رام الله-أخبار البنوك-أصدرت سلطة النقد التقرير السنوي لعام 2017، الذي يشتمل على أربعة فصول رئيسة تناولت على التوالي: التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية؛ وتطورات مالية الحكومة؛ وتطورات القطاع الخارجي بما في ذلك ميزان المدفوعات والتجارة الخارجية السلعية المسجلة؛ وأخيراً تطورات القطاع المالي الفلسطيني، بما فيه سلطة النقد، والمصارف العاملة في فلسطين، والمؤسسات المالية غير المصرفية.
وأشار عزام الشوا، محافظ سلطة النقد، إلى أن إصدار هذا التقرير يأتي في فترةٍ شهدت العديد من التطورات الاقتصادية والسياسية، دولياً وإقليمياً ومحلياً، كان من من نتائجها على الصعيد المحلي تباطؤ وتيرة النمو خلال العام 2017، مترافقاً مع ارتفاع طفيف في العجز الجاري لمالية الحكومة وتراجع عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات. كما شهد الوضع العالمي أيضاً مجموعة من الأحداث التي ألقت بظلالها على أداء الاقتصادات الكبرى، فقد سجّل الاقتصاد العالمي أداءً وُصف بكونه الأفضل في نحو سبع سنوات على خلفية نشاط التجارة العالمية، ومدعوماً بتعافي الاستثمار في الدول المتقدمة، ونمو متين في الدول الصاعدة في آسيا وأوروبا. كما أدى استمرار أوبك خفض انتاجها من النفط إلى انتعاش في أسعار النفط وتحسّن تدريجي في العديد من الدول المصدّرة. لكن إقليمياً، لا تزال الصراعات والاضطرابات السياسية مستمرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أُضيف لها هذا العام التوترات الجديدة في العلاقات الخليجية. حيث شهدت الأوضاع الاقتصادية في المنطقة تبايناً بين الدول من انكماش في بعضها إلى تسارع في البعض الآخر. ولكن في المحصلة، تباطأ النمو إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية التي حدثت قبل 10 سنوات.
وأظهر التقرير على الصعيد المحلي، أن الاقتصاد الفلسطيني شهد بعض التباطؤ خلال العام 2017 متماشياً مع توقعات سلطة النقد السابقة، فسجّل نموّاً بواقع 3.1% مقارنة بنسبة بلغت 4.7% في العام 2016، ليصل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (بأسعار 2015) إلى نحو 13.7 مليار دولار، وذلك على خلفية انكماش الاقتصاد الغزّي بالرغم من التسارع المتحقق في الضفة الغربية. فبعد عامين متتالين من التسارع، انزلق الاقتصاد الغزّي مجدداً إلى حلقة الانكماش، متراجعاً بنحو 0.3% مقارنة بنمو بلغ 7.7% في العام 2016. أما في الضفة الغربية، فقد تسارع اقتصادها خلال العام 2017 لتصل نسبة النمو إلى 4.3% مقارنة بـِ3.0% في العام 2016. من ناحيةٍ أخرى، نمت أسعار المستهلك في فلسطين بشكل طفيف بنحو 0.2%، مقارنة بانكماش سعري بلغ قرابة 0.2% في العام 2016، في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالمياً، وعودة الأسعار في إسرائيل إلى النمو. في المقابل، لا تزال مستويات البطالة المرتفعة تشكل أحد أبرز التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة. فشهدت معدلات البطالة في فلسطين ارتفاعاً لتصل إلى 27.7% من إجمالي القوى العاملة، مقارنة مع 26.9% خلال العام 2016. وجاء ذلك على خلفية ارتفاع معدلات البطالة في قطاع غزة من 41.7% عام 2016 إلى 43.9% عام 2017، بالرغم من تراجعها في الضفة الغربية من 18.2% عام 2016 إلى 17.9% عام 2017.
أما في مجال المالية العامة، فقد أشار التقرير إلى تحسن ملحوظ في الإيرادات الضريبية، وآخر بسيط في إيرادات المقاصة، مقابل انخفاض كل من الإيرادات غير الضريبية، والمنح والمساعدات الخارجية، الأمر الذي أدى بالمحصلة إلى تراجع الإيرادات العامة والمنح خلال هذا العام بنحو 5% مقارنة بالعام 2016، لتبلغ حوالي 15,982.5 مليون شيكل. بينما انخفض الإنفاق العام الفعلي بنحو 1.1% مقارنة بالعام 2016، ليبلغ نحو 14,601.8 مليون شيكل. وفي النتيجة، أدت هذه التطورات إلى تحقيق الرصيد الكلي بعد الدعم فائضاً بنحو 1,189.1 مليون شيكل مقارنة بفائض بلغ 1,684.3 مليون شيكل خلال نفس الفترة، حيث ساهمت المنح والمساعدات الخارجية في تحويل العجز الكلي إلى فائض. وبالرغم من ذلك ارتفعت المتأخرات المترتبة على الحكومة خلال العام بحوالي 2.8% مقارنة بالعام 2016. أما الدين العام الحكومي (مقوماً بالدولار الأمريكي)، فارتفع مع نهاية العام 2017 بنحو 2.4% مقارنة بنهاية العام 2016، ليبلغ حوالي 2,543.1 مليون دولار (نحو 8,849.7 مليون شيكل)، أو ما يعادل نحو 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.
