الرياض-أخبار المال والأعمال- مع كل نهضة واقتراب اكتمال التحول نحو ثورة صناعية جديدة يبدأ العالم بنبرة قلق بشأن الوظائف القائمة والأثر الذي يترتب على توظيف القوى العاملة المتاحة ومدى التهديد المحتمل للاقتصاد العالمي، ونحن نعيش منذ العقود القليلة الماضية ثورة صناعية رابعة ممزوجة بتطورات خدمية ومعلوماتية تم خلالها إضافة 1.1 مليار وظيفة إلى الاقتصاد العالمي، ورغم أن معدل البطالة زاد خلال الفترة نفسها بنحو 1 في المائة إلا أن إيجابيات إحلال الآلة مكان الإنسان أكبر بكثير من سلبياتها.
على سبيل المثال كانت الزراعة تشكّل نحو نصف إجمالي العاملين حول العالم قبل ثلاثة عقود ولكنها اليوم فقدت نحو 100 مليون عامل، وفي الوقت نفسه ارتفع عدد الوظائف الصناعية بنحو 260 مليون وظيفة، وزادت وظائف القطاعات الخدمية بنحو 850 مليون وظيفة.
القطاعات الخدمية تتفوق على الصناعية
منذ عام 2000 وقطاع الخدمات يستحوذ على النصيب الأكبر من الوظائف حول العالم، بينما أعداد الوظائف الزراعية تتراجع، في حين أن مساهمة النشاط الصناعي تراوحت ما بين 20 و23 في المائة من الوظائف طوال الـ30 عاما الماضية، وعلى الرغم من ذلك بدأت تتراجع الوظائف الصناعية في كثير من الدول الصناعية، حيث تراجع عدد العاملين في الدول الصناعية السبع من 92 إلى 79 مليون وظيفة خلال تلك الفترة، حتى الصين التي تعد بمنزلة مصنع العالم لديها تراجع في عدد موظفي النشاط الصناعي، فمن أعلى قمة وصل إليها في 2012 بنسبة 30 في المائة من إجمالي العاملين في الدولة تراجع إلى 28 في المائة خلال 2021.
تحسن الإنتاجية والتحول التكنولوجي والثراء
تراجع عدد الوظائف الصناعية لم يكن وليد اللحظة بل بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، ويعود إلى عدة أسباب منها أن العاملين في النشاط الصناعي لديهم إنتاجية أعلى من أمثالهم في النشاط الخدمي، لذلك تشهد الوظائف في الصناعات نموا أقل من الوظائف الخدمية، في حين أن السبب الثاني يعود إلى دخول التقنية في نشاط التصنيع ما أدى إلى الاستغناء عن كثير من العمالة وإحلالهم بالآلة. كذلك من بين الأسباب الأخرى لتراجع الوظائف الصناعية في الدول المتقدمة هناك اعتمادية الدول المتقدمة على الواردات الصناعية من الدول الأخرى، ما نتج عنه انخفاض الاستثمار الصناعي لديها، وفي الوقت ذاته ازدادت حاجة الناس إلى الأنشطة الخدمية كالخدمات الصحية والتمويلية وغيرها.
النشاط الصناعي ينمو في الدول الفقيرة والنامية
هناك تراجع في وظائف النشاط الصناعي في الدول الصناعية الكبرى إلا أن البيانات العالمية تشير إلى أن وظائف النشاط الصناعي تحافظ على حصتها على مستوى العالم، والسبب يعود إلى قوة النمو الصناعي في بعض الدول ذات الاقتصادات النامية أو الضعيفة، كالهند التي ارتفعت وظائف النشاط الصناعي فيها من 41 إلى 117 مليون خلال 30 عاما فقط، حيث تعيش الهند المرحلة ذاتها التي عاشتها الصين من قبل. والسبب الذي يدفع مثل هذه الدول إلى ذلك، هو توافر عكس الأسباب التي دفعت وظائف النشاط الصناعي في الدول المتقدمة للانخفاض، على سبيل المثال تتوافر في الدول الفقيرة عمالة بأجر رخيص مقارنة بـالاستثمار في الآلات الحديثة، لذلك تستخدم هذه الدول عددا كبيرا من هذه العمالة في صناعتها بدلا من الآلة، ما يظهر ارتفاعا في معدلات التوظيف الصناعي لديها. كذلك يتسبب الفقر في انخفاض الاستهلاك الخدمي مثل التعليم والصحة، وبالتالي انخفاض حصة هذه الأنشطة الخدمية في الاقتصاد مقارنة بالأنشطة الأخرى كالزراعة والصناعة والتي تنتج احتياجات أساسية لهذه المجتمعات.
