أطفال لاجئون يجبرون على ترك مدارسهم في قطاع غزة

Publishing Date
تصوير "شينخوا"

غزة- (شينخوا) تسببت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة في تخلي أطفال لاجئين عن مقاعدهم الدراسية والتوجه إلى سوق العمل لمساعدة عائلاتهم الفقيرة.

وأحمد الأغبر واحد من هؤلاء الأطفال حيث يعيش مع عائلته المكونة من 13 فردا في بيت قديم ومتهالك في مخيم "الشاطئ" للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، ثالث أكبر المخيمات اكتظاظا بالسكان في القطاع.

ويشتكي الأغبر من الفقر الشديد الذي حال دون تمكنه من استكمال دراسته في إحدى مدارس الوكالة الأممية التي تقوم على تقديم الخدمات لسكان المخيم منذ عامين، مما دفعه إلى التوجه إلى البحر للعمل مع والده في مهنة الصيد.

ولم يستطع والد الطفل توفير أدنى متطلبات الحياة له ولأخوته خلال فترة دراستهم بالمدرسة من حيث الحصول على المصروف اليومي وشراء الزي المدرسي مثل باقي الطلاب، بحسب ما يروي الأغبر (12 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)).

ويقول "دوما كنت أشعر بأنني أقل من مستوى أصدقائي الاجتماعي والاقتصادي، في وقت كانوا يتنمرون على وضعي ويعتبرونني شخص غير مرغوب فيه بينهم".

وما زاد الأمر سوءا، هو أنه عندما كان يعود الأغبر إلى منزله لا يجد طعاما ولا مالا، قائلا الطفل ذو الجسد النحيف :"كنت أضطر أن آكل مرة واحدة فقط في اليوم"، وفي محاولة للتخفيف من العبء المالي على والده الذي يعمل صيادا، قرر الطفل ترك المدرسة والتوجه إلى العمل من أجل جني القليل من المال لإحضار الخبز لإخوته الآخرين.

ويقول أنا كنت أرغب أن أكمل دراستي وأن أصبح أستاذا في المستقبل، لكن الفقر والجوع لم يسمحا لي بتحقيق حلمي (...) واليوم، لدى مسؤولية تجاه عائلتي ويجب علي أن أعمل من أجل مساعدة أشقائي الآخرين.

وقبل 16 عاما، كانت تعيش عائلة الأغبر في مستوى اقتصادي واجتماعي مناسب، وذلك قبل أن تفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليه في عام 2007.

وتقول أم أيمن الأغبر، جدة أحمد، لـ ((شينخوا)) إن حياة عائلة ابنها "انقلبت رأسا على عقب" بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 15 عاما، فأصبحت تعتمد بشكل أساسي على المساعدات المالية والغذائية التي تقدمها الأونروا.

وتضيف الجدة التي تشكو صعوبة الحال عام بعد عام، أصبحت الأونروا تقلص من خدماتها بشكل كبير، وخاصة المواد التموينية مما تسبب في نسب العجز بكميات الطعام للأطفال.

وما زاد الطين بلة، حسب ما تقول المسنة، هو شن إسرائيل عدة حروب على قطاع غزة، مما تسبب بتدهور شديد في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وتقول "لم يعد لدى الناس أي أمل بالحياة".

كل ذلك، تسبب بشكل كبير في تراجع المستوى التعليمي لدى أحمد مما اضطره للتخلي عن مقعده الدراسي مقابل أن يجني دولارين أمريكيين يوميا بعد أن يعمل لمدة 8 ساعات متواصلة.

ويقول الأغبر "في كل مرة أشاهد طلاب المدارس يذهبون إلى المدرسة أشعر بالحسرة والحزن الشديد لأنني محروم من التعليم بسبب الفقر والحرب وتقليص خدمات الأونروا".

1


ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للطفل يوسف الغول (14 عاما) الذي ترك مدرسته قبل نحو شهرين كي يعمل على عربة لنقل البضائع للزبائن في الأسواق الشعبية.

