بيت لحم-صحيفة الأيام-أيام قليلة قبل الإعلان عن اكتشاف أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) في فلسطين، وضع رئيس الوزراء محمد اشتية حجر الأساس لخمسة فنادق في بيت لحم، من بين عشرة كان يجري التخطيط لإقامتها في المدينة، إضافة إلى فندقين برام الله، لكن خطط إقامة هذه الفنادق تعطلت مع إعلان حالة الطوارئ الصحية وما رافقها من إجراءات عزل صارمة استمرت لأكثر من شهرين، فكانت الفنادق خصوصاً، والمنشآت السياحية عموماً، من أوائل القطاعات التي فرض عليها الإغلاق.
مجمل الأنشطة الاقتصادية عادت إلى الحياة، بكامل طاقتها تقريباً، وبقي قطاع السياحة مغلقاً.
في السنوات العشر الأخيرة، وخصوصا في آخر ثلاث سنوات، شهد قطاع السياحة الفلسطيني نمواً لافتاً، فتجاوز عدد السياح الوافدين من دول العالم في العام 2018 عتبة ثلاثة ملايين سائح لأول مرة، وتأكد أن هذا الرقم بات خلفنا في العام 2019 مع نمو إضافي في عدد السياح، وكانت مؤشرات العام 2020 تداعب خيال العاملين في هذا القطاع بالوصول إلى رقم أربعة ملايين قريباً، إن لم يكن هذا العام ففي العام القادم، بحجوزات في الفنادق تخطت 80% كمعدل، ووصلت، إلى 100% في فنادق بيت لحم ورام الله وأريحا، "كل هذا ذهب أدراج الرياح" مع جائحة "كورونا"، قال إلياس العرجا رئيس جمعية الفنادق العربية، وصاحب سلسلة فنادق في بيت لحم.
من سوء الطالع في هذا القطاع، ارتباط ظهور الوباء بأحد الفنادق، وتحديداً بوفد سياحي يوناني أقام ليالي قليلة في فندق "أنجل" في بيت جالا أوائل آذار، ورغم تحول الأنظار إلى ثغرة أخطر تتمثل في العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، إلا أن الجائحة بقيت مرتبطة في هذا القطاع، كما في كل بلدان العالم، حيث تعطلت حركة الطيران وأغلقت الحدود، وشل هذا القطاع تماماً.
لا توجد إحصائية دقيقة لحجم الخسائر التي تكبدها قطاع السياحة في فلسطين، وحتى الرقم التي أعلنته إحدى جهات القطاع الخاص (122 مليون دولار في ثلاثة أشهر)، يبدو رقماً متحفظاً جداً قياساً إلى مؤشرات هذا القطاع في العام 2019 وأوائل العام 2020، خصوصا إذا ما أضيفت خسائر المنشآت المرتبطة بقطاع السياحة، كالمطاعم ومحلات بيع التحف والسوفنير والسنتوراي، ومكاتب السياحة.
وقال العرجا: "على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت لدينا نسبة إشغال تجاوزت 70%، بمعنى ثمانية آلاف غرفة من 11 ألفاً إجمالي الغرف الفندقية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم يقل عدد النزلاء عن 17 ألف نزيل في الليلة الواحدة طوال العام تقريباً، بمعدل إنفاق 35 دولاراً على الأقل لكل نزيل في الفنادق، ومثلها أو أكثر في السوق: مطاعم وهدايا وتحف. وبحسبة بسيطة، فإن حجم الخسائر بمئات الملايين، ولا يقتصر على 122 مليوناً"، وهو تقدير أيده أيضاً الناطق باسم وزارة السياحة جريس قمصية.
2019-2018 ذروة النشاط
في عامي 2018 و2019، قال العرجا: إن قطاع السياحة شهد ذروة نشاطه، حيث تجاوز عدد السياح ثلاثة ملايين سائح، ووصلت نسبة إشغال الفنادق 71% في 2018 قفزت إلى 76% في 2019، "وفي بداية العام 2020 كانت الحجوزات عالية جداً، وصلت في بعض الفنادق لأكثر من 120%، ما اضطرها للاعتذار عن جزء من هذه الحجوزات، وبالإجمال فإن معدل الحجوزات في جميع الفنادق للعام 2020 كان في طريقه لتجاوز حاجز 80%. مؤشرات أول شهرين في 2020 أظهرت نمواً كبيراً في هذا القطاع".