لذا فعند اكتمال النمو الطبيعي للنشاط الصناعي في الدول النامية، سيبدأ العالم حينها مرحلة جديدة يشهد فيها النشاط الصناعي مسارا هابطا، ليس على مستوى النسبة والتناسب من إجمالي العاملين، ولكن على مستوى إجمالي عدد الوظائف، تماما كما حدث في النشاط الزراعي.
العالم العربي يحدث 68 مليون وظيفة خلال 30 عاما
استطاع العالم العربي إحداث 68 مليون وظيفة جديدة خلال العقود الثلاثة الماضية، وذلك يعادل 1.2 ضعف عدد الوظائف فيما قبل، وكانت الوظائف الصناعية تزداد إلى وقت قريب في عديد من الدول العربية، مثل الإمارات التي ظلت ترتفع فيها إلى 2018، وقطر إلى 2008، في حين أن دولا مثل مصر والمغرب لا تزال ترتفع فيها الوظائف الصناعية.
الاقتصاد السعودي يضيف 1.83 مليون وظيفة في 7 أعوام
على مستوى المملكة بدأت الوظائف الخدمية في الارتفاع إلى مستويات جديدة خلال الأعوام الستة المنتهية في 2021، من 9.2 إلى 11.3 مليون وظيفة، ليشكل نشاط الخدمات بمفرده 77 في المائة من إجمالي العاملين، وفي الوقت ذاته تراجعت الوظائف الصناعية من 3.4 إلى 2.9 مليون وظيفة، بحسب بيانات البنك الدولي. هذا هو المسار نفسه الذي سلكته بعض الدول الأوروبية كألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، وكذلك بعض الدول الآسيوية كالصين واليابان.
التزايد في أعداد الوظائف الخدمية هو أحد أسس التحول الاقتصادي الذي تسعى إليه المملكة للتحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد يعتمد على الخدمات، وذلك عبر محورين، الأول تعزيز القطاعات الأساسية كالقطاع السياحي الذي شهد ارتفاع عدد العاملين فيه إلى الضعف من 670 ألف في 2011 إلى 1.3 مليون في 2021، ويعني ذلك ارتفاع الوظائف المتاحة في هذا القطاع نتيجة ارتفاع الاستثمارات واهتمام الدولة به. وبالمثل هناك قطاع الترفيه الذي أحدث 144 ألف وظيفة، وقطاع الرياضة الذي ولد 100 ألف وظيفة، في حين تهتم المملكة بصفة خاصة بالقطاع اللوجستي، حيث تعتزم وزارة النقل والخدمات اللوجستية تنفيذ 300 مشروع عملاق باستثمارات تبلغ 133 مليار دولار لتحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي بهدف تنمية الناتج المحلي الإجمالي من هذا القطاع إلى 10 في المائة، ويعني هذا ملايين الوظائف في أحد أهم القطاعات المستقبلية، وذلك بالتوازي مع التطور في التجارة العالمية ولا سيما التجارة الإلكترونية.
