الرياض-(وكالات)- تعامل الشرق الأوسط، مثل كثير من دول العالم، مع مرض كوفيد - 19 بشكل أفضل مما كان يخشى كثيرون في البداية. كانت منحنيات العدوى قد ارتفعت وانخفضت، ثم عادت للارتفاع، لكنها لم تتسبب في انهيار منظومة القطاعات الطبية. كما أن الاقتصادات لم تتعرض لانهيار، وصمدت الحكومات، ومقارنة بتوقعات العام الماضي، فإن الشرق الأوسط في وضع جيد جدا.
وقال جون ب. الترمان نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي في تقرير نشره المركز، إن هناك حقيقة مثيرة للقلق تتمثل في أن هناك تباينا كبيرا بين الدول، التي كان أداؤها أفضل في التصدي لفيروس كوفيد - 19 وتلك التي كان أداؤها الأسوأ، وأن هذا سيؤدي إلى تقسيم المنطقة بشكل أكثر وضوحا إلى دول غنية وأخرى فقيرة.
وإضافة إلى ذلك، فإنه من غير المرجح أن يتسبب كوفيد - 19 نفسه في حدوث انهيار، إلا أنه أحدث دمارا على وجه التحديد في الدول الأكثر ضعفا. وبالنسبة للكثيرين منها، سيلقي كوفيد - 19 بظلاله على تطورها على الأصعدة الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية لعدة أعوام قادمة.
وأضاف الترمان، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنه لم يكن من المسلم به أن الدول الأغنى في المنطقة ستنجو من الوباء على نحو أفضل من معظم الدول الأخرى. فعلى الصعيد الدولي، أدى انخفاض الطلب العالمي على الطاقة إلى تراجع أسعار النفط، مع عدم وجود دلالة واضحة على الطريق للعودة لمسار الانتعاش، بحسب "الألمانية".
ويعتمد كثير من هذه الدول أيضا بشكل كبير على السفر، مثل السفر للحج في السعودية، والسياحة العابرة في الإمارات وقطر، غير أن هذا القطاع توقف بين عشية وضحاها تقريبا.
ومع الانتقال من فصل الخريف إلى الشتاء، بدأ تحول في الوضع، حيث أحدثت اللقاحات فرقا كبيرا في دول مثل الإمارات.
وكثفت دول خليجية أخرى جهود التطعيم، حيث أعطت البحرين 70 جرعة لكل 100 شخص، ونتيجة لذلك، ينخفض منحنى الإصابة في البحرين، فيما ظل معدل الإصابة ثابتا في قطر.
وعلى الرغم من حجم السعودية وعدد سكانها، فإن منحنى العدوى فيها شهد انخفاضا أيضا.
بينما كانت كل هذه الدول تخشى أن تتحول التجمعات في شهر رمضان إلى فعاليات من شأنها أن تتسبب في تفشي فائق السرعة للفيروس، فإن الوتيرة السريعة للتطعيمات تبعث الأمل في أن الأسوأ قد أصبح شيئا من الماضي.
من جهة أخرى، فإن تعافي أسعار النفط العالمية يعني أن الحكومات لديها وفرة مالية كبيرة لتعزيز الاقتصاد. لقد كان عاما صعبا بالنسبة لكل هذه الدول، لكنه لم يكن عاما كارثيا.
وهناك دول أخرى أقل حظا، حيث شهد الأردن ارتفاعا في عدد الإصابات في أيلول (سبتمبر) الماضي، ومع وجود قطاع غير رسمي كبير، كانت مهمة الحفاظ على أجور العاملين وتوفير الغذاء لهم عبئا ثقيلا للغاية في ظل قيود صارمة.
ومصر أيضا انفتحت بشكل كبير. ويمضي المصريون في الأغلب حياتهم دون قيود. من جهة أخرى، فإن التطعيم بطيء للغاية، فقد أعطى الأردن نحو ثماني جرعات لكل 100 شخص، وأعطت مصر أقل من جرعة واحدة لكل 100 شخص.
ولدى الأردن ومصر قطاعات سياحية كبيرة. ويقول البعض إن الآثار المباشرة وغير المباشرة للسياحة تمثل أكثر من 10 في المائة من العمالة وما يصل إلى 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في ذروة السياحة.
ونظرا لبطء حملات التطعيم في كلتا الدولتين واستمرار معدلات الإصابة المرتفعة نسبيا، فمن الصعب تخيل كيف ستستعيد السياحة عافيتها على المدى القريب.
وأضاف الترمان أنه بوجه عام، لا تمتلك أي من الدولتين الموارد لتقديم تحفيز اقتصادي للتعويض عن تداعيات كوفيد – 19، وربما تأتي بعض المساعدات من دول الخليج، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط.
وفي العراق، ارتفع عدد الحالات طوال الربيع، وظلت مستويات التطعيم أقل من جرعة لكل 100 شخص.
وشهد اقتصاد العراق انكماشا بنحو 10 في المائة العام الماضي، جراء الضغط الذي شكلته تداعيات كوفيد - 19 وانخفاض إنتاج النفط وبيعه بأسعار منخفضة. ولا تزال البلاد تعاني سياسات داخلية تفتقر للإدارة الجيدة أصبحت سمة لها، وتفاقمت جراء معارك بالوكالة في البلاد تزكي نيرانها دول مجاورة.
وتعرضت إيران المجاورة لضربة أشد، جراء معاناتها من عدد أكبر من حالات كوفيد - 19، وانخفاض عائدات النفط بشكل أكبر، ونظام عقوبات قاس.
وأوضح الترمان أنه من المبكر التكهن بنتائج انتخابات حزيران (يونيو) في إيران، لكن من الممكن أن تنتصر القوى المحافظة المتشككة بشدة في التعامل مع الغرب، حيث ربما تركب موجة عدم اكتراث عامة الشعب بالانتخابات، الأمر الذي يؤدي إلى جولة جديدة من المواجهة وتقلبات أكبر في أسواق النفط.
ويعاني لبنان من أزمة مالية، حيث يعيش نحو نصف السكان الآن في حالة فقر، وقد وضع الوباء عبئا ثقيلا على منظومة الرعاية الصحية المتردية بالفعل.
ونحو 80 في المائة من سكان سورية فقراء الآن، ويبدو أن مرض كوفيد - 19 ينتشر سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو المعارضة.
واختتم الترمان تقريره بقوله إن الدول ذات الدخل المتوسط والفقيرة في الشرق الأوسط تعتمد على الدعم من جيرانها الأكثر ثراء في أوقات الشدة، لكن هذه المرة قد يكون الوضع مختلفا، حيث تركز دول الخليج على التعافي المحلي والاستثمارات لمواكبة التحول العالمي القادم للطاقة.
Publishing Date