ما هي "ضريبة الخطيئة" وهل ستحل مشكلة السمنة العالمية؟

Publishing Date
صورة توضيحية-تصوير وكالات

لندن-أخبار المال والأعمال- "ضريبة الخطيئة" تعبير مزعج للنفس، مع هذا تتزايد الأصوات لفرض تلك الضريبة، والغريب في الأمر أن الداعين إلى فرضها والمتحمسين لها باتوا من كبار المسؤولين عن تفشي "الخطيئة" .. فما ضريبة الخطيئة؟

ضريبة الخطيئة تعبير مستخدم بين المطالبين بفرض ضرائب على الأطعمة المالحة والدهنية والسكرية، أي الأطعمة غير الصحية، وعلى الرغم من وجود صراع عنيف بين الداعين لفرضها والرافضين أو المعارضين لها، فإن التوازنات بين الطرفين أخذت منحنيات جديدة بعد انضمام أشخاص ذوي حيثيات ضخمة من صفوف المعارضين إلى تيار الداعين إلى الإسراع بفرض الضريبة عالميا.

وتغير التوازن بين الطرفين حدث عندما انضم جيمس ماير الذي يدير فرع شركة دانون الفرنسية في المملكة المتحدة وأيرلندا وهي إحدى كبرى شركات الأغذية في المملكة المتحدة للتيار الداعي إلى الإسراع بفرض تلك الضريبة.

وأعلن ماير أن منتجي المواد الغذائية لم "يظهروا شهية كافية للتغيير" لمصلحة الأغذية الصحية، بل وصل به الأمر إلى القول إن الوقت قد حان لـ"تدخل هادف" من قبل الحكومة، معتبرا أن ذلك سيكون السبيل الوحيد للتحرك نحو منتجات غذائية أكثر صحية واستدامة بدلا من المنتجات الغذائية الأرخص في كثير من الأحيان ولكن غير صحية.

كان موقف جيمس ماير مثيرا وغريبا، فالرجل مسؤول عن شركة أغذية عملاقة، ويجهر بتدخل حكومي لفرض ضريبة الخطيئة في المملكة المتحدة معقل الرأسمالية العالمية التي تثير فيها فكرة مزيد من الضرائب القلق والانزعاج، فضلا بالطبع عن دعوته إلى تدخل حكومي في نظام اقتصادي يرفع دائما شعار "المجد للقطاع الخاص".

لكن إلى أي مدى تعد تلك الدعوة ملائمة وجدية في وقت يشهد العالم ارتفاعا حادا في أسعار المواد الغذائية منذ العام الماضي، ويعاني المواطنون في مختلف البلدان ارتفاع معدلات التضخم، ما يعني أن الحديث عن ضريبة غذائية جديدة قد يكون دعوة في غير وقتها.

في الواقع لجأت بعض الدول إلى فرض ضريبة الخطيئة على بعض المنتجات، لكنها لم تسير في الطريق إلى نهاية المطاف، وفضلت أن تقوم الشركات المصنعة للمواد الغذائية بالانخراط طواعية في برامج لتقليل الملح والسكر والدهون في منتجاتها الغذائية.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الأمراض غير المعدية الرئيسة الأربعة في العالم هي أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، والنظام الغذائي والسمنة من أكثر العوامل شيوعا - التي يمكن الوقاية منها - في الإصابة بالأمراض غير المعدية.

وأعدت منظمة الصحة العالمية في منتصف عام 2021 تقريرا عن السمنة في العالم كشفت فيه أن معدلات السمنة تضاعفت في جميع أنحاء العالم تقريبا ثلاث مرات منذ عام 1975، وأن زيادة تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات سبب رئيس لتفشي السمنة عالميا.

أما جمعية الصحة العالمية، فقدرت أن عدد الأشخاص الذين سيتعايشون مع السمنة في عام 2030 سيبلغ مليار شخص، بحيث ستكون النسبة واحدة من كل خمس نساء، ورجلا من كل سبعة رجال، بينما كشفت الأبحاث الأخيرة التي أجراها الاتحاد العالمي للسمنة أن أكثر من نصف سكان العالم سيعانون زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2035، ما لم يتم اتخاذ إجراء جاد وفوري.