أما المحور الثاني يتمثل في المضي قدما نحو الوظائف المتعلقة بالتقنيات والتي ستصبح عمود المستقبل، حيث تعتزم المملكة بنهاية 2025 تدريب 200 ألف فرد وتوظيف 30 ألف في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال برنامج مهارات المستقبل، في الوقت ذاته تعتزم إكمال توجيه عدة استثمارات في تقنيات متنوعة بحلول 2030. من خلال هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" سيتم استثمار 20 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، ومن خلال صندوق الاستثمارات العامة ومجموعة الاتصالات السعودية تم الاتفاق على تأسيس شركة تقنية إنترنت الأشياء، وهي تقنية من خلالها يمكن ربط مختلف الأجهزة المنزلية بالإنترنت، حيث مستهدف أن يصل حجم هذه السوق في المملكة إلى 2.9 مليار دولار خلال عامين. أما في مجال البيانات الضخمة فالمملكة تسعى إلى تطوير مراكز لها باستثمارات بقيمة 18 مليار دولار، وجميع هذه الأنشطة دفعت بالاقتصاد الخدمي للمملكة للنمو من 230 مليار دولار في 2011 إلى 389 مليار دولار في 2021، وفي الوقت نفسه ستعزز الاستثمارات والرؤى المستقبلية في سوق العمل بثلاثة ملايين وظيفة بحلول 2030، وهذه الأرقام ليست بعيدة عن الاقتصاد السعودي، ففي الأعوام السبعة المنتهية في 2022 أضاف الاقتصاد 1.83 مليون وظيفة على مستوى جميع الأنشطة الاقتصادية رغم الأزمات العالمية من هبوط أسعار النفط ووباء كورونا والصراع الروسي الأوكراني وغيرها.
وظائف عفا عليها الزمن
وظيفة السقا، وهي المهنة التي كان يقوم فيها الفرد بإيصال الماء من الآبار والخزانات إلى المنازل، كانت إحدى الوظائف المهمة في العصور القديمة حتى نهايات القرن قبل الماضي، وكانت تخضع لعملية إدارية وتقسيمات بل واختبارات وظيفية قبل الحصول على ترخيص لمزاولة المهنة! اندثرت هذه الوظيفة بسبب إنشاء شبكات المياه وآلياتها وأنابيب الضخ والحنفيات، ورغم أن اختراع الصنبور يعود إلى آلاف الأعوام إلا أنه كان من أدوات الرفاهية إلى أن بدأ ينتشر في العالم الغربي ثم نقله الإنجليز إلى مصر في 1884.
اليوم تقدر صناعة الصنابير بمفردها بنحو 40 مليار دولار عالميا ومن المتوقع أن تنمو إلى 63 مليار دولار خلال أربعة أعوام، إلى جانب الكم الهائل من الوظائف التي أحدثتها تقنية المياه وشركاتها.
هناك عديد من الوظائف الأخرى التي اختفت بسبب تطور الآلة، كعامل صالات لعبة البولينج الذي كان دوره تجميع القوارير الخشبية وإعادة ترتيبها، وهناك عمال المصابيح الغازية التي كانت تضيء الشوارع قبل انتشار الكهرباء في منتصف القرن الـ19، والذين كان عليهم إضاءة وإطفاء المصابيح يوميا في الشوارع. مصير هذه الوظائف كمصير وظيفة حارس الساعة وهي مهنة كانت متداولة في العصور الوسطى لتتبع الوقت والحفاظ على دقة الساعات، وذلك قبل صناعة الساعات الميكانيكية.
نوعية أخرى من الوظائف لم تنته تماما إلا أن التطور التقني أحدث فيها نقلات كبيرة، كعديد من موظفي الأعمال المكتبية الذين تحولت استخداماتهم من الآلة الكاتبة إلى الحاسب الآلي، ومأموري خدمة الهاتف الذين كان عليهم استقبال الاتصال من طرف وتوصيله إلى الطرف الآخر، وذلك قبل أن تصبح الوظيفة تعمل بشكل آلي كامل، إلى جانب مراقبي الطائرات الذين كانت لديهم أجهزة استماع وتنصت للتنبه لأصوات الطائرات المقبلة وذلك قبل اختراع الرادار.
وظائف المحاسبة والكاشير مهددة بالانقراض
قدر منتدى الاقتصاد العالمي أن الوظائف التي ستنقرض بحلول 2027 ستتسبب في إنهاء 83 مليون وظيفة، وأن أهم المهارات التي ستحتاج إليها وظائف المستقبل هي المهارات المتعلقة بالتفكير التحليلي ثم التفكير الإبداعي ثم المهارات المتعلقة بالوعي الذاتي والمرونة والفضول. عمال المستودعات أيضا وظائفهم في المستقبل ليست في مأمن، على سبيل المثال لدى أمازون عمال مستودعات آليين لترتيب الأرفف واستدعاء السلع إلى مكان الشحن، بل إن هناك الروبوتات التي بدأت في التوصيل إلى المنازل وهي المرحلة المكملة لمرحلة عمال المستودعات، والروبوتات التي تقوم بمهام التوصيل.