استثمارات ضخمة مهددة بالإفلاس
مع النمو المطّرد في النشاط، استقطب قطاع السياحة الفلسطيني استثمارات ضخمة، فتضاعف عدد الفنادق في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال السنوات العشر الأخيرة من حوالى 70 فندقاً إلى نحو 140 فندقاً حالياً، فيما بدأ عدد من المستثمرين تنفيذ خطط لإقامة المزيد من الفنادق، خصوصاً في بيت لحم ورام الله، ليتجاوز حجم الاستثمار في هذا القطاع خلال العقد الأخير ربع المليار دولار.
وقال جمال النمر، مدير عام فندق الكرمل وصاحب فندق "السيزر" وكلاهما برام الله: "النمو في قطاع السياحة انعكس على الاستثمار في هذا القطاع. كانت طفرة في النمو لفتت نظر العديد من المستثمرين. تضاعف عدد الفنادق في السنوات العشر الأخيرة وبات لدينا الآن 140 فندقاً، وهناك 10 فنادق جديدة بدأ إنشاؤها في بيت لحم، واثنان آخران في رام الله"، إضافة إلى أن هذا السياحة هي قطاع مشغل للعمالة الكثيفة، حيث تجاوز عدد العاملين فيه 10 آلاف عامل.
فجأة، أغلقت الفنادق وجميع المنشآت السياحية، وانقطع السياح، وألغيت الحجوزات تباعاً حتى شهر آب، وباتت الغالبية العظمى من نحو 10 آلاف عامل في هذا القطاع بلا مصدر رزق.
وقال العرجا: "لا يتوقع أن تعود الفنادق إلى العمل، بكامل طاقتها على الأقل، خلال وقت قريب، فحركة الطيران ما زالت متوقفة، والحدود مغلقة، وعملية استقطاع السياح من جديد تحتاج إلى فترة طويلة".
قطاع السياحة أحد القطاعات كثيفة العمالة، حيث يعمل في هذا القطاع ما لا يقل عن عشرة آلاف عامل، غالبيتهم في الفنادق، ومع إغلاقها وانسداد أفق استعادتها لنشاطها كما في السابق، فإن معظم العاملين في هذا القطاع باتوا بلا عمل.
وقال العرجا: بعض الفنادق صرفت راتباً كاملاً لعمالها وموظفيها في أول ثلاثة أشهر من الجائحة، والبعض الآخر صرف نصف راتب، لكن لن يكون متاحاً صرف رواتب ولو جزئياً في المرحلة القادمة، باستثناء عدد قليل يقتصر على خمسة عمال أو أقل للفندق الواحد.
وأضاف: أحد الخيارات التي تتم مناقشتها مع هؤلاء العمال صرف المدخرات ومكافآت نهاية الخدمة لتمكينهم من العيش هم وأسرهم. مع فقدان السيولة لدى غالبية الفنادق، سيتم دفع هذه المستحقات على أشهر ربما تصل إلى سنة.
الأكثر تضرراً
وقال النمر: "قطاع السياحة الأكثر تضرراً من جائحة فيروس كورونا، خصوصاً الفنادق، فلا سياح بسبب توقف حركة الطيران، والأزمة أدت إلى إغلاق عدد من الفنادق، فيما تضرر الباقي بشكل كبير جداً، وأسهمت الضربة القاسية التي تلقاها هذا القطاع في اتساع دائرة الفقر والبطالة لفقدان آلاف العمال لوظائفهم.
إضافة إلى التوقف عن العمل، فقد سلّم العديد من الفنادق لوزارة الصحة كأماكن للحجْر، مقابل تعويضات من الحكومة، التي لم تدفع شيئاً حتى الآن، إضافة إلى أضرار واسعة لحقت بمحتويات هذه الفنادق على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، واستخدام جزء كبير من مخزونها من المواد الغذائية وغير الغذائية في خدمة المحجورين.
