رام الله-أخبار المال والأعمال- أبرز تقرير "آفاق التنمية في فلسطين 2021"، وأعده معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، محددات التنمية في فلسطين وأوجه النجاح والإخفاق فيها، ودور الاحتلال الإسرائيلي في تعطيلها، فضلا عن العوامل الذاتية في إعاقة تحقيق غاياتها.
ولفت التقرير الذي يقع في 128 صفحة، وعرض خلال ندوة نظمها "ماس"، يوم الاثنين في مقره برام الله، العديد من الجوانب المتصلة بالتجربة التنموية، بما في ذلك مسألة المعونات الخارجية، وعدم القدرة على الوصول إلى التنمية المنشودة.
وركز التقرير على عدة محاور من ضمنها، التشوه الهيكلي للاقتصاد الفلسطيني، والمسؤولية الفلسطينية في الحوكمة، قبل أن يطرح مجموعة من التوصيات لتحقيق التنمية، ترتبط أساسا بالنجاح الفلسطيني في فك التبعية عن دولة الاحتلال، وانتزاع الشعب الفلسطيني حقوقه وفي مقدمتها حق تقرير مصيره، إضافة إلى حريته وحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي فصل بعنوان "التنمية الفلسطينية المعطلة"، استذكر التقرير بدايات اتفاقات "أوسلو"، مبيناً أنه بعد 25 عاماً على منح الشعب الفلسطيني، وعداً بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، فإن مسار التنمية يقف على مفترق طرق.
وتابع: البنية الهيكلية المحيطة بالتنمية، لا تزال رهينة للسياسات القمعية التي يمارسها الكيان الاستعماري الاستيطاني المتغلغل في الأرض الفلسطينية، وتبعية اقتصاد السوق، التي حالت سياسات الاحتلال طوال سنوات وجوده، دون تنظيمه.
واستدرك: لقد أثبتت أحداث العام الماضي، أن الشعب الفلسطيني يتحمل وطأة ضغوط أكبر بكثير من مجرد عدم قدرة المجتمع الدولي، أو حتى عدم رغبته في حماية حقوقه واسترداد ما سلب منها. فقد كشفت تداعيات جائحة "كوفيد- 19"، والتي طرحت تحديات، لم تستطع العديد من الدول المتقدمة معالجتها، عن تصدعات عديدة على المستوى الوطني، لعدم امتلاك السلطة الوطنية، الموارد الكافية أو القدرة على الاستجابة كما يجب للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتنامية لشعب، حرم من حقه بالتحرر الوطني والسيادة، والحكم الديمقراطي.
وأورد أن "حالة الاستقرار النسبي في الضفة، المستمرة على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، ولدت تقبلاً لنمط معيشي آمن ومنظم، ونزوعاً للرضى والاعتياد على سيرورة هذا النمط، ما جعل الحكومة الوطنية والإقليمية والمحلية، تغفل الاستعداد لمواجهة أي أزمات طارئة، كحالة الطوارئ الصحية والاقتصادية والسياسية المطولة في العام 2020، ما يفسر حالة الإرباك العام التي شهدتها الأنظمة الصحية الحكومية في الضفة وقطاع غزة، إبان انتشار الوباء في أوائل العام 2021".
ولفت إلى أنه رغم موقع فلسطين الجيد في مؤشر التنمية البشرية ويبلغ 708ر0، ما وضعها للمرة الأولى ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية "المرتفعة"، بالتالي جاء ترتيبها في المرتبة 115 من أصل 189 دولة وإقليم، إلا أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في فلسطين لا يزال هدفا بعيد المنال، في ظل الاختلالات الهيكلية التي تعيق تحقيق التنمية.
ولفت إلى ضرورة تحليل الحلقات الرئيسة المفقودة في سلسلة التنمية الفلسطينية، وهي: التشوه الاقتصادي، والتوسع المالي والنهج الليبرالي، والحرمان الاجتماعي، وتعطل الحوكمة في العقود الماضية.
وأضاف: أفضت 25 سنة من إطار السياسات الاقتصادية "لأوسلو-باريس"، إلى إخضاع مصالح التنمية لمصالح الاقتصاد الإسرائيلي المختلف تماماً والمعولم بالكامل، ما جعل من مجرد مفهوم الاقتصاد الكلي الفلسطيني أمراً إشكالياً، وما تلا ذلك من عجز في النمو والتنمية، تراكم على مر العقود.
وأورد أنه "بالنظر إلى المأزق الحالي، ستواجه فلسطين تحديات إنمائية جسيمة في المستقبل، ولتحقيق معدلات مستدامة للنمو الاقتصادي، وتوليد فرص عمل لائقة للقوى العاملة المتنامية، وتحديداً للشبان والنساء، وتحسين الرفاه العام لسكانها بالتدريج، سيكون من الضروري إعادة هيكلة اقتصادها بشكل جذري، وحتى لو انتهى الاحتلال، فإن العديد من التشوهات الهيكلية ستستمر بلا شك، في غياب تدخلات سياساتية حاسمة تعيد هيكلة الاقتصاد المشوه بشكل جذري، وتجعل من الممكن لفلسطين أن تنتقل إلى مسار تغيير هيكلي معزز للنمو".
