الرياض-(الاقتصادية)-هل فكرت يومًا أن تسأل نفسك، كم جهاز في العالم مرتبط بشبكة الإنترنت؟، قد يبدو السؤال بالنسبة للبعض من نوعية أسئلة المعلومات العامة، أو الأسئلة التي لا تتضمن إجابتها محتوى معرفيا كبيرا.
وعلى الرغم من ذلك فإن للسؤال أهمية كبيرة تدفع كبرى شركات الإنترنت والتكنولوجيا في العالم إلى السعي دائما إلى معرفة الإجابة عليه بأقصى درجة ممكنة من الدقة.
على مدار الأعوام القليلة الماضية شاهد العالم انطلاق وتنامي ما يعرف بإنترنت الأشياء، بما لديه من إمكانات لا محدودة، ومع تفشي جائحة كورونا على مستوى العالم منذ أواخر عام 2019 حتى يومنا هذا، تسارع التحول الرقمي بسرعة، وبفضل شبكة الجيل الخامس من الواي فاي وما لديها من سرعات غير مسبوقة، زادت الاتصالات، وزادت أيضا كثافة استخدام الشبكة العنكبوتية، في الوقت ذاته تدفقت رؤوس الأموال على صناعة الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي.
باختصار بات إنترنت الأشياء جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتغلغل فيها بعمق بحيث أصبحت جذوره راسخة فيها يصعب اقتلاعها، بل على العكس تماما أضحت عديد من الفئات العمرية خاصة الشبابية تعمل على تعميق تلك الاتجاهات أكثر وأكثر في الحياة والمستقبل.
المتفق عليه حاليا هو أن الإنترنت موجود في كل منحى من مناحي الحياة اليومية، لكن الأمر لا يتوقف على زيادة عدد الأجهزة المرتبطة بالإنترنت فقط، فإنترنت الأشياء لا يزال في مرحلة النضج، والتحديات المرتبطة بالخصوصية والأمان محل تساؤل كبير، وهذا تحديدا أحد الجوانب التي تدفع كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات إلى معرفة عدد الأجهزة المتصلة بالفعل بشبكاتها لمعرفة مصادر ما تتعرض له من هجمات سيبرانية وما ينتج عنها من خسائر مالية ضخمة.
يضاف إلى ذلك سعي دائم من تلك الشركات لمعرفة متى تكون تلك الأجهزة نشطة في تجميع البيانات ومتى لا، حيث إن معرفة الإجابة على هذا السؤال تساعد في تطوير شبكات الإنترنت وتنظيمهما بأفضل طريقة ممكنة لخدمة العملاء، ومن ثم تحقيق الأرباح.
ولكن ما حجم سوق إنترنت الأشياء في الوقت الحالي؟. يعلق لـ"الاقتصادية" الخبير في مجال تطوير شبكات الإنترنت جيم هاتون من مجموعة "أي تي آرت" البريطانية قائلا، "سوق إنترنت الأشياء يتوسع بشكل متسارع، ففي عام 2018 بلغ 212.1 مليار دولار، وقفز في العام التالي إلى 465 مليار دولار، وفي عام 2020 حقق الإنفاق على إنترنت الأشياء 742 مليار دولار بنمو بلغ 8.2 في المائة، والمتوقع أن يبلغ تريليون و300 مليار بحلول عام 2026 وتريليون ونصف التريليون دولار أو ما يزيد على ذلك في نهاية العقد الجاري".
ويضيف جيم هاتون، "التقنيات قصيرة المدى مثل البلوتوث والواي فاي ستهيمن على الاتصالات 72 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بـ74 في المائة حاليا، والشبكات العامة التي تهيمن على الشبكات الخلوية حاليا ستنمو من 1.2 مليار اتصال الآن إلى 4.7 مليار اتصال في نهاية العقد الجاري، وستقفز حصتها السوقية من 16 في المائة إلى 20 في المائة، وستمثل الخدمات بما في ذلك الاتصالات نحو 66 في المائة من إجمالي إنفاق المستهلكين على إنترنت الأشياء".