من نافلة القول أيضا، إن العبء العالمي للسمنة يؤدي إلى اعتلال كبير في الاقتصاد العالمي، ويزيد من تكاليف الإنفاق الصحي ويؤدي إلى زيادة في الميزانية العامة للصحة، ولا جدال في هذا كله لكن يظل السؤال المطروح مشروعا، هل زيادة الضرائب على شركات الأغذية المنتجة للأطعمة غير الصحية هو الحل الوحيد أو المثالي لحل تلك المشكلة؟ أم علينا البحث عن حلول أخرى أكثر جاذبية للشركات وللمستهلكين في آن واحد؟

لم يعد خفيا أن شركات الأغذية حول العالم مارست ولا تزال ضغوطا ضد فرض ضرائب إضافية على منتجاتها، من منطلق أنها ستؤدي إلى رفع الأسعار وخفض الاستهلاك وتراجع أرباح الشركات، لكن النشطاء المؤيدين لفرض ضريبة الخطيئة يجادلون بأنه يمكن استخدام العوائد المالية لتلك الضريبة لتعزيز أنماط الأكل الصحي.

من جانبه، قال الدكتور طوني فيرمان أستاذ الاقتصاد الصحي في جامعة أكسفورد، "في المملكة المتحدة على سبيل المثال تشير التقديرات إلى أن سمنة الأطفال جنبا إلى جنب مع انتشار السمنة لدى البالغين تكلف بريطانيا أكثر من ستة مليارات جنيه استرليني سنويا من إجمالي تكاليف الرعاية الصحية المباشرة، إضافة إلى 27 مليار جنيه خسائر في الإنتاجية، ومن ثم تقليل استهلاك الأطعمة والمشروبات غير الصحية من شأنه أن يفيد الصحة".

وأضاف أن "الضرائب رافعة قوية يمكن من خلالها تحقيق ذلك، ويمكن زيادة تلك الضرائب على المشروبات السكرية، ولهذا سبب وجيه، لأنها تؤدي إلى زيادة الوزن بين الأطفال، وترتبط ارتباطا مباشرا بمرض السكري بغض النظر عن السمنة وغيرها من الأمراض الأخرى ولا تحتوي على فائدة غذائية تتجاوز الطاقة التي يتم الحصول عليها من السكر".

مع هذا فإنه في الوقت الذي أصبحت فيه الضرائب على المشروبات السكرية أكثر شيوعا وقبولا مجتمعيا، فإن الضرائب على الأغذية المتعلقة بالصحة أقل وأندر نسبيا، ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب صعوبة تنفيذها سياسيا وإداريا، ولأنه من الصعب التنبؤ بما سيتحول الناس إلى استهلاكه بدلا من ذلك.

والطعام بخلاف المشروبات الغازية أو السكرية ضروري للبشر، واختيار الأطعمة لفرض الضرائب عليها، لتحسين النظام الغذائي للسكان، يمثل تحديا، كما أن أي ضريبة غذائية متعلقة بالصحة يجب أن تأخذ في الحسبان تحول المستهلكين دون قصد إلى بدائل أقل صحة.

وتشير بعض الدراسات إلى أن فرض الدنمارك ضريبة على المنتجات الغذائية ذات الدهون المشبعة أدى إلى زيادة طفيفة في استهلاك الملح، ما عارض جزئيا الفوائد التي جناها المجتمع من انخفاض استهلاك الدهون المشبعة.
ويدفع ذلك بعض العاملين في مجال الصناعات الغذائية إلى إبداء ملاحظات على فكرة "ضريبة الخطيئة".

بدورها، ذكرت ليندا بلاكلي من اتحاد الأطعمة والمشروبات، أن "المصنعين ملتزمون بتحسين المظهر التغذوي لمنتجاتهم من خلال تقديم أحجام مختلفة، والشركات تواصل الابتكار، لكن في الأغلب ما يستغرق ذلك وقتا ويتطلب استثمارات كبيرة، وأحيانا يمثل تحديا تقنيا لعملية إنتاج الطعام، ومن ثم فإن الضرائب الإضافية ستجعل المهمة أكثر صعوبة من خلال إضافة عبء مالي ورفع التكاليف".

