رام الله-(الحياة الجديدة)- أيهم أبوغوش- منذ بداية العام والفلسطينيون يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة في ظل ارتفاع أسعار عدد من السلع والخدمات لأسباب مختلفة، ولكن هل تدركون حقيقة كم ارتفعت المعيشة خلال سنة؟
تشير الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن نسبة التضخم حسب الأسعار الجارية بلغت 3.57%، وذلك بحساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك مع نهاية أيلول المنصرم (2022) مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي(2021).
فقد بلغت نسبة الارتفاع في مؤشر غلاء المعيشة في الضفة خلال هذه الفترة 3.55% وفي قطاع غزة 3.06%، وفي القدس 4.49%. أي أن التضخم عمليا التهم ما نسبته 3.57% من الأجور، بمعنى أن كل 100 شيقل فقدت 3.57 شواقل من قيمتها خلال سنة فقط.
الغلاء يصيب السلع الأساسية
من اللافت أن الغلاء أصاب معظم المجموعات السلعية التي تدخل ضمن جدول غلاء المعيشة، سواء كانت هذه المجموعات أساسية أم غير ذلك، لكن بكل تأكيد تظل السلع الأساسية تفرض نفسها باعتبار أن ارتفاع سعرها يعني مسا تلقائيا بالفئات الفقيرة والمهمشة والمتوسطة.
فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية التي تشكل وزنا قيمته 28% في المؤشر خلال سنة فقط ما نسبته 6.81%، كما ارتفعت تكاليف المسكن والمياه والكهرباء والغاز وغيرها من الوقود 2.21%، فيما صعدت تكاليف المواصلات بنسبة 2.70%.
وتشكل المجموعات الثلاث أي الغذاء والمواصلات والسكن ومستلزماته نحو 52% في وزن المؤشر ما يعني أن ارتفاعها يمس فئات اجتماعية كبيرة كون أن وزن كل مجموعة متعلق بحجم إنفاق السلع التي تندرج فيها مقارنة مع مستويات دخولها، ما يعني تلقائيا أن ارتفاع وزنها في المؤشر يؤكد على أن المجتمع الفلسطيني فقير، وبالتالي فإن صعود الأسعار فيها يقود حتما إلى المس بالفئات الفقيرة والمهمشة والمتوسطة.
أي المواد الغذائية الأكثر ارتفاعا؟
يكاد الغلاء خلال سنة يشمل معظم المواد الغذائية لكن بنسب متفاوتة، فأسعار الحبوب ومنتجات الحبوب صعدت بنسبة 6.95%. وبلغ الارتفاع في دقيق الحبوب 14.63%، والخبز بنسبة 10.26%.
أما الحيوانات الحية واللحوم وأجزاء أخرى من الحيوانات البرية المذبوحة فقد ارتفعت بنسبة 8.51%، وتحديدا أسعار الدجاج صعدت بنسبة 12.77%، والبيض بنسبة %10.5، والحليب ومنتجات الألبان والبيض بنسبة 3.95%، واللبنة بنسبة6.61%.لكن الزيوت النباتية والدهون كانت الأكثر ارتفاعا إذ صعدت بنسبة 11.58%، وتحديدا زيت عباد الشمس الذي صعد بنسبة 30.6%، فيما ارتفع سعر زيت الذرة بنسبة 19.64%. كما صعدت أسعار الخضراوات الطازجة بنسبة 18.49%، ومن بين هذه المجموعة كان الباذنجان يحلق عاليا في السعر بارتفاع نسبته 33.10%، ثم البندورة بنسبة 25.8%، والزيتون بنسبة 15.88%، فيما طال الغلاء السكر الذي ارتفع بنسبة 4.38%، وكذلك الملح بنسبة 5.32%. ولم تسلم المشروبات غير الكحولية من الارتفاع إذ صعدت بنسبة 6.31%، وتحديدا العصائر التي ارتفعت بنسبة 10.63%.