ويؤكد وجود منافسة شديدة بين اللاعبين الثلاثة المهيمنين على السوق في الوقت الراهن الصين 26 في المائة وأمريكا الشمالية 24 في المائة وأوروبا الغربية بـ23 في المائة وبقية دول العالم بـ27 في المائة.
ولكن إذا كان إنترنت الأشياء أحد أبرز الاتجاهات التكنولوجية الراهنة والمستقبلية، فما أبرز القطاعات التي سيركز عليها في الأعوام المقبلة؟.
يمكن الجزم بدرجة كبيرة من الثقة أن القطاع الصحي سيحظى بالجانب الأكبر من اهتمام وتركيز شركات إنترنت الأشياء.
في هذا السياق، تقول لـ"الاقتصادية" المهندسة روزي اشفر الخبيرة في مجال إنترنت الأشياء في شركة " داتا آرت"، بلا شك أثرت جائحة كورونا في الطريقة التي يتطور بها إنترنت الأشياء وعلى الأولويات، وسيحظى قطاع الرعاية الصحية بالأولوية، فعلى سبيل المثال لوحظ نمو قوي في سوق الأجهزة التي ستسمح بتقديم مزيد من الرعاية لكبار السن، وسيشمل ذلك أدوات تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف التغييرات في الروتين اليومي المعتاد مما يمكن الأقارب أو الفريق الطبي بالتدخل السريع.
وتضيف "ولفهم الكيفية التي أدى بها الوباء إلى تسريع تبني تحول الرعاية الصحية إلى استخدام مزيد من إنترنت الأشياء، فإن التقديرات الأصلية لعدد "الزيارات الافتراضية" أو المواعيد عبر الإنترنت مع مقدمي الرعاية الصحية في الولايات المتحدة كانت نحو 36 مليونا، هذا الرقم يقترب من مليار الآن وسيواصل الارتفاع مستقبلا".
الأمر المؤكد حدوث مزيد من التطبيقات المقبلة التي ستساعد في إدارة الحياة اليومية أثناء العمل، مما قد يؤدي إلى رفع الإنتاجية ومستوى الكفاءة، كما يتوقع أن تنال قطاعات تجارة التجزئة قدرا كبيرا من اهتمام إنترنت الأشياء أيضا بعد ان ترك تفشي وباء كورونا بصمات سلبية على الأسواق التجارية.
لكن الخبير الهندسي ال. واي. راهول يعتقد أن الإنجاز الأكبر لإنترنت الأشياء في المرحلة المقبل سيتركز في مجال المدن الذكية.
ويوضح لـ"الاقتصادية" أن شعبية مفهوم المدن الذكية على مدار الأعوام الأخيرة تزايدت، مضيفا "ومع استخدام تقنية إنترنت الأشياء لمراقبة حركة المرور على شبكة الطرق واستخدام وسائل النقل العام وتنظيم المرافق المدنية مثل مراكز إعادة التدوير وجمع النفايات، وانتشار عدادات استخدام الطاقة في المنازل والشركات، والرغبة في تلبية الطلبات في فترات الذروة وتجنب الهدر، كل هذا يجعلنا نتوقع أن تشهد الأعوام المقبلة زيادة كبيرة في الموارد المخصصة لبناء القدرات الرقمية داخل المدن ومن ثم تعزيز إنترنت الأشياء".
عودة على بدء يظل السؤال قائما كم عدد الأجهزة المتصلة أو المرتبطة بالإنترنت في العالم. تظهر الأبحاث ان هناك 35 مليار جهاز ذكي مرتبط بالإنترنت هذا العام وسيقفز العدد إلى 100 مليار بحلول عام 2050، ومع تزايد عدد تلك الأجهزة الذكية، وتزايد ارتباط مزيد من البشر بالإنترنت فإن إنترنت الأشياء سيواصل النمو والتغلغل في الحياة اليومية بما قد يجعلها أكثر سلاسة وسهولة مقارنة بالماضي، أو هذا ما يتمناه على الأقل الجميع.
Publishing Date