والضرائب إذا فرضت على الأطعمة غير الصحية ستكون بمنزلة عصا تستخدم ضد الصناعة، وصناعة الأغذية والمشروبات في حاجة إلى جزرة وليس عصا للمشاركة في مكافحة السمنة.

وتواصل ليندا بلاكلي اعتراضها على فرض مزيد من الضرائب على الأغذية غير الصحية، بدعوى أن التجارب المتاحة تشير إلى أن فرض هذا النوع من الضرائب لا يرفع تكاليف المعيشة فحسب، لكن له آثار اقتصادية ضارة، حيث ينصب ضرر الضرائب غير المباشرة على الفقراء وكبار السن، وفي بعض البلدان الأوروبية التي فرضت هذا النوع من الضرائب يقوم المستهلكون بعبور الحدود وشراء الطعام من بلدان مجاورة لأنه أرخص ثمنا، أو يتحولون إلى علامات تجارية أقل جودة.

من هذا المنطلق يعتقد البعض أن الفقراء ونظرا إلى أنهم ينفقون نسبة أعلى من دخلهم على الغذاء وتناول كميات أقل من الطعام الصحي، فإنهم المتضرر الأول من تلك الضرائب، وعلى سبيل المثال وجدت دراسة عن هذا الموضوع في فرنسا أن الضرائب على الأغذية غير الصحية جعلت النساء ذوات الدخل المنخفض يفضلن شراء الطعام الذي يحبونه بدلا من شراء الأطعمة الغذائية الصحية، وكانت الخلاصة أن فرض الضرائب على الطعام الذي يأكلونه حتى لو كان غير صحي يجعل الفقراء أكثر فقرا.

وبين وجهة نظر الدكتور طوني فيرمان المطالب بفرض ضرائب على الأغذية والمشروبات غير الصحية، ووجهة النظر المعارضة لليندا بلاكلي، يبحث البعض عن حل وسط في محاولة لإرضاء جميع الأطراف، لضمان صحة المستهلك من جانب وعدم الإضرار بشركات المواد الغذائية والمشروبات من جانب آخر.

ولا يرفض هذا النهج الوسطي فكرة الضرائب، لكنه يرى أنها ليست الوسيلة الوحيدة للحد من إنتاج واستهلاك المواد الغذائية غير الصحية.

بدوره، ذكر الدكتور إل. دي. اليوت أستاذ الصحة العامة في جامعة لندن "في البلدان الغنية تزداد النظم الغذائية للناس سوءا ويزدادون بدانة، ومن هنا تأتي شعبية ضريبة الخطيئة أو ضريبة الدهون بهدف زيادة تكلفة الغذاء غير الصحي، لكن تصميم هذا النوع من الضرائب ليس بالأمر اليسير".

وأضاف "يمكن أن نفكر في بدائل مثل رفع الضرائب أو خفضها عن الأكل الصحي، ومثل هذا يعني أن ثمن الطعام غير الصحي ارتفع نسبيا دون أن نفرض عليه ضرائب، وهذا يعني مزيدا من الاستهلاك للأطعمة الصحية، يمكن أيضا أن يتم عدم السماح للمحال التجارية التي تبيع أطعمة غير صحية أن تكون بعيدة عن مدارس الأطفال بمسافة معينة، أو أن يكون عدد تلك المحال في الأسواق التجارية محدودا".

وتابع "يجب أيضا أن نأخذ التوعية في الحسبان بديلا للضرائب أو أن تنضم التوعية إلى الضرائب لخفض استهلاك الأطعمة الغذائية والمشروبات غير الصحية، فلا يجب أن نتحدث فقط عن فكرة الضرائب والحظر كوسيلة، وعلينا أن نركز أيضا على الترويج للأغذية الصحية وجعل ثمنها أرخص وفي متناول الجميع".

المصدر: الاقتصادية