رام الله-أخبار المال والأعمال-كشف رئيس هيئة الشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ، اليوم الاثنين، عن أن الجانب الإسرائيلي تعهد بترتيب اجتماع ثنائي برعاية فرنسية لمراجعة بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يحكم العلاقة الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، واصفاً ذلك بـ"الخطوة في الاتجاه الصحيح لتثبيت مطالبنا"، وبـ "الإنجاز العظيم للشعب الفلسطيني".
وخلال لقاء نظمته غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة في مقرها برام الله، بحضور الهيئة الإدارية للغرفة، وممثلين عن القطاع الخاص وتجار، قال الشيخ: إن الجانب الإسرائيلي في الاجتماع الأخير وافق على تفعيل اللجان الفنية، وبدأت لجان خاصة بالكهرباء والصحة والديون المستحقة على الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، عملها يوم أمس الأحد، موضحاً أن تعطيل عمل اللجان الفنية منذ عام 2000 كان هو الطريق للقرصنة والسرقة غير المشروعة من جانب الحكومة الإسرائيلية لأموال الشعب الفلسطيني، ومحصلة ما تم قرصنته ملايين الدولارات.
وأضاف: "في قضية ضريبة المعابر لوحدها وفي حسبة أولية، يترتب مستحقات لنا لدى الحكومة الإسرائيلية أكثر من 500 مليون شيقل...هذا سلوك عصابات وليس سلوك دول توقّع اتفاقيات".
وكشف الشيخ أن وزير المالية الإسرائيلي (موشيه كحلون) اعترف في اجتماع رسمي بوجود فساد وسرقة من أموال السلطة في موضوع التحويلات الطبية إلى إسرائيل.
وقال: "مريض يرقد 460 يوماً مع مرافقين في مستشفى، وتصدر له فاتورة بـ10 مليون شيقل؟ هذه سرقة. لذلك أوقفنا التحويلات الطبية إلى إسرائيل، وليس بهدف معاقبة الناس".
ووفقاً لبروتوكول باريس الاقتصادي الذي وقّع في 29 نيسان 1994، ينص البند الثاني في الاتفاق على تشكيل الجانبين لجنة اقتصادية فلسطينية- إسرائيلية مشتركة، لمتابعة تنفيذ هذا البروتوكول ومعالجة المشاكل المتعلقة به، والتي قد تبرز من وقت لآخر، ويمكن لكل جانب أن يطالب بمراجعة أي مسألة تتعلق بالاتفاق عن طريق اللجنة.
وقال الشيخ: "بناءً على موافقة الجانب الإسرائيلي على تفعيل اللجان الفنية، وافقنا على استلام 1.5 مليار شيقل من أموالنا، وتم تحويلها يوم الأحد لخزينة الدولة"، مؤكداً أن تفعيل اللجان الفنية "أهم بكثير بالنسبة لنّا من الأموال التي تم تحويلها، لأنها تساعدنا على وقف نزيف القرصنة والسرقة المستمر لأموالنا".
وتابع: "هذه الأموال ليست منحة أو هبة...هذه أموال الشعب الفلسطيني التي تحتجزها إسرائيل وتقرصنها".
وبحسب الشيخ، تجبي إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينية، وتحوّلها للجانب الفلسطيني بعد أن تخصم ما نسبته 3% كبدل جباية، إلى جانب خصم مبالغ تتعلق بالتحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية، ومستحقات الكهرباء والمياه.
وتتراوح قيمة المقاصة الشهرية من 500 إلى 700 مليون شيقل، تخصم منها إسرائيل نحو 200 مليون شيقل، وترسل رسالة لوزارة المالية الفلسطينية بقيمة الخصومات دون توفير أي كشوفات دقيقة حول آلية الخصومات.
وأضاف: "خصم واقتطاع نحو 41 مليون شيقل شهريا، أي ما قدّره الجانب الإسرائيلي من قيمة ما نصرفه من رواتب لأسر الشهداء والأسرى، كان الشعرة التي قسمت ظهر البعير، واتخذت القيادة الفلسطينية قرارا بعدم استلام المقاصة منقوصة، لأنها قرصنة وسرقة".
