهذه السلعة أو الخدمة لا يتم شراؤها إلا من إسرائيل (وجزء قليل من الأردن ومصر)، ويشكل استيراد الكهرباء حوالي 8% من إجمالي الواردات الفلسطينية السلعية والخدمية، وحوالي 72% من الواردات الخدمية التي بلغت قيمتها 1.766 مليون دولار عام 2018.
أما مشتريات شركة كهرباء القدس فقد بلغت حوالي 280 مليون دولار كمعدل آخر ثلاث سنوات، وعند إضافة هذا الرقم الى استيراد الضفة وغزة يصبح مجموع ما يتم استيراده من الكهرباء 865 مليون دولار كمعدل سنوي لآخر ثلاث سنوات. وتبلغ حصة شركة كهرباء القدس حوالي 38%من استيراد الكهرباء الإسرائيلية لكافة المستهلكين الفلسطينيين. وتصل نسبة الفاقد في قطاع الطاقة الكهربائية الى 22% بقيمة تصل الى 168 مليون دولار سنويا من إجمالي استيراد الكهرباء.
وبذلت جهود حثيثة منذ قدوم السلطة الفلسطينية لتنظيم هذا القطاع، الذي توج بإصدار قانون الكهرباء العام لسنة 2009 والأجسام الإدارية المنبثقة عنه، والتعليمات المصاحبة له.
وفي إطار هذا التنظيم، تم إنشاء أربع شركات هي، شركة الشمال، وشركة الوسط، وشركة الجنوب وشركة كهرباء الخليل، وهي شركات قطاع خاص ولكنها منظمة بقوانين وتعليمات سلطة الطاقة ومجلس تنظيم قطاع الكهرباء الفلسطيني، والتنوع في عدد شركات القطاع الخاص الموزعة للكهرباء يعني منع الاحتكار، وذلك بحكم الرقابة عليها وتحديد الأسعار من قبل سلطة الطاقة والجهات المنظمة لقطاع الكهرباء، وتجنبا للاحتكار فإن هناك دعوة مستمرة وتشجيعا من قبل مجلس تنظيم قطاع الكهرباء للتجمعات السكانية القروية بإنشاء شركاتهم الخاصة ضمن هذا الاطار الرقابي والتنظيمي.
تزويد الكهرباء في الأراضي الفلسطينية يتم عبر نوعين من العقود، الأول: العقود التي تتم من خلال شركة كهرباء القدس والشركة القطرية الإسرائيلية، وهذه تغطي منطقة وسط الضفة الغربية (محافظات القدس، ورام الله والبيرة، وبيت لحم، وأريحا والأغوار)، والعقود التي تتم بين الشركات الأربع الأخرى وشركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية. الثاني: العقود التي تتم مباشرة بين الهيئات المحلية الأخرى والشركة القطرية الإسرائيلية، وهذه تشكّل 35% من إجمالي قيمة هذه العقود، أي من إجمالي مشتريات الكهرباء من إسرائيل.
ويشير "ماس" إلى أن مشاكل قطاع الكهرباء تتعدد وتتنوع مصادرها، فمنها ما هو ناجم عن تخلف الهيئات المحلية عن السداد، الأمر الذي فاقم من مشكلة صافي الإقراض، ومنها أيضا الفاقد الذي يصل الى 22% (10% فاقد فني، 12% سرقات أو فاقد أسود)، ومشاكل أخرى، مثل: عدم انضمام عدد من الهيئات المحلية الى شركات التوزيع وابقائها على علاقتها مع الشركة القطرية الإسرائيلية، بالإضافة الى إنفاذ القوانين خاصة ما يتعلق بالعقوبات، وأيضا مشكلة تحمل الخزينة العامة لمسؤولية سداد فاتورة الكهرباء عن المخيمات، ومشاكل صيانة الشبكات والتكاليف الإضافية المرتفعة.