رام الله-مجلة آفاق البيئة والتنمية-ميساء بشارات-يعاني أهالي عين قينيا (قضاء رام الله) من تلوث مياه النبع بمياه المجاري المكررة وغير المكررة، والتي تتدفق من محطتي تنقية ضاحيتي الطيرة والريحان؛ بينما تؤكد بلدية رام الله بأنه لا يوجد شيء من هذا القبيل. منذ ثلاثين عاما الأهالي القاطنون في محيط العين يعتمدون على مياه النبعة في الشرب والاستخدامات الأخرى، وعندما أُنشأت محطتا التنقية أصبحت المياه ملوثة بالمجاري والمياه المكررة وخسر الأهالي مصدراً مائياً مهماً لهم في حياتهم؛ فأصبحوا يشترون المياه المكلفة. كما أنهم يعانون من القارص ليلا ونهارا ولا يعرفون النوم، ولا يوجد أي مبيد حشرات يمكنهم من القضاء عليه. ويتساءل الأهالي: لماذا لا يتم الحفاظ على مياه نبعة عين قينيا، التي كانت تسقي أهالي رام الله والمنطقة قبل سنوات؟. مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تجولت في منطقة محطتي تنقية الريحان والطيرة، ووجدت ان المياه التي تخرج مباشرة من المحطتين مكررة وتنساب في الوادي، لكن على بعد كم واحد توجد المياه الملوثة السوداء ذات الرائحة الكريهة.
روائح كريهة ومياه عادمة تتدفق من حين لآخر في وادي عين قينيا الواقع بين حي الطيرة بمدينة رام الله وضاحية الريحان السكنية، ما شكّل مكرهة صحية في المنطقة الخضراء، بالرغم من تأكيدات بلدية رام الله أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل.
"ذبحتنا الريحة ذبح، وأكلنا القارص"، بهذه الكلمات اختصرت ام توفيق (٣٩عاما) معاناة عائلتها من مياه المجاري المتدفقة في وادي عين قينيا على بعد عشرة أمتار من الكرفان الذي تسكنه وعائلتها.
ويعاني أهالي العين من تلوث مياه النبع بمياه المجاري المكررة وغير المكررة، والتي تتدفق من محطتي تنقية الطيرة والريحان.
وتقول متحسرة: "قبل ثلاث سنوات شربت من مياه العين ولم أكن اعرف أنها ملوثة، والى الآن ما زلت أعاني من مرض في معدتي".
وتتابع أم توفيق: "منذ ثلاثين عاما ونحن نسكن هنا ونعتمد على مياه النبعة في الشرب والاستخدامات الأخرى، وعندما أُنشأت محطتي التنقية أصبحت المياه ملوثة بالمجاري والمياه المكررة وخسرنا مصدراً مائياً مهماً لنا في حياتنا، وأصبحنا نشتري المياه؛ حيث تكلفة كل تنك 50 شيقل".
وتوضح ام توفيق وهي تحمل صغيرها البالغ ثمانية أشهر في حضنها، وقد انتشرت على جسمه بعض الحبوب: "نعاني من القارص ليلا ونهارا لا نعرف النوم، ولا يوجد أي مبيد حشرات مكننا من القضاء عليه".
وتقول: "كان أهلنا يزورونا من الخليل واريحا ويستمتعون بالهواء والمناظر الخضراء، أما الآن فلا أحد يمكن أن يجلس ساعة واحدة بالمكان بسبب الرائحة والقارص".
وتضيف أنه مع كل نسمة هواء تفوح الرائحة وتزداد، كما ان صغارها في بعض الأوقات يغافلونها ويذهبون للعب بالمياه وهم يعلمون أنها ملوّثة.
وتتساءل الأم: "لماذا لا يتم الحفاظ على مياه نبعة عين قينيا، التي كانت تسقي أهالي رام الله والمنطقة قبل سنوات؟"
وتتابع: "سقاالله عالايام لما كنا نشرب منها، والله حرام يدمروها بمياه المجاري، كنا نشرب منها والمتنزهين يتسبحوا فيها ويعبوا مي، والآن انقتلت النبعة من مجاري الأحياء الراقية زي "الطيرة والريحان"".
من جهته، يؤكد سالم عبد الله النجادة (٤٧ عاما) على كلام أم توفيق، ويقول: "انتشر البعوض بشكل كبير والريحة السيئة تملأ المكان كل ليلة تقريباً، ومع العصر خاصة ومع كل هبة ريح وفي ظل الجو الحار لم يعد الأمر يطاق".
ويضيف النجادة الذي يعمل في تربية الأغنام بأن المياه التي كانوا يعتمدون عليها في ري المزروعات والشرب والاستخدامات المنزلية قد تلوثت، والآن أصبحت المياه تجلبُ من مكان آخر، وهذا ما أرهقهم ماديا وزاد عليهم الأعباء والتكاليف.