فندق الكرمل على سبيل المثال، وهو فندق جديد لم يمض على تشغيله سوى عام ونصف العام، يحتوي 120 غرفة باستثمارات بنحو 30 مليون دولار، سلّم إلى مالكيه بعد ثلاثة أشهر من استخدامه كمركز حجْر بستائر وفرشات ممزقة جميعها ستذهب للإتلاف، ومصاعد معطلة، وجدران بحاجة إلى إعادة تأهيل، وأضرار أخرى يجري حصرها، إضافة إلى فواتير مياه وكهرباء بنحو 220 ألف شيكل.
وقل النمر: إضافة إلى الرديات الضريبية، طلبنا من الحكومة تعويضات، سواء عن الاستخدام وهو ما تعهدت به منذ البداية، أو الأضرار التي لحقت بالفنادق نتيجة سوء الاستخدام خلال فترة الحجْر.
أدوات تدخّل محدودة
مع ضعف إمكانيات الأجهزة الرسمية في تقديم حزم دعم وإنقاذ، كما الحكومات والسلطات النقدية في معظم دول العالم، فإن الأمل لقطاع السياحة، كما كان لغيره من القطاعات، هو العودة إلى العمل ولو تدريجياً، مع مطالب بسيطة تتمثل بصرف الرديات الضريبية للفنادق، والاستفادة من برنامج الإقراض الذي أعلنته سلطة النقد بـ300 مليون دولار، لتوفير سيولة لهذه المنشآت تمكنها من الصمود إلى حين عودتها إلى العمل بالطاقة الكاملة.
قبل أيام، التقت وزيرة السياحة رولا معايعة محافظ سلطة النقد عزام الشوا، وبحثا سبل تمكين الفنادق من الاستفادة من هذا البرنامج. وأمس، التقى الشوا ممثلي القطاع في بيت لحم لنفس الغاية، وقبل ذلك، قررت الحكومة صرف 50% من 18 مليون شيكل هي إجمالي الرديات الضريبية المستحقة للمنشآت السياحية على الحكومة، لكن حتى الآن لم ينفذ شيء من كل ذلك.
وقال العرجا: لجأنا إلى البنوك وتجاوبت، لكن بفوائد عالية نسبياً، ما يشكل عبئاً لا طاقة للفنادق عليه في هذه الظروف. نرحب بإطلاق سلطة النقد برنامج إقراض بشروط ميسرة، لكنه لم يطبق بعد. نأمل أن يبدأ تطبيقه وأن يتاح للفنادق وباقي المنشآت السياحية الاستفادة منه في اجتماعنا مع محافظ سلطة النقد.
بانتظار قرار حكومي لعودة جزئية للعمل
وزارة السياحة تقدمت مؤخراً لمجلس الوزراء بخطة لإعادة تشغيل الفنادق، وقبل يومين تلقت إدارات الفنادق رسالة من وزيرة الصحة مي كيلة، تتضمن 14 شرطاً يجب الوفاء بها تمهيداً لإعادة تشغيلها منتصف حزيران الجاري كتاريخ مستهدف.
وقال العرجا: نحن بانتظار قرار الحكومة بهذا الخصوص. على الأقل فتح الفنادق لاستقبال السياحة المحلية ومن داخل الخط الأخضر. هذا يمكن أن يعوض 20% من الحجوزات المفقودة، ورغم ضآلة هذه النسبة، إلا أنها يمكن أن تساعد كثيراً من الفنادق على الصمود وتجنب الإفلاس.
وأضاف: صحيح أننا في بيت لحم، على سبيل المثال، لا نتوقع الاستفادة كثيراً من هكذا خطوة، لاعتماد فنادقها ومنشآتها وأسواقها على السياحة الدينية وهي في غالبيتها من الخارج، إلا أن مدناً أخرى ستستفيد منها بشكل واضح، كأريحا ورام الله، ومدن أخرى ولو بوتيرة أقل، حيث آفاق السياحة الخارجية أمام الفلسطينيين مغلقة بسبب إغلاق الحدود وتوقف حركة الطيران، وستشكل السياحة الداخلية متنفساً لهم.