وأوضح الشيخ، "معركتنا مع الإسرائيليين لم تبدأ من الاقتطاعات الخاصة برواتب الأسرى وأسر الشهداء"، لافتاً إلى أنه "منذ عام، بدأنا بشكل مكثف بمطالب جدية للجانب الإسرائيلي وجهات إقليمية ودولية، لإعادة النظر في اتفاق باريس الاقتصادي، التزاما بقرار القيادة السياسية الفلسطينية بإعادة النظر في كل الاتفاقيات الموقعة بيننا وبين الجانب الإسرائيلي".
وتابع: "هذه الاتفاقيات لم تعد قائمة أساسا من طرف واحد هو الحكومة الإسرائيلية، ومنذ عام 2000 تقريباً داست إسرائيل كل الاتفاقيات تحت جنازير الدبابات. لم يعد هناك اتفاق سياسي أو اقتصادي قائم".
ولفت الشيخ إلى أن الجانب الفلسطيني تواصل منذ سنوات مع جهات عديدة في مقدمتهم الفرنسيون، الذين كانوا رعاة لاتفاق باريس"، مشيراً إلى أن فرنسا رحبت باستضافة حوار ثنائي بيننا وبين الإسرائيليين لإعادة النظر بمجمل الاتفاق، ولكن الإسرائيليين أبدوا استعدادهم للنظر في بعض ملحقات الاتفاق، ولكننا رفضنا ذلك.
وقال: "كل الاتفاق بحاجة لإعادة نظر، لا يعقل اتفاق عمره نحو 25 عاما ما زال صالحاً إلى يومنا هذا، وهناك تطورات سياسية واقتصادية على المستوى الثنائي والاقليمي والدولي، ولكن كان هناك إصرار إسرائيلي بعدم فتح بروتكول باريس، لأن إسرائيل تريد أن تأخذ الأمور إلى ما يخدم سياساتها الاقتصادية في هذا الموضوع، وأن تتناول بعض الجزئيات أو الملحقات في اتفاق باريس التي تكرس وتعزز هيمنتها على الحالة الاقتصادية الفلسطينية، التي هي امتداد للهيمنة العسكرية الإسرائيلية على الأرض سياسيا".
وأضاف الشيخ: "المسألة ليست اقتصادية فقط، إسرائيل تريد أن تكرّس وتعزّز وجودها واحتلالها للأبد على الأرض الفلسطينية، من خلال مسارات مختلفة من ضمنها المسار الاقتصادي".
وأكد الشيخ أن القيادة الفلسطينية رفضت استلام أموال المقاصة ابتداءً من شهر شباط الماضي، إلا إذا وافقت الحكومة الإسرائيلية من حيث المبدأ على البدء بفتح اتفاق باريس الاقتصادي وفي المقدمة إعادة إحياء اللجان الفنية المعطلة منذ عام 2000، قائلاً: "المفتاح والسر في وقف القرصنة والسرقة هو تفعيل اللجان الفنية".
وقال: "بالحوار الأخير الذي تم بيننا وبين الطرف الإسرائيلي، كان لدينا إصرار بموقفنا، رواتب الأسرى وأسر الشهداء ستدفع مهما كان الثمن، وبدون تفعيل اللجان الفنية بيننا وبين الإسرائيليين، لن نستلم أموال المقاصة حتى لو أدى ذلك لانهيار السلطة وهذا كان خيارا واردا، أن تعصف هذه الأزمة المالية بالنظام السياسي الفلسطيني".
وأضاف: "الجانب الإسرائيلي عرف تماما أن المعركة تعصف بكل ما هو قائم، ولن تتوقف عند رفض استلام المقاصة، بل ستنتقل إلى موضوع آخر ربما يعصف بكل الحالة الموجودة في العلاقات بيننا وبينه، فأخذ خطوة أو خطوتين للوراء يجب أن نبني عليها".
وتابع الشيخ: "نحن لسنا مغامرين أو مقامرين في قضيتنا، وليس هدفنا تجويع شعبنا، ولكن إذا كانت الأموال مقابل الكرامة الوطنية الفلسطينية فنحن نرفض ذلك".
وأشار إلى أن احتجاز الاحتلال لأكثر من مليار دولار من مستحقات شعبنا، أثّر على الوضع الاقتصادي الفلسطيني، موجهاً التحية للقطاع العام في السلطة الفلسطينية الذي تحمل قرابة الثمانية أشهر من الأزمة، والقطاع الخاص الذي تضرر كثيراً، وكافة أبناء شعبنا.
