بقلم: حسناء الرنتيسي- صحفية اقتصادية
أعربت الحكومة الفلسطينية مؤخرًا عن تفاؤلها بتحسن الأوضاع المالية، مستندة إلى تطورات إيجابية على المستويين المحلي والدولي.
في تصريحات لمسؤولين بارزين، بدا أن الحكومة ترى بصيص أمل لتحسن الوضع المالي الفلسطيني بعد سنوات طويلة من التحديات.
ومع ذلك، فإن هذا التفاؤل أثار تساؤلات حول مدى واقعيته وإمكانية تحقيق تحسن ملموس في حياة المواطنين، في ظل محاذير التوقعات العالية التي تعتمد بشكل أساسي على وعود المجتمع الدولي والإصلاحات المطلوبة من السلطة مقابل تلقي الدعم الأوروبي.
خلال لقاء لرئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، أوضح أن السلطة الفلسطينية تجاوزت أصعب مراحل الأزمة المالية، مشيرًا إلى الجهود المبذولة لتأمين الدعم المالي من الدول العربية والأوروبية ومؤسسات التمويل الدولية.
كما تحدث عن زيادة الإيرادات العامة بتحسن ملحوظ في تحصيل الضرائب والرسوم المحلية، مما قد يسهم في تقليص العجز المالي الذي أثقل كاهل الموازنة لسنوات.
وفي سياق متصل، كشف مسؤول الإعلام الحكومي محمد أبو الرب عن جهود حكومية لإقرار حزمة أمان مالي مع الاتحاد الأوروبي تمتد لعامين.
وأكد أن هذه الحزمة، في حال الموافقة عليها، ستسهم في تسديد جزء من المتأخرات المالية للموظفين والقطاع الخاص، مما يخفف من الأعباء الاقتصادية المتراكمة.
استندت الحكومة في تفاؤلها إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها زيادة الدعم الدولي، حيث بلغ إجمالي الدعم الخارجي للموازنة العامة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 نحو 1.7 مليار شيكل، موزعًا بين دعم عربي وأجنبي.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات قائمة. تعتمد السلطة بشكل كبير على إيرادات المقاصة، التي تشكل نحو 68% من إجمالي الإيرادات العامة، لكنها تتعرض شهريًا لاقتطاعات إسرائيلية بحجج متعددة، تجاوزت قيمتها 350 مليون شيكل شهريًا، بالإضافة إلى اقتطاعات "صافي الإقراض".
هذا الوضع يعيق قدرة الحكومة على دفع الرواتب والمستحقات بشكل كامل، مما يزيد من حالة التذمر الشعبي.
المواطن الفلسطيني الذي يعاني من تداعيات هذه الأزمات يبدو أكثر حذرًا تجاه تفاؤل الحكومة، خاصة في ظل غياب وضوح حول إمكانية تحقيق استقرار مالي حقيقي أو سداد المتأخرات.
الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي وإيرادات المقاصة يشكل عائقًا أمام بناء اقتصاد مستقل ومستدام.
رغم زيادة الإيرادات المحلية، إلا أنها لا تزال تشكل نسبة ضئيلة من إجمالي الدخل، مما يضع السلطة الفلسطينية أمام تحديات دائمة تتعلق بالاستقلال المالي.
وتشير البيانات إلى أن نفقات السلطة الشهرية تتجاوز 1.3 مليار شيكل، بينما لا يتوفر سوى 900 مليون شيكل في أحسن الأحوال، ما يترك عجزًا شهريًا بنحو 400 مليون شيكل.
بالإضافة إلى ذلك، بلغت متأخرات رواتب الموظفين حوالي 5.14 مليار شيكل (1.4 مليار دولار)، فيما تزيد متأخرات القطاع الخاص عن 5.14 مليار شيكل أيضًا.
أما الدين الخارجي فقد بلغت قيمته حوالي 5.5 مليار شيكل (1.5 مليار دولار)، وفق تصريحات المحاسب العام بوزارة المالية محمد ربيع.
هذا الواقع يضع السلطة أمام خيارات محدودة للخروج من الأزمة المالية.
تحرر تدريجي من أموال المقاصة من خلال تعزيز المنتج الوطني ودعم القطاعات الإنتاجية يمثل ضرورة ملحة لتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة من السوق الإسرائيلية.
تحسين تحصيل الضرائب والحد من التهرب الضريبي قد يسهم في زيادة الإيرادات المحلية، في حين أن تصعيد الجهود الدولية للضغط على إسرائيل لوقف الاقتطاعات الجائرة من أموال المقاصة يبقى خيارًا استراتيجيًا.
على الرغم من الإشارات الإيجابية المتمثلة في زيادة الدعم الدولي والإيرادات المحلية، فإن استمرار الضغوط الإسرائيلية والتحديات الهيكلية يجعل من الصعب تحقيق تحول جذري في الواقع المالي.
بالإضافة إلى ذلك، يبقى التفاؤل الحكومي مرهونًا بمدى تحقيق الإصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي وفعالية الجهود المبذولة لتخفيف التحديات الاقتصادية.
السؤال الأهم يبقى: هل سيؤدي هذا التفاؤل الحكومي إلى سد العجز المالي وتحقيق الاستقرار، أم أنه مجرد رؤية متفائلة قد تصطدم بواقع مليء بالتحديات والمحاذير؟