رام الله-(وفا)-كان لافتا رضى الحكومة الفلسطينية من اجتماع المانحين هذه المرة، والذي عُقد في نيويورك في 25 أيلول/سبتمبر الجاري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومبعث الرضا الفلسطيني من هذا الاجتماع الذي شاركت فيه 30 دولة ومؤسسة دولية، إقرار المشاركين، وترحيبهم، بجدية وعمق الإصلاحات المالية التي بدأت الحكومة الفلسطينية تنفيذها، والتي كانت إحدى التوصيات الثلاث الثابتة في اجتماعات لجنة ارتباط وتنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، إضافة إلى مطالبة إسرائيل بإزالة القيود التي تفرضها على الاقتصاد الفلسطيني، أو تخفيفها على الأقل، ودعوة المانحين إلى زيادة مساعداتهم للسلطة الفلسطينية.
الإصلاحات التي حملتها الحكومة الفلسطينية إلى اجتماعات المانحين، وفق مستشار رئيس الوزراء للتخطيط وتنسيق المساعدات اسطفان سلامة، تتوزع في ثلاثة محاور رئيسية: تقليل فاتورة رواتب الموظفين العموميين، وإصلاح النظام الصحي بما يقود إلى تقليل فاتورة التحويلات الطبية إلى الخارج، وأخيرا معالجة صافي الإقراض، وهو بند في جانب النفقات العامة نشأ عن اقتطاعات إسرائيل من المقاصة بدل خدمات تشتريها جهات أخرى كشركات الكهرباء وبلديات، وتحولت إلى دينا على هذه الجهات لصالح الحكومة.
في تفاصيل خطة الإصلاح، تخطط الحكومة إلى خفض فاتورة الرواتب، والبالغة 200 مليون دولار شهريا، بنسبة 25% حتى نهاية العام الجاري، ليصل الخفض إلى 50% مع نهاية العام القادم، وهي خطوة يرى وزير المالية شكري بشارة إنها باتت ضرورية لمنع انهيار النظام المالي الفلسطيني، بقوله "لا يمكن أن يستمر الوضع وتبقى فيه الرواتب وأشباه الرواتب تستهلك 100% من الإيرادات العامة، فهذا غير ممكن".
واشباه الرواتب هي مخصصات تدفع شهريا، وبانتظام، لفئات من غير الموظفين، وتحديدا عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، وهذه لن تمس وفق تأكيدات صدرت وتصدر عن السلطة الفلسطينية بكافة مستوياتها.
لكن كيف سيتم خفض فاتورة الرواتب؟
هناك العديد من الاجراءات كشف عنها وزير المالية لـ"تنقية الرواتب من الشوائب"، كعلاوات وبدلات غير مستحقة، لكن حجز الزاوية في هذا المحور من الإصلاح يتمثل بإحالة أعداد كبيرة نسبيا من الموظفين إلى التقاعد.
وأوضح وزير المالية أن معظم الخفض في فاتورة الرواتب هذا العام (30%)، سيأتي بإحالة عدد من الموظفين إلى التقاعد الاختياري (بناء على طلبهم)، على أن يتوسع الاجراء في العام القادم إلى إحالة اجبارية لعدد آخر من الموظفين المدنيين، ومنتسبي الأجهزة الأمنية.
ويبلغ إجمالي عدد موظفي السلطة الفلسطينية حاليا نحو 140 ألف مدني وعسكري، ولا يعرف حتى الآن عدد المتوقع احالتهم إلى التقاعد، اختياريا أو اجباريا، والذي قد يتجاوز 30 ألف موظف.
وفقا لوزير المالية الفلسطيني، سيرافق عملية الإحالة إلى التقاعد وقف شبه تام للتعيينات، باستثناء قطاعي الصحة والتعليم، ومعالجة ملف الموظفين غير الفاعلين، وتقنين المياومات والعقود، ووقف العلاوات غير المبررة، والترقيات.
وفيما يتعلق بصافي الإقراض، يؤكد وزير المالية بشارة إن جهد الحكومة ينصب الآن على خفض هذا البند.
وبلغ صافي الإقراض في النصف الأول من العام الحالي 373 مليون دولار، متجاوزا بفارق ملحوظ تقديرات الحكومة في الموازنة عند 229 مليون دولار.
كذلك، يؤكد بشارة إن الحكومة مصممة على معالجة النزيف الذي تتسبب به التحويلات الطبية إلى خارج مراكز الصحة، معتبرا أن تحقيق هذا الهدف "بحاجة لمعالجة شاملة للنظام الصحي، بما يحسن الخدمات داخل مراكز الصحة الحكومية، وبناء نظام تأمين صحي أكثر عدالة".
وتضطر وزارة الصحة الفلسطينية إلى تحويل المرضى الذين لا يتوفر لهم علاج في مراكزها إلى مستشفيات القطاع الخاص، أو دول أخرى من بينها إسرائيل، ما يستنزف مبالغ بمئات ملايين الدولارات سنويا من الخزينة العامة.
وبلغت كلفة التحويلات الطبية من وزارة الصحة الفلسطينية حوالي 300 مليون دولار في العام 2021، شكلت حوالي 30% من إجمالي النفقات التشغيلية لكافة الوزارات.
لكن الحكومة الفلسطينية، ورغم بدء هذه الخطة الطموحة للإصلاح المالي، تحرص على التاكيد دوما أن أساس الأزمة المالية المزمنة التي تعانيها، والعجز المتراكم في المالية، سببه الرئيسي الممارسات الإسرائيلية لمنع تطور الاقتصاد الفلسطيني، وانتهاكاتها المستمرة للاتفاقات الثنائية، خصوصا بروتوكول باريس الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الطرفين، والتنفيذ غير المتكافئ لبنوده.
وتقول السلطة الفلسطينية إن هناك ثلاثة ملفات مالية عالقة مع إسرائيل، أبرزها أموال جرى اقتطاعها من المقاصة الفلسطينية من طرف واحد وخلافا للاتفاقيات والقوانين الدولية، مقابل ما تدفعه السلطة من مخصصات لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، وبلغ المجموع التراكمي لهذه الاقتطاعات من 2019 حوالي 550 مليون دولار، وايضا غياب الشفافية في احتساب قيمة المقاصة، والمبالغ الاضافية الي يدفعها الفلسطيني كرسوم على المعابر الدولية، وعمولة جباية الضرائب من قبل إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية.
وتقول وزارة المالية الفلسطينية إن معالجة هذه الملفات توفر للخزينة العامة ما لا يقل عن 500 مليون دولار سنويا، من شأنها خفض العجز في الموازنة العامة إلى أقل من النصف.
وتأمل الحكومة الفلسطينية أن تقنع خطة الإصلاح التي بدأت تنفيذها المانحين بإعادة ضخ المساعدات للخزينة العامة الفلسطينية، والتي شهدت تراجعا كبيرا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وباتت أقل من 30% عن مستواها في العام 2013.