لوكسمبورغ-بيل ترو-الإندبندنت-تبدو المعركة الدائرة حول ملصقات قناني النبيذ داخل أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي على بعد سنين ضوئية من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني طويل الأمد وغير مرتبطة به. لكن يوم الثلاثاء المقبل يتوقع أن تصدر المحكمة العليا في لوكسمبورغ قراراً يمكن أن تنتج عنه تبعات مهمّة بالنسبة لهذه المنطقة.
ففي قلب المعركة القضائية، مصنع متوسط الحجم للنبيذ، بالإضافة إلى كروم العنب الملحقة به وهو يقع على رأس تلّة داخل مستوطنة إسرائيلية تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، كما أنه بُني على أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية المحتلّة. ويحاول مصنع "بساغوت" للنبيذ بشتّى الطرق أن يبطل العمل بقانون الاتحاد الأوروبي، الذي أقرّ في العام 2015، وهو يقضي بإلزام الدول الأعضاء أن تدمغ السلع القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتحدّد مصدرها، فتميّزها عن تلك المصنوعة داخل إسرائيل.
وفي مقابلة مع "الإندبندنت"، زعم مالك "بساغوت" الإسرائيلي الثري، يعقوب بيرغ، الذي انتقل إلى الضفة الغربية قادماً من روسيا حين كان يبلغ 3 سنوات من العمر، أنّ قوانين الاتحاد الأوروبي تميّز بحق إسرائيل، وتحرّكها السياسة، كما أنّها مصمّمة للتشجيع على مقاطعة منتجاته، وبالتالي على مقاطعة البلد بأكمله، على الرغم من عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة بالمستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية كجزء من إسرائيل.
وكشفت "الإندبندنت" أنّ الجهة التي تموّل مصنع النبيذ وحتى تملكه جزئياً هي عائلة فاليك، التي يعدّ أفرادها من كبار تجّار المناطق الحرةّ في الولايات المتحدة وكبار المساهمين في شركة بانامانيان.
من جهة أخرى، نشر موقع "المونيتور" أنّ مصنع النبيذ (أو على الأرجح عائلة فاليك) فوّض شركة كوفينغتون وبورلينغ، وهي من أكبر مكاتب المحاماة في الولايات المتحدة التي غالباً ما ينضم إليها مسؤولون حكوميون سابقون، أن تتولّى إدارة هذه المعركة القضائية وتسدي "النصيحة الإستراتيجية وتتولى التعاملات الإستراتيجية" حول وقع القوانين المقترحة.
وقال أحد المناصرين الرئيسيين العاملين في القضية، السفير الأميركي السابق لدى الاتحاد الأوروبي، ستيوارت آيزنشتات، للموقع الإخباري: إن الشركة تنوي المباشرة بخوض المعركة على أعلى المستويات: أي أن تروّج في أوساط واضعي السياسات الأميركيين لفكرة أنّ القوانين الحالية تخالف قوانين منظمة التجارة العالمية. وإذا ما استطاعوا أن يثبتوا هذا الأمر، لن يكون أمام أعلى محكمة في أوروبا سوى التراجع.
وأوضح آيزنشتات في "المونيتور": "لا أستطيع أن أخوض في تفاصيل الإستراتيجية القانونية، لكن يمكنني أن أقول: إننا نعتقد أن القانون يخالف متطلبات منظمة التجارة العالمية، أي قوانين الحواجز التقنية التي تعيق التجارة". وأضاف: "هذا ليس توظيفاً ملائماً للقوانين التي صمّمت لتنظّم سلامة وصحة المنتجات الغذائية وليس السياسية".
للوهلة الأولى، لا تبدو التفاصيل المكتوبة على غلاف قنينة نبيذ ذات أهمية خاصة. لكنّها مهمّة على ما يبدو بالنسبة لأشخاص مثل عائلة فاليك، التي استثمرت مليون دولار أميركي في مصنع النبيذ، ويرجّح أنها تدفع ثمن المعركة القضائية المكلفة.
برأي العاملين في مجال حقوق الإنسان بإسرائيل والباحثين في شؤون المستوطنات، تشكّل المعركة على دمغ قناني النبيذ فعلياً جزءاً من رواية أكبر بكثير عن انهيار حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
ويقولون: إنه كلّما جرى "تطبيع" المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية واعتبارها جزءاً من إسرائيل، ستزيد صعوبة تشكيل دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وفقاً لدرور إيتكس، الباحث الإسرائيلي الذي قضى العقدين الأخيرين في مراقبة الشركة الاستيطانية الإسرائيلية ورئيس منظمة الرصد "كيريم نافوت"، إذا أبطلت المحكمة شرط دمغ المنتجات سيعني ذلك أنّ الاتحاد الأوروبي يعطي إسرائيل الضوء الأخضر "كي تسرق وتنهب أراضي الضفة الغربية".
ودون مواربة قال لـ "الإندبندنت": "هذا تطبيع للمستوطنات. من المهم أن يعود للناس أن يقرروا شراء السلع التي ينتجها هؤلاء المجرمون أو عدمه".
حتى الآن، ليس واضحاً إن كان قرار مصنع النبيذ بتوكيل كبار المحامين الأميركيين سيغيّر أي شيء.
فقد أعرب المحامي العام لدى المحكمة الأوروبية، جيرار هوغان، بحزم عن رأيه في القضية قبل صدور الحكم النهائي، وأوصى بأن يتمسّك الاتحاد الأوروبي بالقانون، معتبراً أنّ المستوطنات "انتهاك واضح للقانون الدولي".
وبعد تحقيق أجرته "الإندبندنت" حول مصنع النبيذ، أكّد مسؤولون إسرائيليون أنّ قسماً من كروم مصنع بساغوت للنبيذ ومنزل آل بيرغ وحوض سباحتهم تقع كلّها على أراضٍ فلسطينية خاصة تبعد 15 دقيقة بالسيارة فقط عن مدينة القدس، وهي غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
وفي العام 2003، أصدر الإسرائيليون أنفسهم أمراً بهدم منزل بيرغ (رقمه 03/252) مع أنّ هذا الأمر لم ينفّذ بعَد.
وجرى التأكيد على صحّة هذه التفاصيل عبر سجّلات وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (كوغات) وهي الوحدة الأمنية الإسرائيلية التي تشرف على القضايا المدنية بين إسرائيل والفلسطينيين.
لكن كل ما تقدّم لم يؤثر في قدرة مصنع النبيذ على العمل والتصدير. وفي هذه الأثناء يحاجج بيرغ بأنّ قوانين الوسم والتغليف الأوروبية متحيّزة وتمييزية.
هل يمكن أن يشكّل توكيل مكتب محاماة مثل "كوفينغتون وبورلينغ" نقطة تحوّل لجهة إقناع أوروبا؟ ستظهر الإجابة لاحقاً. فعائلة فاليك من أكبر المتبرّعين لحملات بنيامين نتنياهو الانتخابية السابقة، وهي واسعة النفوذ ومن غير المتوقّع أن تتراجع.
وفقاً لموقع "المونيتور"، تبرّع الإخوة الثلاثة بمبلغ 20 ألف دولار أميركي للجنة الجمهورية الوطنية يوم الانتخابات في العام 2016. وأضاف الموقع: إنّ العائلة ستعقد مباراتها الخيرية السنوية في لعبة الغولف خلال شباط من العام المقبل على ملعب دونالد ترامب في ولاية فلوريدا للعام الثالث على التوالي. وتشكّل كل هذه الأمور ضغطاً كبيراً، ولكننا سنرى كيف تنتهي القضية.
Publishing Date