
رام الله-أخبار المال والأعمال- أوصى باحثون بتبني استراتيجية وطنية لإدارة التمويل الدولي المشروط، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتعزيز الاقتصاد المحلي، وتحسين إدارة المساعدات الدولية وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي كبديل للتمويل المشروط، ودعم مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز الاستقلالية المالية، ومراجعة التشريعات والسياسات المتعلقة بالتمويل الدولي، وتعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التمويل المشروط.
وأعلن الباحثون، اليوم الاثنين، في رام الله نتائج دراستهم بعنوان: "فلسطين والتمويل الدولي المشروط"، والتي شارك في اعدادها، مؤيد عفانة – خبير في السياسات المالية والاقتصادية وقضايا الحوكمة، د.عمر الأخرس – باحث في الشؤون التنموية والقانونية، ود. بدر زماعرة – الباحث في الجامعة العربية الأمريكية، وعقب عليها الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم – استاذ العلوم الاقتصادية في كلية الدراسات العليا/ الجامعة العربية الأمريكية.
تبني استراتيجية وطنية لإدارة التمويل الدولي المشروط
وفي هذا السياق طالب الباحثون، بوضع إطار وطني موحّد يحدد معايير قبول أو رفض التمويل المشروط، بما يضمن عدم الإضرار بالسيادة الوطنية أو فرض أجندات خارجية على السياسات الفلسطينية، وتعزيز الرقابة على الاتفاقيات التمويلية، وضمان أن تكون موجهة لدعم التنمية المستدامة وفقا للأولويات الفلسطينية، وليس لمصالح المانحين.
تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتعزيز الاقتصاد المحلي
وفي هذا الجانب، طالبوا بالتركيز على تطوير القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، والاستثمار في المشاريع التي تعزّز الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية الاقتصادية، وتشجيع القطاع الخاص الفلسطيني على الاستثمار في مشاريع تنموية طويلة الأمد، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها ركيزة أساسية للاقتصاد المستدام، وتطوير سياسات ضريبية تحفّز الاستثمار المحلي وتقلل الاعتماد على التمويل الدولي، من خلال منح حوافز للقطاع الخاص لدعم المشاريع التنموية.
تحسين إدارة المساعدات الدولية وتعزيز الشفافية والمساءلة
ودعا الباحثون في هذا المجال إلى تعزيز الشفافية في إدارة المساعدات الدولية، من خلال إنشاء آليات رقابية واضحة تضمن عدم توجيه التمويل نحو أهداف سياسية أو فرض إصلاحات غير متناسبة مع الأولويات الفلسطينية، وتطوير قاعدة بيانات وطنية للمساعدات الخارجية، توضح مصادرها وشروطها وأوجه استخدامها، لضمان توجيه التمويل نحو مشاريع تخدم التنمية الحقيقية.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي كبديل للتمويل المشروط
وأوصى الباحثون، بضرورة البحث عن شراكات اقتصادية إقليمية ودولية بديلة، مثل تعزيز التعاون مع الدول العربية والإسلامية، وإيجاد آليات تمويل جديدة من خلال صناديق التنمية العربية والإسلامية، والاستفادة من التجارب الدولية في الحد من التبعية للتمويل المشروط، من خلال تطوير سياسات اقتصادية تعتمد على الموارد الذاتية والمصادر التمويلية غير المشروطة.
دعم مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز الاستقلالية المالية
وأجمع الباحثون على ضرورة تشجيع المؤسسات الأهلية الفلسطينية على البحث عن مصادر تمويل بديلة غير مشروطة، مثل التمويل المحلي، والتبرعات، والشراكات مع القطاع الخاص، ووضع آليات قانونية لحماية مؤسسات المجتمع المدني من الضغوط الخارجية التي تفرضها شروط التمويل الدولي، بما يضمن استمرار دورها في التنمية دون التأثر بالأجندات السياسية للجهات المانحة.
مراجعة التشريعات والسياسات المتعلقة بالتمويل الدولي
وفي هذا الجانب، طالب الباحثون بتطوير سياسات مالية وتشريعية تعزز قدرة فلسطين على التفاوض مع الجهات المانحة، بما يضمن قبول التمويل بشروط تتماشى مع المصالح الوطنية، وتفعيل القوانين التي تمنع قبول التمويل المشروط الذي يتعارض مع السيادة الفلسطينية، وتطبيق رقابة صارمة على الجهات التي تعتمد على التمويل الخارجي لضمان استقلاليتها.
تعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التمويل المشروط
أما في هذا المجال، فقد دعا الباحثون إلى تنفيذ حملات توعوية تستهدف المجتمع الفلسطيني لزيادة الوعي بمخاطر التمويل المشروط وتأثيره على السيادة الوطنية والتنمية المستدامة، وتشجيع المواطنين على دعم المبادرات الاقتصادية المحلية والمشاريع الريادية كبديل للتمويل الدولي المشروط، بما يعزز الاستقلال المالي والاقتصادي.
استنتاجات وتحديات التحرر من قيود التمويل الدولي
وحول ما خلصت إليه الدراسة، أشار عفانة إلى أن التمويل الدولي المشروط يلعب دورا مزدوجا في فلسطين، حيث يساهم في دعم قطاعات حيوية لكنه في الوقت ذاته يفرض قيودا تحد من استقلالية القرار السياسي والاقتصادي الفلسطيني.
وفي ظل تراجع المساعدات الخارجية، قال: "أصبح من الضروري تبني استراتيجية وطنية شاملة توازن بين الحاجة إلى التمويل الخارجي وبين الحفاظ على السيادة الوطنية، مع التركيز على بناء اقتصاد محلي مستدام وقادر على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية دون الخضوع للضغوط الخارجية".
وتطرق عفانة إلى الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة والتي تعكس كما قال "التأثيرات المتعددة للتمويل الدولي المشروط على التنمية الاقتصادية والسياسية في فلسطين، ومدى انعكاساته على السيادة الوطنية ورسم السياسات العامة".
وأكد أن النتائج أظهرت تأثير التمويل المشروط على التنمية الاقتصادية، كما يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على التمويل الدولي، خاصة في ظل القيود المفروضة على الموارد المحلية بفعل الاحتلال، "إلا أن هذا التمويل غالبا ما يكون مشروطًا بقيود تحدد أوجه إنفاقه وتوجيهه إلى قطاعات معينة قد لا تتوافق مع الأولويات الوطنية".
وبالنتيجة قال: "أدى الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية إلى نشوء اقتصاد غير مستدام، يعتمد على التدفقات المالية الدولية بدلاً من تطوير قطاعات إنتاجية ذاتية، مما يعزز هشاشة الاقتصاد الفلسطيني أمام التغيرات السياسية والقرارات الدولية".
وفيما يتعلق بالتأثير على الاستقلالية السياسية والسيادة الوطنية، قال د. الأخرس: "تشترط العديد من الجهات المانحة، سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تنفيذ سياسات معينة مقابل تقديم التمويل، مما يقيد قدرة السلطة الفلسطينية على اتخاذ قرارات مستقلة تخدم المصلحة الوطنية. كما تُستخدم المساعدات كأداة ضغط سياسي للتحكم في القرارات الفلسطينية، حيث تم تعليق أو تقليص الدعم في عدة مناسبات بسبب مواقف سياسية للقيادة الفلسطينية، ما يعكس تأثير التمويل المشروط على استقلالية القرار السياسي الفلسطيني".
وفيما يختص بتأثير التمويل على السياسات العامة والإصلاحات الحكومية، قال د.الأخرس: "فرض التمويل المشروط تغييرات هيكلية على السياسات العامة الفلسطينية، حيث يفرض المانحون إصلاحات إدارية ومالية معينة كشرط لاستمرار الدعم، ما قد يؤدي إلى تنفيذ سياسات تتماشى مع مصالح المانحين بدلا من الاحتياجات المحلية"، منوها إلى أن العديد من المساعدات تركّز على دعم مشاريع قصيرة الأجل بدلا من الاستثمار في خطط تنموية طويلة الأمد، مما يحد من إمكانية تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
أما د. زماعرة فتحدث حول تحديات التعامل مع التمويل المشروط، وقال:"أدى غياب استراتيجية فلسطينية موحّدة للتعامل مع التمويل المشروط إلى اختلاف مواقف المؤسسات الفلسطينية، حيث تقبل بعض المؤسسات التمويل رغم الشروط المفروضة، بينما ترفضه مؤسسات أخرى حفاظًا على الاستقلالية الوطنية، وان الانخفاض المستمر في الدعم الدولي لفلسطين، لا سيما بعد عام 2015، وضع الاقتصاد الفلسطيني أمام أزمة مالية كبيرة، وأجبر السلطة الفلسطينية على البحث عن بدائل لتعويض هذا التراجع".