ويقول الغول لـ ((شينخوا)) إن البقالة التي كان يعمل بها والده قصفت في غارة إسرائيلية في موجة التوتر الماضية في مايو من العام الماضي فأفقده مصدر رزقه الوحيد ما أثر سلبا على وضعه النفسي.

ويضيف أن والده لم يستطيع العمل في أي مكان آخر بسبب قلة فرص العمل (...) وبعد شهرين تقريبا اكتشف أنه يعاني من سرطان في الدم وهو بحاجة لعلاج ولا يمكنه العمل نهائيا.

ويعيش الغول مع أسرته المكونة من 8 أفراد في بيت بالايجار في ذات المخيم، لكنهم لم يتمكنوا من دفع الإيجار بسبب ظروفهم الطارئة، في وقت هدد مالك البيت بطردهم في حال لم يتمكنوا من تسديد المستحقات المتراكمة عليهم.

وعلى إثر ذلك قرر يوسف و3 من إخوته ترك المدرسة والعمل، حيث كل واحد فيهم يجني حوالي 3 دولارات يوميا، بالكاد تمكنهم من دفع الإيجار وتوفير الحد الأدنى من الطعام اللازم لعائلتهم.

وأحمد ويوسف من بين عشرات الأطفال اللاجئين الذين تركوا مدارسهم في القطاع وتوجهوا إلى العمل اليومي مقابل المال من أجل إعالة عائلاتهم.

ويعتمد غالبية الفلسطينيين على المساعدات الغذائية والمالية التي تقدمها المؤسسات والمنظمات الدولية بما فيها الأونروا التي تقدم خدماتها التعليمية والصحية والغذائية للاجئين في القطاع.

ولكن، الأونروا تعاني من أزمة مالية خانقة منذ سنوات بسبب وقف الولايات المتحدة الأمريكية دعمها المالي للوكالة الدولية إثر مواقف سياسية من القضية الفلسطينية.

ويرى درداح الشاعر الإخصائي النفسي أن الأزمة المالية التي تعاني منها الأونروا سببا رئيسيا في تقليص خدماتها التعليمية والصحية والغذائية التي تقدمها لسكان قطاع غزة غالبيتهم من اللاجئين.

ويقول الشاعر لـ ((شينخوا)) إن وقف الدعم الأمريكي للأونروا "تسبب في تضرر الحالة التعليمية في غزة خاصة بعدما توقفت مدارس الوكالة عن تقديم الأدوات اللوجستية التعليمية للطلاب مثل الدفاتر والأقلام وأيضا الوجبات الغذائية".

واعتبر أن هذه الخطوات أثرت سلبا على حالة الطلاب النفسية وأصبحوا يشعرون بأن المدارس هي عبء أكثر من كونها مؤسسة تسعى إلى تعليمهم وتطويرهم وتهيئتهم ليكونوا بناة للمستقبل.

وأضاف أن الأمر شكل عبئا ماليا جديدا على الأسر التي تعاني أصلا من الفقر المدقع بسبب الحصار الإسرائيلي، لذلك، نحن نجد بأن هناك الكثير من الطلبة أصبحوا يكرهون التوجه إلى المدارس ويفضلون الهرب إلى سوق العمل لعلهم يساعدون أسرهم في جني المال لتوفير الطعام اللازم.

وتوقع الشاعر بأن المجتمع الفلسطيني سيدفع ثمنا تربويا كبيرا بسبب ترك الطلاب للمدارس في خلق جيل جديد غير متعلم وغير قادر على المساهمة في بناء دولة عتيدة.

وأعرب عن خشيته من أن تتسبب الحروب وتقليص خدمات الأونروا في خلق جيل جديد "لا يؤمن بالعملية التعليمية والهوية الوطنية والتطور البشري، ما يعني عودة الحياة في غزة إلى الجهل مجددا".