ولفت الشيخ إلى أن القيادة الفلسطينية مدعومة بالمساندة والالتفاف الشعبي، خاضت المعركة لوحدها، حيث ترافق مع القرصنة الإسرائيلية لأموالنا، قطع الولايات المتحدة لكل المساعدات عن السلطة والتي تصل إلى 844 مليون دولار سنوياً، إلى جانب عدم تفعيل شبكة الأمان العربية وقيمتها 100 مليون دولار شهرياً بناءً على الوعود التي تلقيناها في القمة العربية، موضحاً أن المملكة العربية السعودية وحدها التزمت وما زالت في دعم شهري لميزانية السلطة الفلسطينية، إلى جانب حصولنا على منحة وقرض من دولة قطر.
وقال: "حرب على كل الأوجه مفتوحة على السلطة الفلسطينية والسبب واحد: تركيعها سياسيا لتقبل بالعرض الأميركي الذي يسمى "صفقة القرن".
وأكد الشيخ أن القيادة الفلسطينية لم تتراجع أو تتنازل عن موقفها كما يشاع، وقال: "نحن إذا تطلب الأمر أن نأخذ خطوة مدركين تماما أن وراءها هدف وطني كبير، نأخذها ونحن مقتنعين أن شعبنا سيساند القيادة السياسية، وبناءً عليه أخذنا خطوة ربما يبنى عليها الكثير وهي استلام 1.5 مليار شيكل يوم أمس وحولت للخزينة".
وأضاف: "الاختبار الجدّي خلال الأيام والأسابيع القادمة، هو ما جرى يوم أمس في اللجان الفنية. لم نتراجع عن القضية أبداً، صرفنا للأسرى وأسر الشهداء ونحن لا نملك أموالا، في اللحظة التي كان يخصم على الموظفين 40% و50%، الوحيدون الذين لم يخصم عليهم هم أسر الشهداء والأسرى، لأنهم تاريخنا، وهم ماضي وحاضر ومستقبل هذه القضية".
وتابع: "الاحتلال أراد أن يحاكم تاريخنا، لا أن يأخذ منّا 41 مليون شيقل بالحسبة الرقمية بيني وبينه لا تعني شيء، ولكن البعد المعنوي والسياسي هو الذي حتّم على القيادة عدم استلام المقاصة إلا في حالة إعادة النظر في كل الخصومات بيني وبين الحكومة الإسرائيلية".
وحول مسألة استيراد البترول من الخارج، أكد الشيخ أن الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي لا تمنعنا من استيراد البترول من الخارج، ولكن وفقاً لمواصفات معينة، إلا أن الجانب الإسرائيلي يمنعنا من ذلك، مبيناً أن السلطة الفلسطينية عرضت عليه تجهيز البنية التحتية اللازمة لاستيراد البترول على المعابر.
ولفت إلى أن الاحتلال وبعد ضغوط مورست عليه، وافق قبل شهرين على توريد البترول للسوق الفلسطيني من دون ضريبة (البلو)، وبالتالي سنقوم نحن بجبايتها، موضحاً أن إسرائيل كانت تجبي نحو 240 مليون شيقل شهريا من ضريبة "البلو" المستحقة للسلطة الفلسطينية بحجة منع التهريب، وتقوم بتحويلها بعد 50 يوماً بعد أن تخصم منها 3%.
وقال الشيخ: "إن المعركة لم تنته بيننا وبين الاحتلال، ولكن مقتنع تماما أننا سننتصر في هذه المعركة، لديّ ثقة مطلقة"، مؤكداً أن القيادة الفلسطينية "لم ولن تخون ولا تبيع ولن تقبل في لحظة من اللحظات أن تكون قيادة مساومة على ثوابت ومصالح شعبنا الفلسطيني".
ودعا الشيخ القطاع الخاص الفلسطيني والتجار إلى التفاؤل بالمستقبل. وخاطبهم قائلاً: "أرجو أن لا تقبل آذانكم كل من يبث التشاؤم والخوف لديكم، انتم من يحمي البلد باستثماركم، هذه بلدنا، نريد أن نستثمر فيها ونبنيها، هذه ليست المعركة الأولى ولن تكون الأخيرة مع الإسرائيليين، نحن نتحداه في أبواب ومسارب كثيرة منها الجهد والتضحية الكبيرة التي تقدمونها".