يذكر أن غلاء أي سلعة داخل أي مجموعة يؤثر في المؤشر حسب وزنها، فمثلا ارتفاع أسعار الخبز وإن كان سلعة أساسية لا يؤثر كما الدواجن؛ لأن إنفاق الأسرة الفلسطينية على الدواجن شهريا يكون أكثر من إنفاقها على الخبز، لهذا سنجد أن الدواجن تمثل وزنا نسبته 13.37% في المجوعة الغذائية، واللحوم 11.9%، والحليب ومنتجات الألبان الأخرى 8.82%، والفواكه الطازجة 6.97%، والخضار والدرنات والبقول بنسبة 15.42%، بينما يبلغ وزن مجموعة الحبوب ومنتجات الحبوب 17.95% ككل تضم عدة منتجات من بينها الخبز الذي يصل وزنه إلى 5.23%، ولهذا فإن ارتفاع أسعار اللحوم أو الدواجن أو الألبان والخضار والفواكه قد يؤثر على المؤشر أكثر من زيادة أسعار الخبز.
غلاء في السكن والمواصلات
أما فيما يتعلق بأسعار المسكن ومستلزماته من مياه وكهرباء وغاز وغيرها من الوقود فقد ارتفعت بنسبة 2.21%، فقد صعد إيجار السكن بنسبة 3.09%، والكهرباء والغاز وغيرها من الوقود بنسبة 1.69%، والوقود السائل بنسبة 14.82%.
وفيما يتعلق بمجموعة المواصلات ارتفعت بنسبة 2.70%، فقد صعدت أسعار شراء المركبات بنسبة 6.13%، ووقود الديزل بنسبة 14.93%، والبنزين للاستخدام الشخصي بنسبة 11.09%.
السلع الأخرى لم تسلم من الغلاء
ولم تسلم المجموعات الأخرى المدرجة في المؤشر من غول الغلاء خلال سنة، فقد ارتفعت أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الموبايل بنسبة 7.33%، وخدمات التعليم بنسبة 2.50%، وخدمات الترفيه بنسبة 2.10%، والمطاعم وخدمات الإقامة بنسبة5.48%، والتأمين والخدمات المالية بنسبة 0.93% (هذا الارتفاع مسجل قبل قرار متوقع برفع الفوائد البنكية في فلسطين)، كما ارتفعت أسعار المفروشات والمعدات المنزلية وصيانة المنازل بنسبة 3.87%، والرعاية الشخصية والحماية الاجتماعية والسلع والخدمات المتنوعة بنسبة 0.77%، والسجائر بنسبة 3.44%، والملابس بنسبة 4.48%.
ما السلع التي انخفضت أسعارها؟
في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار أكثر من 400 سلعة مدرجة في المؤشر من أصل قرابة 440 سلعة، فإن سلعا محدودة يمكن القول إنها "هامشية" سجلت انخفاضات متباينة خلال الفترة ذاتها، ومعظم هذه السلع مرتبطة بمجموعة الفواكه والمكسرات، فقد انخفضت هذه المجموعة بنسبة 2.09%، فمثلا تراجع سعر الأفوجادو بنسبة 25.8%، والكاكا بنسبة 24.21%، والمانجا والجوافة بنسبة 17.35%، والحمضيات بنسبة 11.15%، وتحديدا البرتقال بنسبة 24.27 %، والتمر والتين والفاكهة الاستوائية بنسبة 4.43%، كما انخفضت أسعار الخضراوات المجففة بنسبة 9.02%، والمشمش بنسبة 5.82%، والبطيخ بنسبة 6.34%، كما انخفض سعر البسكويت بنسبة 2.61%.
موجة الغلاء مرشحة للاستمرار
تستهدف الحكومات عادة نسبة تضخم أقل من 3%، وعادة ما يترافق التضخم مع نمو اقتصادي، لكنه في فلسطين يعد تضخما مستوردا كونها تستورد أكثر من 75% من احتياجاتها، لذلك تظل الأسعار المحلية في الأغلب انعكاسا لما يحصل في السوق العالمية.
