الأغوار الشمالية-وفا-الحارث الحصني-في الوقت الذي انتصفت فيه شمس نهار يوم ربيعي، في منطقة "الساكوت" بالأغوار الشمالية المنكوبة والمهددة بالاستيطان، كانت مجموعة من العمال تعمل داخل أحد الحقول المزروعة بأشجار العنب منذ سنتين.
في تلك اللحظة، كان جرار زراعي ، يجول ذهابا وإيابا في حركة متكررة بين "الأتلام" المزروعة بالعنب، في المنطقة المترامية عند المنطقة الشرقية للضفة الغربية، والفاصلة بين الضفتين (الشرقية، والغربية)، بالأغوار الشمالية.
وكان هذا العمل في مشروع مزرعة "الدالية" للعنب الخالي من البذور، وهو مشروع مشترك بين صندوق الاستثمار الفلسطيني، والقطاع الخاص، للنهوض بالقطاع الزراعي في الأغوار الشمالية.
و"الساكوت"، هي قرية فلسطينية كانت مبنية على مقربة من نهر الأردن، وقد دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، في حرب النكسة عام 1967، ومنذ ذلك الوقت ظل يستغلها المستوطنون في الزراعة.
كما زرع الاحتلال في مساحات من أراضيها حقول ألغام، أزال في وقت لاحق من عددا منها، وأبقى على بعضها حتى اليوم.
الشقيقان محمد، ومهند حسني صوافطة، هما من سليل عائلة عرفت تاريخيا بالزراعة المروية في قرية بردلة بالأغوار الشمالية، يتشاركان مع صندوق الاستثمار الفلسطيني، في هذا المشروع، الهادف لتطوير سلة العنب اللابذري في فلسطين، وتحقيق الأمن الغذائي، والاستغناء عن المحاصيل المستوردة.
ويعد المشروع، كما كتب في نشرة لصندوق الاستثمار، نموذجا ناجحا للمزارعين في منطقة "الساكوت"، تمثل الزراعة الحديثة والذكية، كربط شبكة المياه بأجهزة الحاسوب، ومحطة الأرصاد الجوية، واعتماد نظام الممارسات الزراعية الجيدة والسليمة.
فالمشروع الذي تبلغ مساحته الحالية 128.7 دونما، مزروعة بالعنب فعليا، متوقع بأن تتسع مساحته بشكل إضافي بما يقدر بــ412 دونما، لتصل المساحة الكلية له 540 دونما، سوف تزرع بالعنب الخالي من البذور.
وتستند الأشتال المزروعة التي لم يتعدَ عمرها سنتين تقريبا، على قضبان حديدية، يكون واحد قائما بجانب شتلة العنب، واثنان مثبتان بشكل حرف (v) باللغة الانجليزية، على قضيب الحديد القائم.
ويتابع عمال مهرة شتلة العنب منذ لحظة زراعتها حتى انتاجها، معتمدين على خبرات اكتسبوها فيما مضى أثناء العمل بنفس المجال في المستوطنات.
وهذا واحد من عدة مشاريع زراعية في منطقة "الساكوت"، وهي منطقة أراضيها الزراعية مفتوحة، وقد أمكن مشاهدة عدد منها في المنطقة كالبطيخ والموز وغيرها.
وشوهد أيضا عشرات المواطنين وهم يعملون في تلك المشاريع الزراعية المزروعة في المنطقة.
لكن العمال الذين يعملون في كروم العنب، فقد وصفهم محمد صوافطة بأنهم يعملون كخلية نحل. وقال: "كل يعرف واجباتاته".
وخلال ساعتين أمكن مشاهدة بعض العمال موزعين في أماكن متفرقة في داخل الحقل، ويمارسون أعمالا مختلفة، كالرش، وتخفيف الأوراق، وتفقد شبكات المياه المغذية لها.
واقفا عند طريق ترابي يفصل بين كرم العنب، وأرض استولى عليها الاحتلال سابقا؛ بحجة أملاك غائبين، وزرعها المستوطنون مؤخرا، قال صوافطة: "الزراعة هنا مثل الذي يزرع بين حقول ألغام".
وفي مكان محاذ لكرم الدالية، استولى الاحتلال قبل أقل من شهر على معدات لتشغيل خلايا شمسية تابعة للكرم المزروع.
وقال صوافطة، وهو يزيل بعض الحشائش والأعشاب: "لا يريدون أي استثمار للفلسطينيين، عندما تزرع شيئا هنا ضع في حسبانك كل شيء".
لكن رغم ذلك، فبحسب التوقعات فإن هذا المشروع واحد من عدة مشاريع يكون بديلا عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية، ومتوقع أن يشغل المشروع أكثر من 10 عائلات فلسطينية بالمزرعة، وتوفير ما يقارب 120 فرصة عمل مباشرة.
يؤكد ذلك العمال الذي قالوا إنهم وجدوا فرصة عمل مناسبة لهم بالدخل، تكون بديلة عن تلك التي كانت في المستوطنات.
وتتعدى الاستفادة من الأرض المخصصة للمشروع بأن تقتصر فقط على زراعة الدالية، فالمشروع يتيح الفرصة لصغار المزارعين بزراعة محاصيل موسمية أخرى في مزرعة الدوالي، كالبطيخ، والذرة، إلى حين اكتمال نمو شجرة العنب خالي البذور، وتصبح جاهزة للإنتاج .
وحسب التوقعات، سيتم انتاج عنب مبكر لا بذري ذات جودة عالية، وبكميات، في فترة ما بين منتصف نسيان، ومنصف أيار، من خلال اتباع نظام الزراعة المحمية الحديثة. وبناء على ذلك، فإن منتجات المشروع، ستسوق محليا وعالميا، وداخل أراضي عام الــ48؛ بسبب أنها لا تكون متوافرة في هذه الفترة.
قال صوافطة: "لا نزال نعمل على تطوير النظام الزراعي في المنطقة، والمشروع خطوة في ذلك، ويسعى لإدخال أصناف زراعية جديدة في جانب الفواكه، في الأغوار المعروفة بكثرة زراعة الخضراوات فيها".
واضاف: "نريد سد حاجة السوق من الفواكه، والاستغناء عن الاستيراد".
وفي الساكوت بشكل عام استرجع الفلسطينيون قبل سنوات قليلة ما يقارب 3500 دونم بقرار المحكمة الإسرائيلية، التي قضت بذلك، بعد أن كان المستوطنون يزرعون تلك الأراضي منذ احتلال اسرائيل لباقي فلسطين التاريخية عام 1967.
ومنذ ذلك الوقت (2016) ، انتشت الزراعة المروية في المنطقة، وبدأت المشاريع الزراعية، تظهر فيها، وهي مشاريع مختلفة الأحجام، تشغل عشرات المواطنين فيها، إلا أنهم يتعرضون لانتهاكات مستمرة.
أما الأرض التي زرعت بكروم العنب، لم تكن من تلك المسترجعة، غير أنها محاطة بخطر المستوطنين، والاحتلال.