ويتابع النجادة وهو يرعى أغنامه بالقرب من الوادي وتحت ظل الأشجار: "قبل سنة تقريبا حدث نفوق لعشرة رؤوس من أغنامي بسبب شربها من مياه المجاري التي تختلط بمياه النبعة الجارية في الوادي بالقرب من سكني".
وتقدم النجادة بعدة شكاوي لبلدية رام الله ولكن لم تجد شكواه أي جواب؛ قائلا: "وعِدنا بحل المشكلة من قبل بلدية رام الله لكن لا حياة لمن تنادي"، مؤكدا أن مياه المجاري تأتي من محطتي التنقية في الطيرة والريحان.
ما السبب؟
قامت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" بعدة جولات لمحطتي تنقية الريحان والطيرة، ووجدت ان المياه التي تخرج مباشرة من المحطتين مكررة وتنساب في الوادي، لكن على بعد كم واحد توجد المياه الملوثة السوداء ذات الرائحة الكريهة.
ويقول المهندس المشرف على المحطتين مالك اشتية، ان هذا السواد والرائحة يأتيان نتيجة فيضان المحطة وهذا لا يحدث الا في ظروف استثنائية وعلى أشهر متباعدة.
ويضيف اشتية الذي يعمل في بلدية رام الله، وهو يراقب عمل محطة تنقية الطيرة، أن فيضان ساعة واحدة خلال ثلاثة أشهر يدمر العمل برمته، ويظهر جليّا على لون المياه في الواد كما يأخذ وقتا طويلا ليختفي، ما يجعل الناس يظنون ان مياه المجاري دائما غير مكررة وهذا غير صحيح.
ويوضح المهندس ان اثار الفيضان تبقى عالقة على جانب الواد بين الصخور، لكن المياه الخارجة من المحطة مكررة جيدا.
وطلب أهالي المنطقة المتضررون من مياه المجاري بأن تضع البلدية خطوطاً ناقلة كبيرة للمياه المكررة؛ بحيث تبعد عن المياه العذبة الخارجة من العين، ولا تختلط بها مع ضرورة تغطيتها خوفا من التلوث.
ويخسر رعاة الأغنام سنويا بعضا من حلالهم بسبب المياه الملوثة؛ ويقول كايد الخطيب الذي يسكن عين قينيا ان أغنامه ذهبت وشربت من مياه المجاري المكشوفة ما أفقده خمسة رؤوس منها قبل ستة أشهر.
ويضيف الخطيب: "جاءت البلدية وسلطة المياه والزراعة واطلعت على الوضع، مؤكدا ان ما حدث هو خلل في قطعة من قطع انابيب التكرير الخاصة بمحطة التنقية، ما تسبب في تسرب المياه العادمة الى مياه النبع ما أدى الى تلوثها، لكن البلدية سارعت في تدارك الخلل وتصليح العطل، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لم تتكرر القصة مرة أخرى.
ويشير الخطيب الى وجود أثر لترسب مياه المجاري على حواف الواد، متمنيًا أن لا يتكرر الخلل فيلحق بهم الخسائر المادية.
ويجد الخطيب عذرا لهذا الخلل، مشيرا ان العطل يوجد في كل مكان فالسيارة قد تتعطل فجأة والمحطة ليست استثناءً.
مكان المحطتان هو الأنسب
من جانبه، يشير مسؤول الصرف الصحي في بلدية رام الله، المهندس خالد غزال ان مكان المحطتين (الطيرة والريحان) هو أنسب وأفضل وأنجح مكان لهما، كما أن المحطتين مطابقتين للمواصفات العالمية، ومن أفضل أنواع محطات التنقية من ناحية التكنولوجيا، ومن لديه أية شكوى عليه التوجه بها الى البلدية للعمل على حلها.
ويقول غزال: "المياه تكذب الغطاس" وبإمكان أي شخص زيارة الموقع والتأكد من عدم وجود أي تلوث هناك، الناس فقط لا يريدون محطة تنقية بجانبهم، رغم أنها لا تشكل أي ضرر عليهم او على المياه الجوفية.
ويضيف انه يحق لهم قانونيا إخراج المياه المكررة الى الواد مباشرة، ولا يجوز استخدامها للشرب بتاتا.
ويوضح أن مياه المجاري بعد تجمعها في محطة التنقية، تُكرّر جيدا وبالطرق العلمية وحسب مواصفات سلطة البيئة الفلسطينية والمواصفات العالمية، ومن ثم تذهب مكررة الى الواد وهذا لا يشكل أي تلوث أو ضرر.
وينوه غزال الى أن الفحوصات الدورية التي يقومون بها للمياه المكررة، تثبت أن المياه معالجة بشكل جيد.
مؤكداً أنهم في بعض الأحيان يقومون بفحص المياه الخارجة من المحطة في ثلاثة مختبرات موثوقة ومعتمدة من أجل الشفافية على مدار العام.
