رام الله-(الحياة الجديدة)-طالب باحثون اقتصاديون وقانونيون وقضاة بتأسيس قضاء متخصص لحل النزاعات التجارية، بغرض تسريع البت في مثل هذه النزاعات وضمان نجاعته، مشددين على ضرورة الإسراع في إنشاء المحاكم التجارية المتخصصة، لما تحققه من إيجابيات على مستوى التقاضي وأطرافه من الناحيتين القانونية والاقتصادية.
جاء ذلك خلال ورشة العمل التي عقدها، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، يوم الاثنين، لمناقشة النتائج النهائية للدراسة التي أعدها الباحثان د. محمد القيسي، وبشير عاصي، حول: الاحتياجات القضائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسات المطلوبة لتعزيزها، وذلك في قاعة المعهد برام الله وعبر تقنية زووم، بمشاركة منسق البحوث د. رابح مرار، والمستشارة القانونية في وزارة الاقتصاد ميرفت مرار، واستاذ القانون التجاري في جامعة النجاح الوطنية د. غسان خالد، ومدير دائرة المشاريع في مجلس القضاء الأعلى القاضي أسعد شنار، بحضور قانونيين واقتصاديين وأكاديميين ورجال أعمال ومستثمرين وممثلين عن الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص.
تراكم القضايا، ويواجه تحديات
وأكد المشاركون على الحاجة الماسة والضرورية لتعديل قانوني السلطة القضائية، وتشكيل المحاكم، أو إصدار قانون عادي جديد لإنشاء محاكم تجارية متخصصة، إذ لا يمكن وفق القانون الأساسي الفلسطيني تشكيل محاكم إلا بإصدار قانون عادي.
وأجمع المشاركون على ما يعانيه نظام القضاء من تراكم القضايا، وما يواجهه من تحديات ومعيقات في حل النزاعات التجارية وغيرها، مؤكدين أن المنظومة القضائية الفلسطينية تحتاج إلى تحسين وتطوير لضمان إنجاز القضايا التجارية في وقت مناسب، بشكل يحقّق العدالة، ويحمي مصالح المتقاضين.
خصوصية للقضايا التجارية
وأوصى الباحثان، بتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بما يضمن إعطاء خصوصية للقضايا التجارية في أصول المحاكمات، لا سيما تقليص المدد والمواعيد المنصوص عليها في القانون، وقواعد التبليغ القضائي وأصوله وطرقه وبخاصة للشركات التجارية في حال اعتبار القانون أصولا للمحاكمات التجارية.
تأهيل قضاة وموظفين إداريين للتعامل مع القضايا التجارية
وطالب الباحثان، بإعداد برنامج تدريبي للقضاة يركّز على الجوانب القانونية في الموضوعات التجارية، لأن إنشاء المحاكم التجارية يحتاج إلى تأهيل قضاة وموظفين إداريين للتعامل مع القضايا التجارية، لا سيما ذات الطابع الفني منها، عبر برنامج تدريبي متخصص يعد لهذا الغرض.
الدعاوى التجارية تشكّل أكثر من ربع القضايا المنظورة في محاكم
وبينما استعرض عاصي مؤشرات الدراسة الإحصائية، وأهمها: أن الدعاوى التجارية تشكّل أكثر من ربع القضايا المنظورة في محاكم الصلح والبداية في مختلف مناطق الضفة الغربية، ويستغرق البت فيها مددًا أطول من معدل المدد في الدعاوى الحقوقية في تلك المحاكم بشكل عام.
وذكرعاصي، أن نسبة القضايا التجارية من مجمل القضايا الحقوقية المنظورة/ المفصولة أمام محاكم الضفة الغربية تبلغ نحو 27%، كما تحتاج الدعوى الحقوقية - بما فيها التجارية - إلى "391" يومًا كمتوسط لتسويتها أمام المحكمة في الدرجة الواحدة.
يحقق تسوية قضائية ذات كفاءة عالية
واستعرض القيسي نتائج الدراسة، مؤكدًا أن إنشاء القضاء التجاري المتخصص يحقق تسوية قضائية ذات كفاءة عالية، وجودة في الأحكام، وسرعة في إنجاز تسوية للمنازعات التجارية بشكل ينعكس إيجابًا على أطرافها وعلى بيئة الأعمال وجاذبيتها للاستثمار، وبالتالي تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوّة التي تنسجم مع السياسة الاقتصادية العامة.
وقال موضحًا: "يكون إنشاء القضاء التجاري المتخصص بطريقتين، هما: تقسيم المحاكم القائمة حاليًا إلى دوائر، بحيث تصبح فيها دوائر تجارية متخصصة. وإنشاء محاكم تجارية مستقلة وظيفيًا عن باقي المحاكم، تخصّص لها كوادر قضائية وإدارية متخصصة، لكنها تتبع في إدارتها إلى السلطة القضائية النظامية، منوهًا الى أن هذه الطريقة تتفوق في تحقيق تخصصية حقيقية للمحاكم التجارية بحكم استقلالها عن غيرها.
إجراء تعديلات تشريعية
وأضاف القيسي: "بما أن النظام القانوني الفلسطيني لا يسمح بوجود قضاء تجاري متخصص على مستوى محاكم متخصصة، ولتحقيق ذلك، فإن هذا يتطلب إجراء تعديلات تشريعية على قوانين السلطة القضائية، لا سيما قوانين السلطة القضائية، تشكيل المحاكم النظامية، أصول المحاكمات المدنية والتجارية، وقانون البينات في المواد المدنية والتجارية".
وأجمع المعقبون المستشارةالقانونية مرار، استاذ القانون التجاري د. غسان خالد، ومديردائرة المشاريع في مجلس القضاء الأعلى القاضي أسعد شنار، على أهمية وضرورة إنشاء قضاء تجاري متخصص، والى أن تتوفر الإمكانيات المالية والكوادر البشرية يمكن الاستعاضة عنها بإنشاء غرف متخصصة لحل النزاعات التجارية والمصرفية والعمالية في إطار القضاء القائم.
كما أجمعوا على أن التوصيات المتعلقة بحل النزاعات التجارية وضعت بطريقة ناجعة وسريعة.
تعقيدات القضايا التجارية يتطلب تأسيس قضاء متخصص في حل نزاعاتها
بدوره، أشار منسق البحوث في "ماس" رابح مرار، الى توجه العديد من الدول لتأسيس قضاء متخصص في حل النزاعات التجارية، إلى جانب تنظيمها بالقوانين خاصتها، نظرًا لتعقيدات قضاياها العادية واحتوائها جوانب متخصصة وفنية يصعب على قضاة المحاكم فهمها وإدراكها بيسر.
وأضاف أن "الدراسة سعت لفحص واقع أداء القضاء العادي في النظر بالنزاعات التجارية أمام المحاكم في الضفة الغربية".