هجرة العمالة الماهرة.. تحد وجودي أمام قطاع الإنشاءات

Publishing Date
عمال بناء فلسطينيون يعملون في إسرائيل-أرشيف وكالات

رام الله- (الحياة الجديدة)- ميساء بشارات- منذ نعومة أظفاره يعمل الشاب موسى سلمان (49 عامًا) من بلدة دير بلوط غرب مدينة سلفيت، في قطاع البناء والإنشاءات في السوق الفلسطينية، ليقرر قبل ثلاثة أعوام التوجه إلى العمل في السوق الإسرائيلية.

يقول سلمان: "تعلمت المهنة من والدي الذي كان بناء، ورويدًا رويدًا أتقنت البناء فأصبحت ماهرًا فيه وملما بتفاصيله، كما أجدت عمل القصارة والبلاط والدهان وغيرها من الأعمال المهنية المتعلقة بالبناء، لكن الأجور المنخفضة عندنا والمرتفعة في إسرائيل، دفعتني للذهاب للعمل هناك لعل وعسى أستطيع تحسين دخلي".

ويضيف وهو معيل لأسرة مكونة من 8 أفراد: "ما دفعني للبحث عن عمل هناك "اسرائيل" أنني أريد تحسين مستوى معيشة أسرتي، فالأجور هنا أقل، كما تحصيل الأجور قد يستغرق أشهرًا وسنوات من انتهاء العمل، بعد المماطلة والتسويف والتقسيط".

شح العمال المهرة والمدربين

ويشير سلمان إلى أنه بعد توجه العمال الماهرين للعمل في السوق الاسرائيلية وبدأ المقاول والمستهلك يجدون شحًا في هذه الأيدي الماهرة في السوق الفلسطينية، عرفوا قيمتنا وارتفعت الأجور نوعًا ما، لكنها ما زالت قليلة بالنسبة لما نحصل عليه هناك، ولذلك الكثير من العمال يعملون في سوق دولة الاحتلال "اسرائيل". كما أن ساعات العمل محددة والحقوق واضحة ولنا مستحقات. يتابع سلمان.

كثيرون من المواطنين والمقاولين يشتكون من شح العمال المهرة والمدربين في قطاع البناء، نتيجة تفضيلهم للعمل في إسرائيل على العمل في قطاع الإنشاءات الفلسطيني.

يوسف مناصرة استمر بالبحث ثلاثة أسابيع عن بليط ماهر، لتغيير بلاط منزله، في حي الطيرة بمدينة رام الله، لكن دون جدوى.

يقول مناصرة: "جميع العاملين بمجال التبليط ممن اتصلت بهم مشغولون بورش عمل أخرى، ومنهم من يعمل في الداخل".

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء 2021، فإن 14.1% من مجموع العاملين في فلسطين يعملون في اسرائيل والمستوطنات، يشكل 18.8% منهم من الضفة الغربية، و0.1% من قطاع غزة.

مشكلة وطنية بالدرجة الأولى

ويقول المدير العام لشركة النبالي والفارس للعقارات، عماد الخطيب: نعاني في القطاع العقاري من نقص الأيدي العاملة المدربة والماهرة في البناء، بسبب توجهها للعمل في الداخل المحتل، فأحيانا نحتاج لبليط أو قصير ولا نجد، الا بصعوبة، مؤكدا على النقص في الأيدي العاملة الماهرة مثل البناء والجبص والقصارة والبلاط والألمنيوم، وغيرها في قطاع الانشاءات، وعدم توجه الشباب لدينا إلى التدريب المهني.

ويضيف: "أننا بحاجة إلى تطوير الأيدي العاملة الفلسطينية لتصبح ماهرة ومدربة في العمل، لأننا بحاجتها لإظهار البلد بالمظهر اللائق".
ويجد الخطيب عذرا لهذه الأيدي في بعض الأحيان لأنهم أرباب عائلات، يريدون توفير الأفضل لأسرهم وتحقيق مستوى معيشي أفضل.

ويشير إلى أن انتقال الأيدي العاملة الفلسطينية من فلسطين للعمل في الداخل هو مشكلة وطنية بالدرجة الأولى، مطالبًا بتأمين فرص عمل لهم بغض النظر عن تخصصهم.

رفع الأجور لتتناسب مع الأيدي العاملة الماهرة

وينوه الخطيب الى انهم بشركة النبالي والفارس يرفعون الأجور لتتناسب مع الأيدي العاملة الماهرة التي تعمل معهم، بحرفية ومهارة للحفاظ عليها، لأن المقاول في هذه الحالة لا ينظر إلى توفير الأموال بل إعطاء العامل ما يستحق، لأنه عنصر أساسي في التطوير والبناء.

معدل الأجر الشهري للعاملين في قطاع البناء والتشييد

وحسب الجهاز المركزي للاحصاء 2021، يبلغ معدل الأجر الشهري للعاملين في قطاع البناء والتشييد في الضفة الغربية 3193 شيقلا للعامل، مقابل 7627 شيقلا في قطاع البناء والتشييد في السوق الاسرائيلي.

ارتفاع الأجور في السوق الاسرائيلية

ويشير القائم بأعمال الإدارة العامة لتنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل عبد الكريم مرداوي، الى ان المحرك الأساسي لجعل سوق العمل الاسرائيلي جاذبا للأيدي العاملة الفلسطينية، هو ارتفاع الأجور في السوق الاسرائيلي، وهذا ما يجعل العمال لدينا يتهافتون للعمل داخل السوق الاسرائيلية، لغياب الفرص المعروضة بالسوق الفلسطينية، التي لا تلبي جميع احتياجات الأيدي العاملة.

