سلفيت-وفا– علا موقدي- باتت معظم المشاريع النسوية الصغيرة القائمة في فلسطين، أمام تحد كبير يهدد استمرارها في ظل انتشار فيروس "كورونا"، خاصة مع سريان الحجر المنزلي ووقف الحركة اليومية بشكل شبه كامل، وكل مظاهر الحياة العادية.
لكن إجراءات الحكومة وتدابيرها الاحترازية لمنع التفشي وانتقال العدوى ضرورية جدا في التصدي لهذا الوباء، على اعتبار ان الوقاية هي العلاج خاصة في ظل الإمكانات الطبية والصحية المحدودة.
منذ سنوات خلقت ربات بيوت فرص عمل من داخل منازلهن، فاعتمدن على الأراضي للزراعة وتسويق ما تنتجه الأرض، وعلى المطابخ البيتية لطهي الطعام المنزلي وبيعه بأسعار مناسبة للجميع، ولكن مع المتغيرات الطارئة حدث ما لم يكن بالحسبان.
المواطنة سلام عودة (53 عاما) من مدينة سلفيت، تحب طهي الطعام وإعداد الخبز البلدي، ووجدت منه مصدر رزق لها ولعائلتها المكونة من 4 أفراد، بدأت العمل في فرن صغير بجانب بيتها، وبدأت بترميمه لانتاج كميات أكبر، حيث كان من المفترض افتتاحه خلال شهر نيسان الجاري.
"12 عاما وأنا اعتاش من الفرن لتأمين مصاريف المنزل وتربية الأبناء بعد وفاة زوجي كان مصدر رزقي الدائم والوحيد" قالت عودة لـ"وفا".
وأضافت: يعتمد عملي على النساء الموظفات، والمناسبات الاجتماعية، والعزائم الكبيرة، والعمال في المنطقة، كنت أخبز في اليوم ما يقارب 350 رغيفا من الخبز، والتواصي على الطبيخ لم تنقطع يوماً، لكن أزمة كورونا قلصت الطلبيات كثيرا.
وبينت: في اليوم الأول من الحجر كان الطلب على 100 رغيف من الخبز، أما اليوم فلا يصل العدد إلى 50، وقبل كورونا كان يوم الجمعة يشهد تزايدا على الأكلات الشعبية الفلسطينية، في الصباح كمناقيش الزعتر والجبنة، ووقت الغداء المسخن، والمفتول، وورق العنب، والفوارغ، والقدرة، والمنسف، وبمساعدة ابنائي كنت أعد المخللات وكذلك كعك العيد.
والمواطنة عودة واحدة من مئات النساء اللواتي تأثرت مشاريعهن بشكل كبير، معظم النساء يعملن في بيوتهن، ويتفنن في انتاج الحلويات والخبز، والتطريز وصناعة رب البندورة، والعكوب والفول.
مدير وحدة النوع الاجتماعي في محافظة سلفيت ميسون ماضي قالت لـ"وفا": هناك سيدات صاحبات مشاريع صغيرة أنشِئت عن طريق القروض والمنح وبعضها تابع لجمعيات، فالمردود المادي منها بسيط، وهناك من يقمن بإعالة أُسر بأكملها، فوقف الانتاج فيها تسبب في خلق أزمة فعلية لهم، ويعود بسلبية عالية لمن يعتمد على هذه المشاريع وحدها.
وتابعت، بالرغم من أن كل الناس يعيشون القلق والخوف في كل العالم، إلا أنه قد ينعكس على المجتمع الفلسطيني بخصوصية وصعوبة قد تكون أكبر من باقي المجتمعات، لأن المرأة الفلسطينية جزء من المجتمع فهي دائماً الأكثر تأثرا بالظروف السلبية فيه، فالأسر التي تعيلها النساء هي الأكثر فقرا في المجتمع الفلسطيني.
وأضافت ان الضرر يتضاعف على النساء في سلفيت على وجه الخصوص، لكونها محاطة بـ24 مستوطنة والعديد من البؤر الاستيطانية والأراضي المستولى عليها لصالح طرق التفافية ولذرائع عسكرية، وهو ما قلل مساحة الأراضي وحرم النساء من استغلال مساحة أكبر للزراعة والعيش من الأرض ومنتجاتها.
من جهتها، قالت رئيسة مجلس إدارة منتدى سيدات الأعمال سميرة حليلة: إن 98% من المشاريع الريادية توقفت، ووضعت النساء الرياديات في مأزق حقيقي، خاصة النساء التي تعيل الأسرة بأكملها.
وذكرت أن ابرز الصعوبات التي تواجه المرأة الريادية الفلسطينية اليوم هي طريقة توصيل البضاعة بين المحافظات وصعوبة التنقل وجلب المواد الخام.
وبينت أن كل المشاريع الريادية تأثرت بشكل كبير بفعل الوباء العالمي، الا أن مشاريع الكماليات كالأثواب المطرزة توقفت بشكل كامل نتيجة اهتمام الناس بالمواد الأساسية والغذائية فقط، كما تأثرت المطابخ النسائية البيتية نتيجة توقف عمل المؤسسات، وبالتالي توقف الطلب على الغذاء والحلويات.
وأضافت ان كل شيء مترابط مع بعضه البعض، حتى قطاع السياحة الداخلية والخارجية أثر على هذه المشاريع، فالخوف لدى الأشخاص من شراء سلعة ما، ومن مكان تصنيعها، وايصالها، وتوقف السياحة الخارجية أثر على المطرزات والصناعات اليدوية.
ونوهت إلى أن العديد من المعارض الاقتصادية توقف مثل: معرض "من عنا كل شيء غير"، ومعرض "العروس"، وعدد آخر من المعارض التي كانت مقرر هذه الأشهر.
وقالت: نأمل أن تأتي فترة التعافي وتعود عجلة الاقتصاد بأسرع وقت، مع وجود خطة حكومية تعطي النساء الرياديات حقهن ضمن خطة استراتيجية بعيدة المدى بمساعدة القطاع الخاص واللجان المشتركة.
وتُشير دراسة جديدة اعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" ووكالات الأمم المتحدة الشريكة، أن المنطقة العربية ستخسر نتيجة انتشار "كورونا المستجد" حوالي 1.7 مليون وظيفة على الأقل، من بينها 700 ألف وظيفة تشغلها نساء، ومن المتوقع أن يطال الفقر مزيدا من النساء في هذه المناطق، ما سيؤثر بشدة على الأسر التي تعيلها النساء، ومن المتوقع أن تؤثر الجائحة على قطاعي التصنيع والخدمات، وهناك نسبة كبيرة من النساء يعملن في هذين القطاعين.