في المستقبل القريب سيتم الاستغناء تدريجيا عن موظفي الدفع في المتاجر، فجميع المتاجر ستعمل بأسلوب عمل "السوبر ماركت" الرقمي الذي يتجول المستهلك به وبعد الانتهاء يتجه إلى آلة تستخدم تقنيات RFID للحساب والدفع، وهناك عديد من الوظائف الأخرى التي ستختفي والمتعلقة بالترجمة والمكتبات ومدخلي البيانات أو المستويات التمهيدية من أعمال البرمجة أو المحاسبة أو التصميم وغيرها.
ما طبيعة الوظائف التي سيتم التخلص منها؟
يمكن معرفة الوظائف التي ستنتهي بالنظر إلى مدى الحاجة إلى تلك الوظائف في المستقبل نتيجة ما يحدث هنالك من تطورات في القطاع، فمثلا التطورات التقنية في مجال تعلم الآلة ستؤدي إلى إلغاء الوظائف التي يمكن القيام بها عن طريق الآلة. المعيار الآخر يتوقف على مدى الجدوى الاقتصادية والاجتماعية من إحلال بعض الوظائف، حينها ودون شعور تبدأ الشركات والمجتمعات بإنهاء الوظيفة، كمثال المصابيح الغازية التي تم استبدالها بكهربائية، أو استبدال العمل اليدوي بالآلي كعمال المستودعات. ويمكن قياس هذا المعيار من خلال التطورات التقنية التي حدثت في حاضرنا ويمكن الانتفاع بها مستقبلا في تغيير حياة الإنسان إلى الأفضل، ما يعود بجدوى متمثلة في توفير الوقت أو المجهود، أو زيادة الدقة أو الفاعلية أو الأمان أو الإنتاجية وغيرها من العوامل. هذه التطورات قد تأتي على شكل أفكار تماما كخط التجميع الذي أنشأه هنري فورد في مصانعه، وفيه تم إسناد مهمة واحدة فقط لكل عامل ما رفع من إنتاجيتهم وخفض تكلفة السيارة إلى الربع، وقد تأتي في شكل آلات أو تقنيات، لذا فلمعرفة مستقبل وظيفة ما ومدى إمكانية الاستعاضة عنها بالآلة أو أي من التقنيات الحديثة لا بد من تحليل طبيعة الوظيفة أولا.
عوامل استدامة الوظيفة في المستقبل
من العوامل التي تقرر بقاء الوظائف مستقبلا في ظل التطورات العلمية والتقنية هناك عامل التكرار مقابل الإبداع في الوظيفة، فكلما كانت طبيعة العمليات تكرارية ولا تحتوي على معطيات جديدة تحتاج إلى ابتكار أو إبداع، كان إحلال الإنسان بالآلات والتقنيات مسألة وقت، لذلك الوظائف المتعلقة بالتوصيل أو خطوط التجميع أو المستودعات وما إلى ذلك والتي لا تتطلب سوى التسلم من نقطة والإيصال إلى نقطة أخرى ستتولى مهامها الروبوتات بشكل كلي.
أيضا هناك عنصر التكرار مقابل الاستنباط، فهناك بعض الوظائف التي تتطلب قرارات مختلفة نظرا إلى اختلاف المعطيات، لذلك قد يصعب التخلص من البشر في هذه الوظائف، خاصة لو كان هناك جزء عاطفي أو فكري متعلق بالقرار. على سبيل المثال عمل القضاة يصعب على الآلة توليه لاختلاف حيثيات كل قضية عن الأخرى، فتقدير القتل الخطأ من القتل المتعمد يتطلب جملة من البراهين وإدراك كامل لتسلسل أحداث الواقعة ما يفوق قدرات الآلة التي لا تمتلك العاطفة ولا الحس الإنساني ولا الحدس أو البديهة وهي الأمور التي يقوم على أساسها عمل القضاة، حيث هناك حدود دنيا وقصوى في تطبيق الأحكام تخضع للسلطة التقديرية للقاضي.
