القاهرة (رويترز) -يقول خبراء اقتصاديون إنه مع استمرار السجال حول المستقبل السياسي للسودان، يواجه اقتصاد البلاد خطر الانزلاق في مزيد من الفوضى، ولا يُتوقع من تعهدات المساعدات الخليجية إلا أن تقدم إغاثة قصيرة الأجل.
وقال مصرفيون ومسؤولون آخرون لرويترز إن الاحتجاجات الحاشدة التي دفعت الجيش للإطاحة بالرئيس عمر البشير الشهر الماضي قلصت أنشطة الأعمال، في الوقت الذي يحتاج فيه السودان إلى موارد عاجلة لسداد ثمن القمح والوقود والدواء.
وبعد مرور نحو أربعة أسابيع على رحيل البشير، يخوض قادة الجيش محادثات مع فصائل المعارضة ومجموعات المحتجين بخصوص كيفية قيادة البلاد في عهدها الجديد.
ومع استمرارهم في المحادثات، تقول البنوك إنها لا تزال تفتقر للنقد الأجنبي اللازم لسداد التزامات وشيكة، في حين يبحث المزارعون عن إمدادات لموسم الزراعة الصيفي الذي يبدأ في غضون أسابيع.
يقول إبراهيم البدوي، وهو خبير اقتصادي سوداني وموظف سابق في البنك الدولي بالقاهرة، إنه بدون إحراز تقدم سريع على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ”ستنهار الثقة العامة، وستستمر أزمة النظام المصرفي، بل وربما يتفاقم الانهيار الاقتصادي“.
وأشار البدوي وخبراء اقتصاديون آخرون إلى أن تعهد السعودية والإمارات العربية المتحدة الشهر الماضي بتقديم مساعدات قيمتها ثلاثة مليارات دولار لن يتيح سوى متنفس قصير الأمد.
ويشمل الدعم السعودي والإماراتي وديعة بقيمة 500 مليون دولار في بنك السودان المركزي، بينما يتجه الباقي لفاتورة الوقود والقمح والدواء.
وقال مصرفي سوداني في الخرطوم إن الإمارات هي الوحيدة التي أرسلت أموالا للسودان حتى الآن، حيث أودعت 250 مليون دولار في البنك المركزي. وقدر المصرفي بأن ذلك سيغطي الاحتياجات الأساسية لشهر أو شهرين.
وذكر البدوي أنه حتى لو جاءت بقية الأموال الخليجية، ودخل خزائن الدولة ما تردد عن استعادته من ذهب ونقود بمئات الملايين من الدولارات في منازل مسؤولين سابقين، فإن ذلك لن يدعم الاقتصاد لفترة أطول كثيرا.
”أكثر صعوبة“
ستواجه أي حكومة جديدة تتمخض عنها المحادثات بين الجيش وفصائل المعارضة نفس المشكلات التي أطاحت بالبشير، من الدعم الحكومي الذي لا يمكن تحمله إلى نقص السيولة والوقود، بينما ستضطر للتعامل مع تطلعات الشعب الكبيرة.
في غضون ذلك، واصل المواطنون الوقوف في طوابير للحصول على البنزين والنقود. كما تباطأت أنشطة الأعمال مع ترقب المديرين لوضوح اتجاه سياسة الاستيراد والنقد الأجنبي.
ولا يزال الاقتصاد يرزح أيضا تحت إرث البشير، حيث تم فرض عقوبات في البداية لدعمه مجموعات مسلحة ثم لاحقا بسبب الحملة التي شنها لسحق المتمردين في إقليم دافور بغرب البلاد.
ونظرا لأن السودان لا يزال مدرجا على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، وعليه متأخرات لصندوق النقد الدولي بنحو 1.3 مليار دولار، فإنه لن يستطيع اللجوء إلى الصندوق أو البنك الدولي لطلب الدعم. وتكافح البنوك السودانية لاستعادة علاقات المراسلة مع المصارف الأجنبية.
وقال المصرفي في الخرطوم إنهم يحتاجون الآن لبذل جهود للوفاء بالالتزامات. وأضاف ”إذا فقدوا الثقة، أو الاتصالات مع بنوك المراسلة الحالية، فسيصبح المضي قدما أكثر صعوبة“.
وقالت الولايات المتحدة إنها لن ترفع السودان من قائمة الإرهاب مادام العسكريون يتولون زمام السلطة.
وذكر محمد هارون أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة الخرطوم أن موسم الزراعة الرئيسي في السودان للمحاصيل المحلية ومحاصيل التصدير سيبدأ خلال أسابيع، وستكون هناك حاجة للإمدادات.
وأضاف ”هذه مشكلة يجب أن تتعامل معها الحكومة الجديدة سريعا“.
وقال المجلس العسكري في 28 أبريل نيسان إنه دبر الوقود وغيره من مستلزمات موسم الزراعة الصيفي، ويعمل على إمداد البنك المركزي بالأموال.
والإنفاق على شبكة الأمن الواسعة في السودان، العسكرية وشبه العسكرية، مرتفع أيضا.
ويقول البدوي، الذي يقدر أن الأمن والدعم معا يلتهمان ما يربو على 75 في المئة من الميزانية، إن الاستفادة من برنامج البنك الدولي لتفكيك المجموعات المسلحة سيتطلب تأييد الولايات المتحدة ومزيدا من الدعم المالي من الخليج.
لكن الكثير من المحتجين يقولون إنهم يرفضون المعونة الخليجية لما قد تمنحه من نفوذ لدول الخليج.
ويقول هارون ”ربما يكون الثمن باهظا مقابل المنح التي قد نحصل عليها من بعض الدول في المنطقة“.