رام الله-(الحياة الجديدة)-ميساء بشارات- تلجأ البنوك المركزية إلى رفع سعر الفائدة عند وصول الاقتصاديات إلى حالة من التضخم الاقتصادي، أي ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب بسبب توافر السيولة في الأسواق.
فماذا يعني رفع سعر الفائدة للمستهلك في فلسطين، خصوصًا في ظل ارتباط أغلبية المقترضين الفلسطينيين بعملتي الدولار والشيقل؟ وكيف ستكون تأثيرات ذلك الرفع على الاقتصاد الفلسطيني، رغم عدم وجود عملة وطنية؟!
يؤكد المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، أن لرفع سعر الفائدة أو خفضها آثارًا ايجابية وأخرى سلبية على الدورة الاقتصادية، مشيراً إلى أن رفع سعر الفائدة على عملة معينة يزيد من كلفة الاقتراض، فمن يريد الاقتراض مثلا بعملة الشيقل وكان هناك رفع للفائدة عليها من أجل الاستثمار أو الاستهلاك ستكون التكلفة أعلى، لكن في الوقت نفسه يقود رفع سعر الفائدة إلى تقليل نسبة السيولة النقدية في الأسواق لأن المستهلكين سيحجمون عن الاقتراض والاستهلاك، وهذا يقود إلى تقليل الطلب على السلع والخدمات ما يعني وضع حد للتضخم أي يهبط بالأسعار أو يحد من صعودها.
ويضيف عبد الكريم لـ "الحياة الاقتصادية" أن رفع سعر الفائدة من الناحية النظرية يحد من النمو الاقتصادي ويضعفه، ومن ناحية عملية فإن رفع سعر الفائدة مؤخرا على عدد من العملات منها الدولار والشيقل سيكون تأثيره محدودا على الاقتصاد الفلسطيني، ولن يؤثر كثيرا على سلوك المقترضين أو المستثمرين كون فلسطين تفتقر لعملة وطنية وعمليات الاقتراض تتم بعملات متنوعة تبعا للدول المصدرة للعملة مثل الدولار والشيقل، إذ إن رفع نسبة الفائدة على هاتين العملتين كان محدودا.
وكان بنك إسرائيل المركزي، قرر الإثنين الماضي، زيادة أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 4 أعشار نقطة مئوية لتصبح 0.75 بالمئة، وهو أعلى معدل في 8 سنوات، مع استمرار النمو القوي للاقتصاد الإسرائيلي وارتفاع التضخم.
وهذه هي المرة الثانية يرفع فيها البنك أسعار الفائدة خلال شهرين، إذ رفعها بواقع ربع نقطة مئوية إلى 0.35 بالمئة في أبريل/نيسان الماضي، بعد أن بقيت مستقرة عند 0.1 بالمئة منذ أبريل 2020.
وقال البنك في بيان: إن اقتصاد إسرائيل "يسجل نمواً قوياً، مصحوباً بسوق عمل متشدد وزيادة مستمرة في بيئة التضخم، لذلك قررت لجنة السياسة النقدية مواصلة زيادة سعر الفائدة بالتدريج".
وأوضح البنك أنه سيحدد وتيرة رفع سعر الفائدة، خلال الأشهر المقبلة، "وفقًا لبيانات النشاط الاقتصادي وتطور التضخم".
وبلغ معدل التضخم السنوي في إسرائيل خلال نيسان 4 بالمئة، وهو ضعف النطاق المستهدف من البنك المركزي عند 2 بالمئة، والأعلى منذ 11 عاما.
كما رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة الأساسي بمقدار ضعف حجم الزيادة المعتادة في سعر الفائدة، وذلك للمرة الثانية خلال العام الحالي.
وعززت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC)، وهي لجنة من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي المسؤولين عن السياسة النقدية، أسعار الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى نطاق مستهدف من 0.75 إلى 1 في المائة.
وبعد ترك أسعار الفائدة قريبة من الصفر لعام 2021 بالكامل، تعهد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وقادة البنوك الآخرون بإعادة تكاليف الاقتراض بسرعة إلى مستويات لن تحفز الاقتصاد.
ويرى الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس، أن البنوك المركزية للدول ترفع سعر الفائدة بهدف سحب السيولة النقدية الموجودة في السوق من خلال تشجيع المستثمرين على الاستثمار في القطاعات المالية والبنكية، وبالتالي تعمل على تعزيز قيمتها وتقليل نسبة التضخم في السوق.
ويقول أبو الروس إن رفع سعر الفائدة هو إحدى الوسائل لتهذيب وضبط السوق، وتخفيض نسبة التضخم، والوصول إلى الاستقرار الاقتصادي، كحركة تصحيحية في الاقتصاد بعد تسجيل معدلات نمو مرتفعة بفعل ضخ سيولة مرتفعة في الأسواق كنتيجة طبيعية لتخفيض أسعار الفائدة في مرحلة ما.
ونوه إلى أنه كلما ارتفعت سعر الفائدة على عملة ما، فإن ذلك يعني رفع كلفة الاقتراض وزيادة نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة.
ووصل التضخم العالمي الى أعلى مستوياته، ولذلك كان قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" رفع سعر الفائدة بمقدار نصف 0.5% في أكبر زيادة خلال 22 عاما، في إطار محاولة احتواء معدل التضخم الذي ارتفع، والذي يعني زيادة أسعار السلع والخدمات.