كما أن ما يحصل عليه العامل الفلسطيني "المنظم" أي الذي يحمل تصريحا، من ضمانات اجتماعية وحقوق ومدخرات، يشكل أيضًا عامل جذب، فهم يحصلون على ما نسبته 20% من المدخرات عن كل شهر بصندوق التوفيرات، التي تستحق له عند الانتهاء من العمل، وهي ما يعتمد عليها العامل بمشاريعه المستقبلية حين انتهائه من العمل، أو الحصول على راتب تقاعدي عند وصوله لسن التقاعد.

غياب فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم الجامعية

ويضيف: أن عدم وجود فرص عمل تتناسب مع مؤهلات الخريجين التعليمية في السوق الفلسطينية، تدفعهم ايضًا للسوق الإسرائيلي للحصول على رواتب أعلى وتوفير مستوى معيشي أفضل وجمع النقود لعمل مشروع.

كما يشير مرداوي الى أن الأسواق الإقليمية المحيطة بنا مغلقة أمام العامل الفلسطيني باستثناء اسرائيل، التي يسهل الوصول إلى سوقها، مقابل صعوبتها في الأسواق الخارجية الأخرى، مؤكدا أن جميع هذه الأمور جعلت السوق الاسرائيلية جاذبة للأيدي العاملة الفلسطينية.

وتبلغ نسبة العمال الفلسطينيين العاملين في قطاع البناء والتشييد في اسرائيل والمستوطنات 67% من العمالة الفلسطينية، حسب الجهاز المركزي للاحصاء، 2021.

ويؤكد مرداوي أن قطاع البناء الأكثر تركيزًا من قبل اسرائيل لاستقطاب الأيدي العاملة الفلسطينية، لأنه الأكثر خطورة، ففيه تسجل العديد من حالات الوفاة، بينما 27% من الأيدي الفلسطينية العاملة في اسرائيل يعملون في قطاع الزراعة والصناعة والخدمات والفنادق والصحة.

37 حالة وفاة خلال عام 2021 في صفوف العمال الفلسطينيين

ورصدت وزارة العمل 37 حالة وفاة خلال عام 2021 في صفوف العمال الفلسطينيين، اي ما نسبته 97% من حالات الوفاة بهذا القطاع هي لعمال فلسطينيين من الضفة والداخل المحتل، في حين بلغت نسبة الوفاة في صفوف العمال الاجانب 2%، ومن العمال الاسرائيليين 1%.

ويوضح مرداوي أن العامل الاسرائيلي يعزف عن العمل في قطاع البناء والانشاءات، لأنه عالي الخطورة، فيجذبون العامل الفلسطيني اليه.

شح الايدي العاملة في السوق الفلسطينية

وينوه مرداوي إلى أن توجه الأيدي العاملة الفلسطينية الماهرة في قطاع البناء الى السوق الاسرائيلية، أدى الى شحها في السوق الفلسطيني ما أدى الى ارتفاع اجورها، لكن هذا الشح حاليا يحمل خطورة على المستوى البعيد، فتفريغ السوق الفلسطيني من الأيدي العاملة الماهرة والمدربة سيجعلنا نستورد عمال بناء من الخارج لتلبية احتياجنا.

وتتوقع وزارة العمل شحًا أكبر في الأيدي الماهرة والمدربة، وصعوبة في إيجادها في السوق الفلسطينية خلال العشر سنوات المقبلة.

زيادة عدد تصاريح العمل في قطاع البناء

ويشير مرداوي الى أن عدد تصاريح العمل في قطاع البناء وصل هذا العام الى 80 ألف تصريح عمل في البناء، بعد ان قررت حكومة الاحتلال أواخر العام الماضي زيادة العدد واعطاء 14,700 تصريح عمل في قطاع البناء داخل الخط الأخضر يمكن تنفيذها خلال عام او عامين.

 ويرى أنه يجب على مؤسسات التدريب المهني الحكومي والخاص الالتفات إلى هذه المشكلة التي قد نواجها مستقبلا، وعمل دراسة استشعار للاحتياجات وتدريب العمال الفلسطينيين بمهن يحتاجها السوق لتكون هناك عملية دائرية مستمرة، بحيث عندما يخرج شخص يحل مكانه شخص آخر لسد النقص.

وينصح مرداوي الأيدي العاملة الفلسطينية الأقل حظا في التوظيف، بأخذ تدريبات في الوظائف المهنية التي تحتاجها السوق الفلسطينية لزيادة فرصهم في الحصول على وظائف بشكل أسرع، وزيادة العائد المادي عليهم، وعلى المؤسسات اختيار مواعيد للدورات تتناسب مع أوقات العمال وظروفهم، بحيث تحدد في الفترة المسائية أو أيام العطل.

عدد العاملين في السوق الإسرائيلية

وتشير إحصاءات وزارة العمل الى أن عدد العاملين في السوق الاسرائيلي، يتجاوز 160 ألف عامل فلسطيني، منهم 90 ألفًا يحملون تصريحًا منظمًا، و30 ألف عامل في المستوطنات الاسرائيلية، و40 ألفًا يحمل تصاريح مختلفة منها التجاري والاحتياجات الخاصة ومنهم من يدخل الى إسرائيل عن طريق الفتحات في جدار الفصل العنصري.

بينما تشير احصاءات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني لعام 2021 الى أن عدد العاملين في اسرائيل والمستوطنات 145,500 عامل.