رام الله-(الحياة الجديدة)- تفاجأ البعض من زيادة حجم ودائع العملاء في البنوك بمعدل 3,2% لتبلغ 16,2 مليار دولار في ظل الأوضاع الاقتصادية المعاشة، وبينما يرى البعض أن مؤشرات (تقرير سلطة النقد للربع الثالث من عام 2021 حول التطورات النقدية والمصرفية) تدلل على أن المودعين لا يستثمرون أموالهم في مشاريع إنتاجية ويفضّلون إيداعها في البنوك على استثمارها في مشاريع إنتاجية اقتصادية أو خدماتية، وهذا يؤشر على ضعف الثقة بالمناخ الاستثماري وخاصة في ظل جائحة كورونا، فيما يرى آخرون أن حجم الودائع مساوٍ لحجم الناتج المحلي، مع أن أرقامه رسمية وليست فعلية.
في كل الأحوال، أظهرت نتائج مؤشرات التقرير، ثقة المودعين بالنظام البنكي بدليل ازدياد حجم ودائعهم فيه، وهذا لا يشمل العائد على الشمول المالي ولا يعني ازدياد عدد المودعين، إذ ما زال التقدير يظهر أنه لم تتخذ خطوات كبيرة باتجاه الشمول المالي حيث إنه لا توجد زيادة كبرى في عدد الذين فتحوا حسابات بنكية واستفادوا من خدماتها، في حين يرى البعض وجود صعوبات ما زالت تواجه الناس في البنوك، جزء منها يتعلق بالوقت المقضي في الانتظام ومتطلبات الشروط والرسوم التي تدفع، ومنهم من يضطر للجوء للبنوك لأخذ قرض يلبي به احتياجاته والتي في الغالب تكون استهلاكية، ومنهم من يلجأون للبنوك لإيداع اموالهم فقط.
لذا فمن حيث المبدأ لا تؤشر أرقام الإيداع للشمول المالي، وانما تؤشر الى لجوء بعض الناس لزيادة حجم الودائع في فترة لا يوجد فيها توسّع في الاستثمار، علمًا بأن حجم الفوائد التي حصّلتها البنوك على حجم القروض البالغ 10,5 مليارات دولار، هي أعلى بكثير من قيمة فوائد الودائع التي دفعتها البنوك للمودعين.
ارتفاع الودائع بنسبة أكبر من التسهيلات
الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم، يرى أن أصول موجودات البنوك المجمّعة ارتفعت بشكل لافت بنسبة 3,4%، ليصل الى 21,3 مليار دولار، لسبب قد يكون من ارتفاع الودائع وبالتالي التسهيلات الائتمانية، وقد يكون من زيادة قاعدة رأس مال البنوك، إضافة الى أن الودائع ارتفعت بنسبة أكبر من التسهيلات، وهذا يؤشر على أن هناك ودائع جديدة وفائضًا عن الحاجة في الدخول تحوّل إلى إدخار في البنوك، مع أن هناك جزءًا مهمًا من زيادة الودائع يأتي من زيادة التسهيلات إلى أكثر بقليل من 1 مليار دولار تتحول تلقائيًا إلى ودائع لأنها تنزل في حساباتهم.
ويرى عبد الكريم، أن الفائض ليس كبيرًا وتزداد التسهيلات بوتيرة متوقعة في حين لا زال الاقتصاد لم يتعافى بالكامل، ولكن عندما بدأت القيود ترتفع عن حركة الاقتصاد ظهر الطلب الإضافي على التسهيلات والتمويل، ما أوجد لدى البنوك فرصًا لإعادة إقراض القطاع الخاص والأفراد.
تركّز ائتماني ومخاطر زائدة
ولأن الحكومة كان لها النصيب الأكبر من مجموع التسهيلات الائتمانية حوالي 22% أي حوالي 2,4 مليار دولار، لذا ترى سلطة النقد وبعض البنوك أن هذه التسهيلات وصلت إلى حدها الأقصى، وإن استمرت فإنها تخلق تركّزًا ائتمانيًا ومخاطر زائدة، حيث إنه يجب ألا تزيد عن حجم قاعدة رأس مال البنوك، والبالغ 2,1 مليار دولار، لذلك فإنهم يعتقدون أنه عندما تزداد التسهيلات الائتمانية للحكومة سيكون لها تطور سلبي كبير قد يعرّض الودائع إلى خطر.
ويستنتج عبد الكريم "وجود تركّز ائتماني واضح في القروض الفردية والاستهلاكية وليست كلها للقطاع الخاص. وبالتالي فان السمات العامة لتوزيع محفظة ودائع القطاع المصرفي الائتمانية لم تتغير جوهريًا، عدا عن أنه تصبح هناك زيادة في المبالغ الإجمالية سواء في التسهيلات أو في الودائع ورأس المال نتيجة لتراكم الأرباح".
