ملخص سياساتي لمعهد "ماس"*
تسعى الدول، على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية، للموازنة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ومراعاة مصالح مختلف الأطراف والفئات المجتمعية، من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات وتطوير السياسات والإجراءات والأطر القانونية والتنظيمية اللازمة لمعالجة الاختلالات في مختلف الأسواق.
يلاحظ المتابع للسوق الفلسطينية أن هناك زيادة في حملات تخفيضات الأسعار وفي عروض متنوعة للعديد من أصناف السلع تقوم بها المؤسسات الكبيرة، والتي تتركز في محلات بيع المواد الغذائية والتموينية. وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية في فلسطين يكتسب هذا الموضوع أهمية كبيرة، خاصة مع تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، والتي انعكست سلبياً على القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
من ناحية أخرى، تؤثر تخفيضات الأسعار في المحلات الكبيرة بشكل كبير على المنشآت الصغيرة جداً والصغيرة (88% من المنشآت صغيرة جداً وصغيرة)؛ وذلك من خلال التوجه الكبير للمستهلكين إلى هذه المحلات من جهة، ومن جهة عزوف المستهلكين عن الشراء من المنشآت الصغيرة والصغيرة جداً بسبب خلق انطباع لديهم بأن الأسعار أرخص في المحلات الكبيرة.
من هنا، تأتي الحاجة لتسليط الضوء على هذه الظاهرة من عدة زاويا، تطال كل من المستهلكين وأصحاب المنشآت التجارية الصغيرة والكبيرة، وبشكل خاص تقييم الفائدة/ الخسارة التي تعود على كل طرف من الأطراف، في الوقت الذي تسري فيه قوانين السوق الحرة والتي تحد بشكل كبير من تدخل الحكومة في تنظيم السوق.
أيضا من أجل اقتراح مجموعة من السياسات للجهات ذات العلاقة حول كيفية الاستفادة من هذه التخفيضات وتجنب آثارها السلبية، وتقديم التدخلات الكفيلة بتنظيم الأسواق الفلسطينية وحماية حقوق المستهلكين، والمحافظة على مصالح التجار وأصحاب العمل.
التحدي الأساسي
غالبية التدخلات الحكومية في مجال ضبط الأسواق التي تسود فيها قوانين السوق الحرة تتركز بشكل رئيس في الرقابة على أسعار بيع المنتجات والتأكد من عدم وجود أي نوع من الاستغلال والتضليل للمستهلك، وضمان مطابقة هذه المنتجات لمعايير السلامة والصحة المعتمدة محلياً. في هذا السياق، تتخذ وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية عبر إداراتها المتخصصة العديد من الإجراءات في مجال الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار في مناسبات ومواسم عديدة يتزايد فيها الطلب وتتزايد معه احتمالات استغلال المستهلكين ومخالفة القوانين التنظيمية.
ومن أبرز هذه الإجراءات إصدار نشرة تشمل أسعاراً استرشادية يتم نشرها وتعميمها لضمان عدم استغلال المنشآت التجارية للمستهلكين.
ويتمثل التحدي الأساسي في ظاهرة العروض على الأسعار من المؤسسات التجارية الكبيرة في المفاضلة والمواءمة بين مصالح مختلف الأطراف ذات العلاقة. فمن ناحية، تتوافق ظاهرة التخفيضات والعروض على الأسعار مع آليات عمل السوق الحرة ومحددات التدخل (التنظيم) الرسمي لعدم المساس بالمبادئ العامة لآليات السوق المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني. كما تنسجم مع توجهات المستهلك وعقلانية اختياراته نحو تلبية احتياجاته وفق معاييره الخاصة (السعر والدخل والذوق والجودة)، ومع توجه ورغبة الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة والتي تنادي بخفض الأسعار ومراعاة الظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطن الفلسطيني. لكن في المقابل، هناك معارضة شديدة لهذه الحملات والعروض من قبل الجهات التي ترى أنها تلحق ضرراً كبيراً بالمنشآت التجارية الصغيرة جداً والصغيرة، والتي لا تستطيع منافسة الأسعار التي تقدمها المحال التجارية الكبيرة، والذي من شأنه أن يؤدي إلى خروج عدد منها من السوق عاجلاً أم آجلاً؛ والذي قد يترك انعكاسات سلبية على نسب الفقر ومعدلات البطالة خاصة أن قطاع تجارة التجزئة يشغل نسبة كبيرة من الأيدي العاملة في فلسطين. مع انه لم تظهر حتى الآن، أدلة إحصائية أو ثابتة حول آثار تخفيضات الأسعار السلبية (للمنشآت المحلية الصغيرة) أو الإيجابية (للمستهلك)، لا بد من مراقبة الأمر للتأكد من اتجاهات التأثير المحتملة.
السياسات والتدخلات المطلوبة
يتضح مما سبق، وفي ظل الجدل القائم حول هذه الظاهرة وتماشيها نظرياً مع قوانين السوق الحرة، أهمية اقتراح مجموعة من السياسات والتدخلات لمختلف الأطراف ذات العلاقة، والتي تشكل قاعدة لتوليفة ملائمة تراعي مصالح مختلف الأطراف، وتحقق التوازن المطلوب في الأسواق الفلسطينية.
الدور المطلوب من الحكومة
- يتوجب على الحكومة الإسراع في تبني الإطار القانوني والسياساتي الذي ينظم المنافسة ويمنع الاحتكار.
- ضرورة العمل على تطوير الأدوات الرقابية على الأسواق في ظل الانتشار الكبير لظاهرة التخفيضات والعروض، بحيث تعالج كافة القضايا التي أغفلتها القوانين السارية، وتحدد العقوبات الرادعة بحق المخالفين.
- رفد الإدارة العامة لحماية المستهلك بالموارد المالية والمادية واللوجستية اللازمة لأداء مهامها بالشكل المطلوب.
- من المهم التركيز خلال عمليات الرقابة والتفتيش من قبل طواقم حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، على وجود بعض الانتهاكات في بعض الحملات وعروض التخفيضات أو مخاطر مثل: ربط الاستفادة من العروض بحد أدنى من المشتريات، والتلاعب بأوزان المنتجات التي تشملها العروض دون الإشارة إلى ذلك صراحة، وتشجيع دخول البضائع الإسرائيلية للسوق الفلسطينية، وغيرها من النتائج غير المتوقعة في مثل هذه الحالات.
الدور المطلوب من المؤسسات المساندة:
الغرف التجارية
- من الضروري أن تلعب الغرف التجارية دوراً في مساندة المنشآت والمحال الصغيرة جداً والصغيرة للحد من الأضرار التي قد تلحق بها نتيجة حملات التخفيضات والعروض، لا سيما أن الغرف التجارية تضم في عضويتها المنشآت بأحجامها المختلفة سواء الصغيرة جداً أو المتوسطة أو الكبيرة. ومن الاقتراحات في هذا المجال على سبيل المثال: التمييز الإيجابي في رسوم العضوية، وتنظيم دورات تدريبية ونشرات توعية باستراتيجيات التسويق وأساليبه الحديثة، والتوافق على قائمة من السلع يتم تحييدها من حملات تخفيضات الأسعار، والتنسيق مع البنوك ومؤسسات الإقراض لتسهيل تمويل المنشآت الصغيرة جداً والصغيرة.
البلديات
- يجب أن يتركز دور البلديات على تنظيم افتتاح المنشآت التجارية والمحال الكبيرة في التجمعات السكانية، يشمل ذلك الحد من منح التراخيص اللازمة لافتتاح محلات كبيرة في التجمعات ذات الكثافة السكانية العالية أو في مراكز المدن، وحصرها في أطراف المدن والطرق الرئيسة.
الدور المطلوب من المنشآت الصغيرة
- ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وتحصين نفسها من الأضرار التي قد تلحق بها نتيجة حملات وعروض المحلات الكبيرة وذلك من خلال تطوير أساليبها في التسويق، وتنويع مصادر مشترياتها (الموردين)؛ من أجل تقليل تكلفة المشتريات والاستفادة من فروقات الأسعار والعروض والحوافز التي يمنحها الموردون.
------------------------
* يصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بشكل دوري مجموعة من الدراسات التطبيقية والعلمية المفصلة، إضافة إلى مجموعة من الأوراق المختصرة ضمن سلسلة سنوية لجلسات الطاولة المستديرة، تتناول موضوعات حيوية ذات أبعاد اقتصادية تهم الجمهور وصناع القرار. ولتعميم الاستفادة وتعظيمها من هذه السلسلة ينشر هذا الملخص السياساتي أبرز توصيات هذه الأنشطة العلمية الحوارية.