هناك عديد من المعايير الأخرى التي تتلخص في مدى القدرة على تأطير مهام الوظيفة وعدم احتياجها إلى المواهب البشرية، لكن تبقى العاطفة على رأس المهام التي يصعب على الذكاء الاصطناعي والآلة اقتناصها من البشر، نظرا إلى أن هذه التقنيات تعتمد على مدخلات ومخرجات معيارية، والعاطفة ليست معيارية، لذا فالوظائف المتعلقة بالتعليم والطب النفسي والإدارة والتي تتخللها المشاعر والاستنباط الحسي، ستكون وظائف آمنة في المستقبل القريب، وذلك إلى جانب الوظائف المتعلقة بالابتكار في البرمجة والهندسة ومثيلاتها من المهن.
وظائف مرتبطة بتطورات الطاقة والكمبيوتر
على هذا الأساس نستطيع استقراء وظائف المستقبل، فعلى صعيد معيار مدى حاجة البشر إلى اللحاق بالتطورات الكونية، هناك الوظائف المتعلقة بالطاقة المتجددة، ومثال ذلك المختصون بتركيب توربينات الرياح وصيانتها وفحصها، وهي الوظيفة التي من المتوقع أن تنمو عالميا بنسبة 36 في المائة بحلول 2026، فهناك حاجة إلى أكثر من 142 ألف فني توربينات رياح خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، خاصة في الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية. أيضا أي وظائف أخرى متعلقة بأنواع الطاقات المتجددة الأخرى من الهيدروجين والطاقة الشمسية وغيرها، من مصممي الخلايا الضوئية أو أنظمة الاحتفاظ بالطاقة ومهندسي الاستدامة وغيرهم.
من بين الوظائف الأخرى في مجال الطاقة الحديثة المتجددة التي سيحتاج إليها العالم هناك وظائف عديدة في مجال البيئة والوظائف الخضراء كإعادة التدوير والتخلص من النفايات، سواء لإبطاء الهدر في المواد والمياه أو إعادة استخدامها، أو للتخلص واستبدال المواد الضارة كالبلاستيك بمواد أكثر استدامة وقابلة للتحلل.
أما على صعيد معيار الجدوى الاقتصادية، ستكون الوظائف المتعلقة بقطاع البرمجة أو مستخدمي التقنيات الحديثة هي الأكثر احتياجا وانتشارا، نظرا إلى أن التحول الرقمي وأمنه قائم على العاملين في هذا القطاع، ومن أمثلة ذلك مطورو مواقع الويب والتطبيقات ومهندسو الاتصالات والشبكات ومتخصصو الأنظمة السحابية وعلوم البيانات، فهذه المجالات جميعا هي همزة الصلة بين أي مرسل ومستقبل في أي صناعة تستهدف التحول الرقمي. هذا إلى جانب صناعة الروبوتات والوظائف المرتبطة بها، وهي الصناعة التي سيلجأ إليها البشر للتخفيف من عناء المهام الصناعية والخدمية الأكثر تكرارا أو شقاء أو خطورة ويظهر ذلك في أجيال الأسلحة الروبوتية التي بدأ عديد من الجيوش والأجهزة الأمنية إدماجها في مهامهم.
المختصون في تحليل البيانات والأمن السيبراني سيكون لهم الدور الأكبر في توفير بيئة سلسة وآمنة، فضلا عن مجالات مثل مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد وذلك بعد إحداثها طفرة على جميع القطاعات سواء الطبي من خلال طباعة أعضاء كالكلى والكبد نظرا إلى حاجة البشر إليها، أو طباعة الأبنية وأي نماذج أخرى. وقطاع الفضاء الذي ربما يحتاج يوما ما إلى وظائف مرتبطة بعلوم لا تزال غير مدركة.
في الوقت ذاته سيكون على الموظفين في فئات كثيرة تطوير أدواتهم ومهاراتهم للاستجابة للمستحدثات المستقبلية، كالمعلم، مع انتشار التعليم عن بعد وتحول كثيرين إليه ربما تنتقل وظيفة المعلم بشكل كلي من الصف إلى الكاميرا، لذلك لا بد أن يكون لديهم القدرة على التغير مع هذا التحول. الفنيون العاملون في مجال السيارات لا بد أن تتوافر لديهم المهارات اللازمة لصيانة السيارات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة، تماما كما تحولت الصحافة من مجرد صحافة مطبوعة إلى صحافة مسموعة ومرئية ثم رقمية وتفاعلية.
المصدر: الاقتصادية