ارتفاع الودائع ليس له علاقة بالبيئة الاستثمارية
وبحسب د. عبد الكريم، جاء جزء من ارتفاع الودائع لـ 2 مليار دولار، من ارتفاع التسهيلات، وإعادة إيداع قيمة الفوائد التي يتحصل عليها الأفراد والشركات على ودائعهم وهذا لا يعني وجود فائض، كما أن رغبة الأفراد والحكومة وحتى والمؤسسات الدولية في الإدخار ووجود فائض قيمته تشكّل حوالي 15% من الناتج المحلي، جزء من الفائض جاء من الودائع والتسهيلات الائتمانية، وتدفق السيولة الكبير من العاملين في الخارج وعودة العمال نهاية كل شهر للضفة الغربية، والتي تقدّر بحوالي مليار شيقل شهريًا، وهذا خلق فائضًا في السيولة والودائع وتكدّس الشيقل لدى البنوك وهو مؤشر على أن جزءًا مهمًا من الودائع يأتي من العمالة في داخل الكيان الإسرائيلي. وهذا ليس بالضرورة أن يزيد البيئة الاستثمارية وإنما بالضرورة هو يدل على أن الودائع تساوي تقريبًا حجم الناتج المحلي.
يقول عبد الكريم: "مجرد أن تضع في البنك أموال الوديعة فإن هذا ليس له علاقة بالبيئة الاستثمارية، وإنما يدلل على وجود علاقة ثقة بالجهاز المصرفي واستقراره، ولكن يصبح بالبيئة الاستثمارية ثقة وارتياح عندما تتحول معظم هذه الودائع لقروض والأهم أن تتحول النسبة الأكبر منها بالنظر إلى البيئة الاستثمارية والسياسة النافذة وجاذبيتها عندما تنظر إلى حجم الوساطة المالية، وكم تحقق البنوك وظيفة الوساطة المالية "التوسط المالي" والتي تقاس بحجم الودائع للقروض والتي ما زالت بحدود الثلثين، وإن كانت جيدة لكنها لم تصل لغاية الآن إلى النسب السائدة في كل دول العالم حتى الدول المجاورة".
أزمة سيولة واضحة التجليات
تشكّل الشيكات الراجعة ما نسبته 8 – 10% من مجموع حجم المقدمة، ما يدلل على أنه ما زالت هناك مشكلة سيولة في البلد وعدم توفّر دخل كاف يسد الاحتياج ويؤدي إلى سداد أقساط البنوك، ولذلك يقول عبد الكريم: "لدينا أزمة سيولة تجلياتها واضحة، كما أن تراجع الإنفاق الحكومي وهو واحد من الأسباب التي خلقت أزمة السيولة، كل هذا يعني أن هناك أزمة سيولة، وبالتالي الأرباح التي أعلنت عنها البوك في 2022 جزء مهم منها جاء نتيجة أن المخصصات الكبيرة التي كانت لم تعد كبيرة.
تحفيز البنوك فوائد متوسطها أقل من المتاح
وبحسب (تقرير سلطة النقد)، فإن نسبة الفوائد والعمولات التي تفرضها البنوك على التسهيلات قيمتها أكثر من 600 مليون دولار ما يعني لرجل الأعمال سمير حليلة أن نسبة الفائدة "العمولة" متوسطها 6%، بينما قيمة مبالغ الفوائد التي دفعتها البنوك للناس حوالي 100 مليون دولار، بمعدل 1% من قيمة ما تحصله من فوائد على قروضها للعملاء.
ويرى حليلة أن "هناك فرق 5% ما بين ما تحصله البنوك وما بين ما تعطيه للودائع فهي بذلك تحصل 500 مليون دولار تغطي نفقاتها ورواتب موظفيها وتحقق منه أرباحًا، إذ أن الفرق ما بين 1-6% كبير ويمكن استخدامه ليكون هناك تحفيز للبنوك تعطي فوائد متوسطها اقل للمشاريع الانتاجية، بينما ترفع او تبقيه كما هو 6 -8% على القروض الاستهلاكية".
ويشير الى أن ممثلي بعض البنوك في النقاشات الدائرة بين المهتمين من اقتصاديين ومصرفيين أعلنوا رفضهم لمثل هذا المقترح، على اعتبار أن الاقتصاد هو الذي يحدد طبيعة المخاطرة والفائدة، ويفضّلون إعطاء المشاريع المضمونة القروض بالفوائد التي يحددونها ولا يرغبون إعطاء المشاريع التي فيها مخاطرة القروض اللازمة.