ولذلك فإن ارتفاع نسبة التضخم عن 3% في ظل محدودية الدخول، يعني بالضرورة مسا بالفئات الاجتماعية الأضعف خاصة إذا كان التضخم انعكاسا لغلاء سلع أساسية مثل الغذاء والمحروقات.
وحول ذلك يوضح الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس قائلا: "فلسطين تلحق العالم فيما يتعلق بالغلاء، إذ إن تركيبة اقتصاد العالم مبنية على النظام الرأسمالي الذي يحدد بأن العالم وحدة اقتصادية واحدة، فإذا أصاب هذا الاقتصاد أي عامل سلبي فإن كل الدول دون استثناء تتأثر تأثرا مباشرا".
ويضيف "رغم أن الاقتصاد الفلسطيني تابع لما يجري في السوقين العالمية والإسرائيلية، غير أن قدرته على امتصاص التضخم والغلاء في الأسعار كبيرة كونه اقتصادا صغيرا"، مشيرا إلى أن نسبة التضخم خلال سنة واحدة وصلت فقط إلى 3.57% في فلسطين، بينما وصل التضخم في اقتصادات عالمية إلى 8% كما في الولايات المتحدة و4.6% في إسرائيل.
لكن د. أبو الروس يوضح بأنه رغم أن نسبة التضخم في فلسطين أقل من دول أخرى لكنها تمس المواطن بشكل كبير نظراً لمحدودية دخله مقارنة مع دخول مواطني دول أخرى من ناحية، ومن ناحية ثانية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة وصلت إلى 7%، وهي التي تستحوذ على حصة الأسد في سلة إنفاق الأسرة الفلسطينية.
ويقول "نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إذا ما قورنت بمستوى دخل المواطن وحالة الظروف الاقتصادية التي يمر بها، فإنها تشكل نسبة كبيرة لتضيف عليه عبئا اقتصاديا جديدا".
ويؤكد د. أبو الروس أن ارتفاع أسعار سلع أساسية مثل الزيوت النباتية والقمح يعني ارتفاعا تلقائيا في العديد من مدخلات الإنتاج، وبالتالي فإن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ينذر باستمرار ارتفاع هذه السلع كون أن هاتين الدولتين مصدرتان أساسيتان لهذه المواد.
ويضيف "كما أن إمدادات الطاقة تعاني من مشاكل، وبالتالي فإن الطلب مرشح للارتفاع مقابل كميات الإنتاج خاصة خلال فصل الشتاء، الأمر الذي ينذر بارتفاع كبير آخر على الأسعار وسيقود إلى استمرار موجة التضخم وربما نموها".
في غضون ذلك يتوقع د.أبو الروس أن يلمس المواطن الفلسطيني قريبا ارتفاعا في كلفة الخدمات المالية المقدمة وبخاصة فيما يتعلق بالقروض البنكية، نتيجة رفع الفائدة عدة مرات في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني ارتفاع كلفة الإقراض.
ويقول"رفع الفائدة عالميا وإسرائيليا سيؤثر على كلفة الإقراض في الدول كافة بما فيها فلسطين، لذلك يتوقع أن تلجأ البنوك العاملة في فلسطين إلى رفع الفوائد على المقترضين، لتشمل الزيادة القروض التي منحت سابقا، كون أن العميل مرتبط باتفاقية مع البنك تتيح للأخير فرصة تعديل كلفة الإقراض في حالة تغيير أسعار الفائدة عالميا".
رغم أن ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في فلسطين خلال سنة، يفوق المعدلات الطبيعية، إلا أن موجة الصعود لن تنتهي في الأفق المنظور قياساً إلى معطيات اقتصادية عالمية كالحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها خاصة تلك المتعلقة بإمدادات الطاقة، إلى جانب التوجه المستقبلي لدى البنوك المركزية العالمية بالإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة.