بقلم: مؤيد عفانة
أقرّت الهيئة العامة للكنيست الاسرائيلي يوم 11 آذار 2024، بالقراءة النهائية، مشروع قانون يجيز للمتضررين من عمليات نفذها فلسطينيون، تقديم دعاوى تعويضات من الجهات الداعمة للعمليات، وأولها، بحسب القانون، السلطة الوطنية الفلسطينية، وتبعاً لنصوص القانون فإنّ هذا "الحق"، هو للمتضررين من العمليات أو عائلاتهم، فعلى سبيل المثال يدعو القانون لتعويض عن كل قتيل مبلغاً لا يقل عن (10) ملايين شيكل حوالي (2.75 مليون دولار). وفي حالة ضرر جسدي، يحق للمتضرر أن يطلب تعويضاً مالياً بقيمة (5) ملايين شيكل. وفي حال صدر قرار تعويضات من المحاكم الاسرائيلية فإنّ على الحكومة الإسرائيلية أن تقتطع هذه الأموال، من أموال الضرائب الفلسطينية، التي جمّدتها الحكومة الإسرائيلية، بموجب قانون أقرّ في العام 2018، ودخل حيز التنفيذ في العام التالي، وهي أموال توازي حجم الأموال التي تدفعها السلطة للأسرى في السجون، والمحررين، وعائلات الأسرى، والشهداء.
وجاء في حيثيات القانون، أنّ هذا الاقتطاع من إيرادات المقاصّة يأتي بسبب استمرار السلطة الفلسطينية في دفع مخصصات للأسرى في السجون، والمحررين، وعائلات الأسرى، والشهداء، وقد بادر إلى إقرار القانون الكتل اليمنية المتطرفة في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، واللافت أنّ حتى أحزاب من المعارضة الإسرائيلية أيدت القانون، خاصّة من كتلتي المعارضة، "معسكر الدولة" التي يرأسها بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" التي يرأسها أفيغدور ليبرمان.
وقد دخل القانون حيّز التنفيذ في شهر حزيران الماضي، وتبعاً للبيانات المتوفرة، فقد تقدمت (195) عائلة إسرائيلية حتى الان بدعاوى في المحاكم الإسرائيلية للتعويض، وتبلغ القيمة الاجمالية لتلك الدعاوى، حال إقرارها والحكم لصالحها، حوالي (5) مليار شيكل، الأمر الذي ينذر بـ (تصفير) إيرادات المقاصة، والتي تعتبر المكوّن الأكبر للإيرادات العامة في فلسطين، وتقدّر بحوالي (68%) من اجمالي الإيرادات العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، والمقاصّة هي مجموع الإيرادات التي يقوم الجانب الإسرائيلي بجبايتها نيابة عن السلطة الوطنية الفلسطينية، ويتم تحويلها إلى السلطة الفلسطينية بعملة الشيكل، وتشمل الجمارك، وضريبة القيمة المضافة، والشراء، وضريبة دخل العمال العاملين داخل الخط الأخضر، وأي ضرائب ورسوم تترتب على التبادل التجاري بين إسرائيل والضفة والقطاع، تبعاً لبروتوكول باريس الاقتصادي الموقّع عام 1994.
ويأتي إقرار هذا القانون العنصري في ظل قرصنة إسرائيلية غير مسبوقة لإيرادات المقاصّة، حيث بلغت الاقتطاعات الإسرائيلية من عائدات المقاصّة تحت مسمى مخصصات قطاع غزة، حوالي (2.55) مليار شيكل منذ بداية العدوان على القطاع مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى شهر 7/2024ـ، إضافة إلى الاقتطاعات الإسرائيلية تحت مسمى مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، بلغت منذ شهر 2/2019 وحتى شهر 7/2024، (3.48) مليار شيكل. وإلى جانب احتجاز ما يعادل مخصصات قطاع غزة، ومخصصات عائلات الشهداء والأسرى، والتي بلغت (6.03) مليار شيكل، ما زالت إسرائيل ترفض تحويل عائدات السلطة الفلسطينية من ضريبة المغادرة على المعابر باتجاه الأردن والتي تراكمت منذ سنوات وتجاوزت (900) مليون شيكل، ليصل المبلغ الكلي للاقتطاعات حوالي (6.93) مليار شيكل. علماً أن دولة الاحتلال سبقت وأن عملت على تعويض عائلات قتلى إسرائيليين وأيضا عملاء فلسطينيين فروا إلى الداخل المحتل من أموال المقاصّة.
وعملياً يأتي إقرار وانفاذ هذا القانون ضمن سعي دولة الاحتلال لوأد فكرة الدولة الفلسطينية، من خلال الخنق الاقتصادي، وتجفيف الموارد المالية والتحكم بها، حيث لا دولة بلا موارد مالية، وبالتالي دفع السلطة الفلسطينية لحافة الانهيار، وتقويض قدرتها على القيام بواجباتها، وتقديم خدماتها الاساسية للمواطنين من تعليم، وصحة، وحماية اجتماعية، وخلق واقع اقتصادي صعب في الضفة الغربية يؤدي إلى دفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية طلباً للرزق والعمل، أو للاستثمار في بيئات سياسية واقتصادية واجتماعية مستقرة، الأمر الذي يساهم في انفاذ الرؤية الإسرائيلية المسماة "خطة الحسم" من خلال ضم الضفة الغربية بصمت، وبشكل تدريجي ومًمنهج، عبر أدوات استراتيجية عدّة منها: الخنق الاقتصادي، وتغيير ملامح الضفة الغربية عبر بناء المستوطنات، والبُنى التحتية لخدمة المشروع الاستيطاني الإحلالي، وفرض أمر واقع يعيق قيام دولة فلسطينية مترابطة الاوصال، وفرض قيود على حركة المواطنين، والحركة التجارية، وخلق قيود على الاقتصاد والقطاع المصرفي، ومنع أي نشاط عمراني او اقتصادي في المناطق المصنفة (ج) والتي تشكلّ حوالي (61%) من الضفة الغربية، وفرض معيقات في المناطق المصنفة (ب) والتي تشكل حوالي (21%) ممّا تبقى من مساحة الضفة الغربية.
ومن هنا توجد ضرورة للتحرك الفلسطيني العاجل على الصعيد الدولي لرفع دعوى قانونية على دولة لاحتلال لقرصنتها الأموال الفلسطينية، وعدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة، وبحملة ضغط ومناصرة مع الدول الصديقة، والدول الراعية لاتفاقية أوسلو، وبروتوكول باريس الاقتصادي، إضافة إلى ضرورة الانفكاك الاقتصادي التدريجي عن الاحتلال، من خلال استراتيجية وطنية، تقوم على تعزيز المنتج الوطني، كونه سيخفف من الاعتماد على ايرادات المقاصّة، وسيوفر فرص عمل في السوق المحلي.