ويأمل المستثمرون في هذا القطاع استمرار إجراءات الدول في تخفيف القيود على الحركة، واستئناف حركة الطيران قبل حلول موعد أعياد الميلاد.
وتابع العرجا: "ألغيت الحجوزات حتى شهر آب تقريباً، لكن ما زالت الحجوزات لأشهر أيلول وتشرين الأول والثاني وكانون الأول قائمة، وهي حجوزات عالية. نأمل أن تستمر الأمور في التحسن ونعود لاستقبال السياح في الأشهر الأخيرة من هذا العام".
وقال قمصية: قدمنا دراسة متكاملة لمجلس الوزراء لاستعادة نشاط الفنادق، ونحن كوزارة وقطاع خاص جاهزون للعودة إلى العمل فوراً. نحن بانتظار الضوء الأخضر من وزارة الصحة.
وأضاف: حصلنا على بروتوكولات منظمتي الصحة العالمية والسياحة العالمية، تتضمن الإجراءات الخاصة بإعادة عمل الفنادق، وبدأنا بتدريب العاملين في هذا القطاع وفقاً لهذه البروتوكولات. نظام السياحة في كل دول العالم سيتغير من حيث التعامل والإجراءات.
وتابع: إن وزارة السياحة أنجزت تقريراً حول الخسائر يغطي الفترة من شهر آذار حتى نهاية العام 2020، لكنه لم يعتمد بعد من الجهاز المركزي للإحصاء.
وفي حال قررت الحكومة إعادة فتح الفنادق، يتوقع قمصية استعادة 20% من نشاطها فيما تبقى من العام، وقال: "قطاع السياحة قطاع منكوب، واستعادته لنشاطه تحتاج إلى فترة طويلة، وليس في يوم وليلة. نعوّل كثيراً على السياحة الداخلية ومن داخل الخط الأخضر".
وأضاف: نعمل على مساعدة هذا القطاع في الحصول على منح وقروض، لكن الأهم من كل ذلك صرف الرديات الضريبية المستحقة لهذه المنشآت وتعويضها عن استخدامها كمراكز حجْر، بما في ذلك عن الأضرار التي لحقت بها. هناك قرار أصدره مجلس الوزراء قبل عيد الفطر بصرف 50% من الرديات الضريبية، لكن لم ينفذ حتى الآن، ونأمل أن تصرف هذه المبالغ سريعاً، كما طلبنا إعفاء المنشآت السياحية من رسوم الترخيص السنوية، وترحيل التراخيص التي دفعتها بعض المنشآت بداية العام إلى العام 2021.
إعادة جدولة القروض
لمواجهة تنامي الطلب على الخدمات السياحية في السنوات الأخيرة، لجأ العديد من الشركات العاملة في هذا القطاع، كالفنادق وشركات الحافلات ومكاتب السياحة، للاقتراض من البنوك لتمويل عمليات التوسع، ومع توقفها عن العمل بسبب الجائحة تعثرت، سواء بعدم قدرتها على سداد أقساط القروض أو الوفاء بالشيكات الصادرة عنها، وقال قمصية: "بحثنا هذا الموضوع مع سلطة النقد، وتوصلنا إلى اتفاق بإعفاء هذه المنشآت من النقاط على نظام التصنيف، وإعادة جدولة القروض.
وأضاف قمصية: إن وزارة السياحة وسلطة النقد اتفقتا على تخصيص حصة كبيرة من برنامج الإقراض الذي أطلقته سلطة النقد، بنسب فائدة بسيطة، لتوفير السيولة اللازمة لها للإنفاق على أنشطتها التشغيلية، ريثما يعود هذا القطاع إلى العمل بطاقته الكاملة، كما زودنا وزارة التنمية الاجتماعية بقوائم للعاملين في هذا القطاع الذين انقطعوا عن أعمالهم بسبب الجائحة. وفي النتيجة، شكل العاملون في هذا القطاع 21% من إجمالي الدفعة الأولى من متلقي المساعدات من صندوق "وقفة عز" عبر وزارة التنمية الاجتماعية.