وعودة للمهندس المشرف مالك اشتية؛ فقد أشار إلى أن الخلل وارد في كل نظام الكتروميكانيك، وفي حال حدوثه في كلا المحطتين يوجد طاقم من الفنيين والمهندسين يقومون بإصلاحه مباشرة وبأقرب فرصة ممكنة.
وينوه اشتية الى ان الخلل يحدث خلال فترات متباعدة، وأن محطة الطيرة تعمل بنظام الأغشية الحيوية MBR وتعالج يوميا 1600 متر مكعب من المياه المتدفقة من منطقة الطيرة والجدول والإرسال والمصايف ووسط البلد، وان سعة المحطة التصميمية ٢٠٠٠ متر مكعب، أي انها تستقبل أقل من سعتها، وتخدم ما يعادل 1800 شخص.
فيضان مياه المجاري يفاقم المشكلة
بدوره، يشير المهندس عبد الرؤوف أبو رحمة الذي يعمل في مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين إلى أن مياه المجاري الفائضة عن المحطة تذهب الى الواد فتختلط بمياه النبعة وتلوثها وتدمر البيئة من حولها، وقد حدث ذلك قبل خمسة شهور.
ويؤكد أبو رحمة ان تكرار الفيضان في مياه المجاري يؤدي الى تدمير البيئة وتشويهها وإلحاق الضرر الكبير بالمياه الجوفية.
ويوضح أبو رحمة أن المحطة لم تراعِ المواصفات العالمية لها عند انشائها، حيث من المفترض ان تستخدم الأنابيب البلاستيكية أو الاسمنتية المدفونة تحت الأرض خوفا من اختلاط مياه المجاري بالمياه الجوفية، لكنهم لم ينفذوا هذه الخطوط، وتركوا مياه المجاري تمر من الوادي ما سبب مكرهة صحية ولوّث الحياة البيئية هناك.
في السياق ذاته أيضا، يقول اشتية: "في بعض الأحيان يحدث فيضان في محطة الطيرة نتيجة عدم فصل مياه الامطار عن المجاري مما يزيد من منسوب المياه الداخلة الى المحطة، ويزيد الضغط على أنابيب مياه الصرف الصحي فيحدث فيضان".
ويشير الى ان بلدية رام الله تعمل حاليا على فصل مياه المجاري عن مياه الأمطار لضمان عدم تكرار فيضان المحطة.
بعض البلديات تفرغ تنكات النضح في المنطقة
ويقول مسؤول الصرف الصحي في البلدية خالد غزال ان مهمتهم هي الحدّ من التلوث قدر الإمكان وليس القضاء عليه، كما انه لا يوجد في العالم أي نظام كامل، وقال: "حيث وجِدَ الإنسان وجدت النفايات".
فيما يشير اشتية إلى أن بعض تنكات النضح من بلدتي بيرزيت وأبو قش اللتين لا يوجد فيهما شبكة صرف صحي، تقوم بإفراغ تنكات المجاري في منطقة المحطة، ولذلك يعتقد الناس ان التلوث يأتي من المحطة نفسها.
من المهم الإشارة إلى أن "مراسلة المجلة" وثّقت تنك نضح يفرغ محتوياته بالقرب من محطة الريحان وسط المساحات الخضراء.
وطالب اشتية بلدتي بيرزيت وأبو قش بعدم افراغ مجاريها في الواد، حيث أن هذه المياه العادمة أخطر بكثير على البيئة والصحة من المياه المعالجة او المكررة. ويملك اشتية نتائج فحوصات دورية للمياه المكررة توضح نسبة التلوث فيها، وهي ضمن المسموح به.
عضو مجلس قروي عين قينيا منتصر ملح، يقول أن المياه غير مكررة بالشكل الصحيح، وأجريت فحوصات للمياه وتبين ان مياه النبع ملوثة بالمياه العادمة نتيجة الاختلاط بنفس المجرى وعدم الفصل.
ويطالب ملح بضرورة الفصل بين المياه المكررة ومياه النبع، الذي كان السكان في الماضي يعتمدون عليه بالشرب وري المزروعات وسقاية الأغنام، خاصة في ظلّ شح المياه وانقطاعها عنهم لفترات طويلة في الصيف.
ويؤكد على ضرورة وجود أنابيب ناقلة للمياه الملوثة من أجل عدم انتشار الحشرات والقارص خاصة في فصل الصيف، كما يجب تجفيف المستنقع الكبير المتواجد في المنطقة بفعل تراكم المياه العادمة.
وبين اقوال بلدية رام الله والاعمال الاخرى التي يقوم بها البعض؛ تبقى المياه الجوفية ومياه النبع والسكان الذين يعيشون بالمنطقة المتضررين من هذه الأحداث. وبين الوعود والتهرب؛ يبقى الواد مكرهة صحية حتى إشعار اخر.