في حين يرى حليلة، أن الفرصة متاحة "بدلا من أن تحقق البنوك أرباحًا متساوية من كل القروض، يجب أن يكون هناك قروضًا بفوائد أقل وأرباح أقل مقابل رفع هذه الفوائد للقروض الاستهلاكية".
لذا فإن حليلة يطالب سلطة النقد بأن يكون لها توجيه أوسع للسياسة الائتمانية المتعلقة بالمشاريع الانتاجية ولديها هامش كافٍ من تكلفة المال لتتيح لهم مجالا في تحديد قيمة الفوائد أكثر أو أقل".
أما فيما يتعلق بتعثر بعض القروض التي ارتفعت بنسبة 4% أي ما قيمته 448,1 مليون دولار، فطالب سلطة النقد اتخاذ قرار بتفعيل نظام ضمانات القروض بشكل أكبر بما يضمن قروض الناس في أن يتم سداد 60 -70% منها على الأقل في الأزمات.
تقييم وضع التعثر مقارنة بحجم الودائع والتسهيلات
وقال: "يمكن إعداد أنظمة لضمانات القروض وتأمينها بما يخفّف حجم المخاطرة خاصة أننا ما زلنا في مرحلة "كورونا" وما زالت مستمرة المرحلة والمخاطر تزداد، ومن المتوقع أن تستمر أزمات متواصلة كالقطاع السياحي، فالجزء الأول يتطلب تقييم وضع التعثر مقارنة بحجم الودائع والتسهيلات والتي تصل الى حوالي 50% للقطاع الخاص وحوالي 23% للحكومة، ولكن نسبة التسهيلات حوالي 60% من الودائع أو أقل وهذا الرقم ليس بالكبير ما يعني أنهم لم يستخدموا كل النظام البنكي من أجل إفادة البلد ويستثمروا فيها".
وأشار الى أنه على ضوء أرقام الودائع، هناك فسحة للبنوك لتقديم التسهيلات المتاحة للقطاع الخاص، وهناك فرصة في تنوع الفوائد التي تمكّنهم في هذه الحالة من التعامل مع الأوضاع في البلد بتشجيع الاستثمار بطريقة تؤدي الى تحسين النمو في العام الحالي، مقابل فوائد مختلفة.
ودعا البنوك وسلطة النقد إلى توفير ضمانات قروض أوروبية أمريكية لتحسّن أوضاع أداء البنوك على ضوء الوضع المذكور.
استمرار التعافي وعودة العجلة الاقتصادية الى مسارها تدريجيا
وكانت سلطة النقد أصدرت مؤخرًا تقريرها عن التطورات النقدية والمصرفية خلال الربع الثالث 2021، والذي أظهرت فيه استمرار التعافي وعودة العجلة الاقتصادية الى مسارها تدريجيًا، الأمر الذي ساعد على تحسّن العديد من المؤشرات النقدية والمصرفية مقارنة مع الربع السابق من نفس العام.
وبين التقرير ارتفــاع السيولة المحلية بنسبة 2,6%، لتصل إلى حوالي 20,4 مليار دولار، وارتفاع إجمالى موجودات المصارف المرخّصة بنسبة 3,4% ليصل إلى 21,3 مليار دولار. وكذلك ارتفاع حقوق الملكية للمصارف بمعدل 3,4%، لتصل إلى حوالي 2,1 مليار دولار. وارتفاع ودائع العملاء بمعدل 3,2% لتبلغ 16,2 مليار دولار.
وأظهر التقرير ارتفاع محفظة التسهيلات الائتمانية بنسبة 1,2%، لتصل إلى حوالي 10,5 مليار دولار، إلى جانب ارتفاع القروض المتعثرة بنسبة 2,1%، لتصل إلى 448,1 مليون دولار، أو ما نسبته 4,3% من إجمالي التسهيلات، وارتفاع صافي دخل المصارف حتى نهاية الربع الثالث 2021 ليسجل 135,4 مليون دولار، مقارنة مع حوالي 78,7 مليـون دولار في الفترة المقابلة من العام 2020.
وأشار التقرير الى تراجع متوسط أسعار الفائدة على الإقـراض بعملتي الدولار والدينار إلى 5,59% و6,39% على الترتيب، مقابل ارتفاع متوسط الفائدة على القروض بالشيقل إلى 6,86%. أما متوسط أسعار الفائدة على الودائع فسجّل ارتفاعًا لكافة العملات، ليصل إلى 2,34% و2,31% و2,24% للشيقل والدولار والدينار على الترتيب.
كما أشار التقرير الى تراجع متوسط سعر صرف الدولار (وبالتبعية الدينار الأردني) مقابل الشيقل، بمعدل 0,9% ليصل إلى 3,23 شيقل/دولار، مقارنة مع 3,26 شيقل/دولار في الربع السابق.