ويشير أبو الروس الى أن السوق الفلسطيني لا يوجد لديه عملة، وهو يتبع إلى الجانب الإسرائيلي بما يتعلق بعملة الشيقل وبالتالي يتأثر الاقتصاد الفلسطيني مباشرة بأي أحداث اقتصادية لدى الجانب الإسرائيلي، فعند رفع الفائدة لدى الجانب الإسرائيلي تلقائيا سترفع البنوك الفلسطينية سعر الفائدة أسوة بالبنوك الإسرائيلية وبالاقتصاد العالمي. وبالتالي سيقوم القطاع البنكي في فلسطين أيضا برفع سعر الفائدة على المستثمرين.
وينوه أبو الروس إلى أن لرفع سعر الفائدة تأثيرا ايجابيا وسلبيا، على الاقتصاد، ويتمثل التأثير الايجابي في أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة، لأنها شكل من أشكال الاستثمار للأفراد والمؤسسات، والذين سيحصلون على إيرادات أعلى، ما يشجع على زيادة الودائع لدى القطاعات المصرفية، للاستفادة من نسب الفوائد عليها. أما التأثير السلبي فيتمثل في العزوف عن الاقتراض، نتيجة الفائدة المرتفعة عليه.
يذكر أن ودائع البنوك في فلسطين وصلت مؤخرا إلى نحو 16.6 مليار دولار، 40% منها بالدولار، و37% بالشيقل، و23% بالدينار الأردني، الأمر الذي يجعل هذه الودائع تفقد جزءا من قيمتها أوتحقق مكاسب حسب العملة التي تكسب او تخسر في سوق صرف العملات.
ويوضح أبو الروس أن المستفيد الاول من رفع الفائدة هو اقتصاد الدولة، فعندما يتم رفع الفائدة يكون هناك اقتصاد في حالة التضخم، وبالتالي تكون المنفعة لجميع المواطنين، فرفع الفائدة يعمل على تخفيص أسعار السلع نتيجة تدني الإقبال عليها بسبب غلائها، ما يضطر التجار إلى تخفيض الأسعار، وبالتالي الحد من التضخم.
ويشير الى أن القطاع المصرفي سيقوم بسحب السيولة النقدية الموجودة في السوق، وسيشجع المستثمرين على جذب استثماراتهم تجاه القطاع البنكي ليأخذ السيولة النقدية، ويعزز الوضع المالي بالبلد، ومن ثم تتوفر لديه سيولة نقدية فيستطيع إعطاء قروض ويشجع الاستثمار.
أما المواطن العادي الذي لم يقترض أو يقرض سيتأثر بانخفاض الأسعار عند حصول استقرار اقتصادي. لكن هذه القاعدة لا تسري في فلسطين بسبب تعدد العملات المتداولة وعدم وجود عملة وطنية، تستخدم في شراء المواد الأولية اللازمة في الصناعات المحلية.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين خلال شهر نيسان 2022 ارتفاعاً نسبته 1.08% مقارنة مع شهر آذار 2022.
ووصلت حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة في فلسطين حتى شهر آذار الماضي(حسب بيانات صادرة عن سلطة النقد) إلى 10.4 مليار دولار، منها 8.88 مليارات على شكل قروض، منحت بالعملات الثلاث، فوصلت قيمة القروض الممنوحة بالشيقل الاسرائيلي إلى ما قيمته 3.96 مليارات دولار، والقروض الممنوحة بالدولار ما قيمته 3.53 مليارات دولار، و1.21 مليار دولار منحت بعملة الدينار.
وهذا يعني أن رفع سعر الفائدة على أي من العملات الثلاث، سيقود إلى رفع كلفة الاقراض بالعملة نفسها.
وفي كل مرة ترتفع فيها قيمة اي عملة من العملات الثلاث، فإنه يوجد متضررون ومستفيدون حسب التغيرات في سعر صرف العملات، لكن الفائدة الأساسية هي ان كل من دخله في عملة معينة يستفيد إذا ارتفعت قيمتها خاصة إذا كانت التزاماته ونفقاته بعملة أخرى انخفضت قيمتها، بينما يتضر إذا انخفضت قيمة العملة التي تشكل مصدر دخله مقابل التزامات ونفقات بعملة أخرى ارتفعت قيمتها.
فعلى سبيل المثال، يستفيد الموظفون والعمال الذين يتقاضون رواتبهم بالشيقل في حالة ارتفاع قيمته مقابل الدولار إذا كانت قروضهم بالدولار، والعكس صحيح، إذ إن ارتفاع قيمة الدولار مقابل الشيقل يقلل من قوتهم الشرائية. بينما يستفيد الموظفون والمؤسسات التي تتقاضى دخولا بالدولار والدينار في حالة ارتفاع قيمة أي من العلملتين، وكان لديهم التزامات بالشيقل لأن قوتهم الشرائية ستزيد والعكس صحيح.
ويعد رفع أسعار الفوائد على العملات أحد عوامل زيادة قيمتها، لكنه ليس السبب الوحيد لخفض قيمة العملة أو خفضها، فهناك أسباب اقتصادية عدة سواء تتعلق بالدولة نفسها او بالاقتصاد العالمي، وكذلك الأمر يتعلق بالأجواء السياسية، وغيرها من العوامل.