وأشار إلى أنه "ينبغي أن تهدف سياسات التنمية، إلى الإفلات من فخ مسار النمو المنخفض، وتعزيز نمو يقوي التحول الهيكلي للاقتصاد، للانتقال بالاقتصاد المشوه من مسار نمو قائم على الاستهلاك وموجه نحو الداخل ومدفوع بعوامل الإنتاج الأولية، نحو مسار قائم على الابتكار وموجه نحو التصدير، ولن يتسنى ذلك إلا عبر تنفيذ استراتيجية شاملة جديدة مرتكزة إلى القدرات، حيث يكون توسيع الأصول المحلية القائمة على المعرفة في صميم السعي لتحقيق مزايا تنافسية تتجاوز المنتجات الأولية، والسلع المعتمدة على العمالة غير الماهرة والخدمات التقليدية".
ورأى أن ذلك، سيستدعي تدخلات حكومية مبادرة بقدر أكبر، بغية تعزيز القدرات الاجتماعية وقدرات الشركات، بالتالي إحراز تقدم سياسي كبير، ينهي الاحتلال وإقامة دولة ذات سيادة، وإحداث تغيير بعيد المدى في اتجاه سياسات التنمية.
من جهته، أكد رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار محمد مصطفى، في مستهل الندوة، أهمية التقرير، لجهة تقديم تحليلات ومقترحات جديرة بالاهتمام لصناع القرار، وإن أشار إلى أنه لا يمكن الاتفاق مع كل ما طرحه التقرير بالضرورة.
وقال: التقرير يعرض كثيرا من القضايا المهمة، وتبين أن هناك إنجازاً حصل في فلسطين على مستوى التنمية، والمؤشرات تدل على ذلك وإن كان واضحاً أننا نرغب بالمزيد، وأنه كان بالإمكان فعل الأمور بطريقة أحسن وكلفة أقل.
وحث على توظيف التكنولوجيا في شتى نواحي التنمية، علاوة على العمل على الاستفادة من شرائح جديدة فيها.
وقدم المحاضر في جامعة "لندن" مشتاق خان، مداخلة باستخدام تقنية "زوم" بعنوان "السيناريوهات السياسية، المعونات وآفاق التنمية"، مشيراً إلى الحاجة الفلسطينية لاعتماد خطاب حقوقي في مخاطبة العالم.
ولفت إلى ضرورة مواصلة الجهود لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقهم، مبيناً أن على الشعب الفلسطيني إيجاد طرق مبتكرة لإنجاز التحرر.
وتولت عميدة كلية التجارة والاقتصاد في جامعة بيرزيت سامية البطمة، التعقيب على التقرير، مبينة أنه "يسهم في إعادة التفكير في الاستراتيجيات المختلفة، التي تؤدي إلى إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني".
وشاركت مديرة جهود الدفاع والمناصرة في المعهد الفلسطيني للدبلوماسية العامة إيناس عبد الرازق، من سبقها الرأي، موضحة أن التقرير جيد في محاولة إيجاد حلول للوصول إلى حقوق الشعب الفلسطيني، وإن لفتت إلى أن ما تناوله التقرير فيما يتصل بمسألة الحوكمة، مرتبط بمفاهيم ومعايير البنك الدولي، الأمر الذي لا ينسجم مع خصوصية الحالة الفلسطينية.
وذكرت مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" هنيدة غانم، أن التقرير ذو زخم، ويعطي أسبابا كثيرة للتشاؤم، لكنه يقدم مخرجاً معيناً أيضاً، بيد أنها أشارت إلى اتفاقها مع الاستخلاص الرئيس الذي يقدمه التقرير، وهو أن الاستثمار الأساسي يجب أن يكون في الشعب الفلسطيني.
كما قدم المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية مايكل لينك، مداخلة باستخدام "زووم"، ركز فيها على الوضع الفلسطيني وما يتصف به من شرذمة بسبب الاحتلال وممارساته عدا الانقسام، مضيفا "فلسطين حققت تقدماً كبيراً من حيث نسبة التعليم والوفيات، لكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يزداد سوءاً".
ولفت إلى تبعية الاقتصاد الفلسطيني لنظيره الإسرائيلي، مبيناً أن التقرير وتقارير المنظمة الأممية "أونكتاد" تقدم صورة واقعية حول الوضع الفلسطيني، ولماذا لم تنجح المليارات من أموال الدول المانحة في تحقيق التنمية.
وأشار إلى الحاجة إلى عملية سلام جديدة، تتجاوز "أوسلو"، منوهاً إلى ضرورة تدخل المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره.
وكان أشار مدير عام المعهد رجا الخالدي، إلى أن التقرير نتاج مخاض دام تسعة أشهر، موضحاً أنه تقرير استكشافي للبدائل المتاحة.
وبين أن التقرير يفتح المجال للتفكير بالمستقبل فيما يتعلق بالتنمية، وغيرها من المسائل التي تهم الشعب الفلسطيني.
Publishing Date