وحول إمكانية إيجاد بدائل لتعزيز التنمية المستدامة، قال زماعرة: "هناك حاجة ملحة إلى تطوير نموذج اقتصادي فلسطيني أكثر استقلالية، يعتمد على تعزيز الإنتاج المحلي والاستثمار الداخلي، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية المشروطة".
وأضاف: "يمكن تحقيق ذلك من خلال تنويع مصادر التمويل، مثل التعاون مع الدول العربية والإسلامية، وتشجيع الاستثمارات الدولية المباشرة، وتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في دعم المشاريع التنموية".
أما د. عبد الكريم، فعقب على طبيعة التمويل الدولي المقدم لفلسطين، وسلط الضوء على الشروط التي تفرضها الجهات المانحة على السلطة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، والتي قال عنها: "غالبا ما تكون ذات طابع سياسي أو اقتصادي، وأن هذه الشروط، خاصة تلك التي تفرضها الولايات المتحدة ودول اخرى، تؤثر بشكل مباشر على استقلالية القرار الفلسطيني، حيث يتم توجيه التمويل نحو أولويات تخدم المانحين أكثر من الاحتياجات الفعلية للمجتمع الفلسطيني".
كما تطرق الى التمويل المشروط للمؤسسات الأهلية الفلسطينية، حيث تفرض الجهات المانحة قيودا صارمة مثل شرط "نبذ الإرهاب" الذي يمنع التعامل مع أي جهة فلسطينية تصنفها الدول المانحة كمنظمة إرهابية، وقال:"على الرغم من رفض العديد من المؤسسات الفلسطينية لهذه الشروط، إلا أن غياب استراتيجية وطنية موحدة أدى إلى تباين المواقف تجاه قبول التمويل الدولي المشروط، وأن استمرار الاعتماد على التمويل المشروط يقيد استقلالية العمل الأهلي ويهدد سيادة القرار الوطني، ما يستدعي البحث عن بدائل تمويلية أكثر استقلالية".
وتابع د. عبد الكريم: "إن الشروط التي تفرضها الجهات المانحة تؤثر على قدرة الحكومة الفلسطينية على تنفيذ السياسات والإصلاحات السياسية والإدارية والمالية المطلوبة ضمن الرؤية والأولويات الوطنية، وإن تقاطعت بعض تلك السياسات والأولويات، كما إن الدعم المشروط لمؤسسات المجتمع المدني مخالف للقانون، ويرهن برامج تلك المؤسسات لأجندات المانحين".
وأكد د. عبد الكريم، أن الجهات المانحة تلعب دورا رئيسيا في توجيه الإصلاحات الاقتصادية والإدارية من خلال فرض شروط محددة على التمويل، مما يؤدي إلى تنفيذ سياسات قد لا تتماشى مع الأولويات الفلسطينية، منوها إلى تأثير التمويل المشروط على مؤسسات المجتمع المدني، حيث تواجه هذه المؤسسات تحديات كبيرة في تحقيق الاستقلال المالي، خاصة في ظل القيود التي يفرضها المانحون على طبيعة البرامج والمشاريع التي يمكن تمويلها، مؤكدا أن انخفاض التمويل الدولي خلال السنوات الأخيرة أدى إلى عرقلة تنفيذ العديد من الخطط التنموية، مما أجبر الحكومة الفلسطينية على البحث عن استراتيجيات بديلة مثل تعزيز التعاون الإقليمي، وتحفيز الاستثمارات المحلية، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
وقال: "إن استمرار الاعتماد على التمويل المشروط يمثل تحديًا كبيرًا لتحقيق التنمية المستدامة في فلسطين، مما يتطلب وضع سياسات مالية واقتصادية تعزز الاكتفاء الذاتي والاستقلالية".