على صعيد آخر، سجل الحساب الجاري في ميزان المدفوعات للعام 2017 عجزاً مقداره 1,563.7 مليون دولار، بتحسن نسبته 19.5% عمّا كان عليه في العام 2016. وشكل هذا العجز نحو 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 14.5% خلال العام 2016.
هذا وأفاد المحافظ إلى أنه وبالرغم من الظروف والأوضاع السياسية الصعبة التي تعيشها فلسطين، شهد العام 2017 المزيد من الإنجازات المحققة على صعيد الجهاز المصرفي الفلسطيني، حيث واصلت سلطة النقد جهودها في تطوير الإطار الرقابي والقانوني المنظم لمؤسسات الجهاز المصرفي، ودعمه بالأنظمة الرقابية المختلفة. كما واصلت توطيد علاقتها العربية والإقليمية والدولية، بهدف تعميق الروابط بين الجهاز المصرفي الفلسطيني ومحيطه الإقليمي والدولي، ودرء المخاطر تجاه الجهاز المصرفي الفلسطيني في ضوء الظروف الراهنة. كما استمرت جهود سلطة النقد الكبيرة نحو تعزيز الشمول المالي في فلسطين وتسجيل العديد من الإنجازات على هذا الصعيد، والبحوث الاقتصادية والمالية والتقارير المتخصصة في المجال الاقتصادي والمصرفي والمالي. وقد انعكست محصلة هذه الإجراءات إيجاباً على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي الفلسطيني، فتحسنت مستويات السيولة، بالتزامن مع ارتفاع الموجودات، ونمو ودائع العملاء، وارتفاع محفظة التسهيلات الائتمانية وتحسن جودتها مع تراجع في نسبة المتعثر، وزادت قدرة هذا الجهاز على مواجهة المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة.
أما في القطاع المصرفي، فقد أشار التقرير إلى ارتفاع إجمالي موجودات الجهاز المصرفي بنسبة 11.6% في نهاية العام 2017، ليصل إلى 15,850.2 مليون دولار. كما شهدت محفظة التسهيلات الائتمانية المباشرة ارتفاعاً بنسبة 16.8%، لتصل إلى حوالي 8,026.0 مليون دولار. وفي ذلك إشارة إلى مزيد من التفعيل لدور الوساطة المالية بين وحدات الفائض والعجز في الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص التمويل والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية. كذلك ارتفع إجمالي الودائع (المصرفية وغير المصرفية) بنسبة 11.7%، ليصل إلى 13,117.8 مليون دولار، كما ارتفع صافي حقوق الملكية بنسبة 12.4%، ليبلغ 1,891.2 مليون دولار.
أما بخصوص التوقعات المستقبلية لأداء الاقتصاد الفلسطيني، تشير توقعات سلطة النقد المتعلقة بأداء الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2018 إلى استمرار تباطؤ الاقتصاد، إذ من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الحقيقي (وفق السيناريو الأساس) إلى نحو 2.4% مقارنة مع 3.1% في العام 2017. ويأتي هذا الأداء على خلفية افتراض بقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية في فلسطين على حالها في العام 2017، من حيث القيود المفروضة على المعابر وحرية حركة الأفراد والبضائع، مع استمرار زيادة العمالة الفلسطينية في إسرائيل بنفس المعدل السابق، وتواصل عملية إعادة إعمار قطاع غزة على نفس الوتيرة. إلى جانب استمرار الحكومة الفلسطينية في انتهاج سياسة الترشيد المالي، مع بقاء معدلات نمو الإيرادات والنفقات الحكومية دون تغيرات تذكر عند نفس مستوياتها في العام السابق، واستمرار الانخفاض في تدفق الدعم المقدم من قبل الدول المانحة لخزينة الحكومة.
ويجدر بالذكر أن "التقرير السنوي" لسلطة النقد يصدر بانتظام عن دائرة الأبحاث والسياسة النقدية، ويشكل مرجعاً أساسياً للمؤسسات البحثية والمهتمين بالشأن الاقتصادي وطلبة الدراسات العليا في فلسطين، لما يحتويه من تحليل معمق قائم على أحدث وأدق البيانات المتوفرة.