رام الله-(الحياة الجديدة)-إبراهيم أبو كامش-هل سيدخل القرار الإسرائيلي بفرض تطبيق معايير التغليف الموحّد على عبوات منتجات التبغ الواردة إلى السوق الفلسطينية حيز التنفيذ الفعلي غدًا الأربعاء الموافق 31/3/2021، وفقًا لما سبق وأن أبلغته وزارة الصحة الاسرائيلية لنظيرتها الفلسطينية قبل ثلاثة شهور؟
بحسب تقديرات مستوردين وخبراء اقتصاديين، لصجيفة "الحياة الجديدة" فإن الإقتصاد الوطني سيكون الخاسر والمتضرر الأول إذا ما تم تطبيق القرار الاسرائيلي فعليًا في السوق الفلسطينية، والذي سينعكس على شكل انخفاض العائدات الضريبية خاصة مع التأثير المتوقع للقرار على مداخيل الشركات المستوردة لمنتجات التبغ، وهو ما يعني انخفاضًا في مقدار الضرائب التي تجنيها الحكومة، وخاصة أن الإيرادات الضريبية من وارادت التبغ تحتل مركز الصدارة في الإيرادات العامة، وبالتالي فان الإنخفاض في قيمة الإيراد الضريبي للخزينة العامة سيكون له تأثير على أكثر من مجال خاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وانعكاسات جائحة الكورونا.
ويخشى المستوردون دون غيرهم، من أن الخسارة المتراكمة ستكون من خلال إزدياد التجارة غير الشرعية لمنتجات التبغ وزيادة عمليات التهريب والتزوير، إضافة إلى ضعف السيطرة على هذا القطاع، والذي قد يشكّل مخاطر أكبر على صعيد السوق والصحة العامة.
ويثير القرار الإسرائيلي، العديد من مخاوف وشكوك وتساؤلات المستوردين والتجار الفلسطينيين ليس فقط لكونه يمثل خرقًا واضحًا وصريحًا لبنود بروتوكول باريس الاقتصادي، أو يشكّل تعديًا على صلاحيات الحكومة الفلسطينية في تنظيم وتشريع المعايير التي تحكم السوق بما فيها تحديد قواعد شرعية استيراد البضائع ضمن القائمتين (A1) و(A2).
وتشمل مخاوفهم، الجدوى من تطبيق مثل هذا القرار والذي يشمل منتجات التبغ التقليدية والمسخن والإلكترونية، وفيما يمكن أن يلحقه من أضرار على المستوى الإقتصادي بما فيها تضرر العائدات الضريبية، إضافة إلى المخاوف من أن يؤدي إلى زيادة عمليات التهريب وتشجيع التجارة غير المشروعة للسجائر التقليدية.
وأجمع هؤلاء،على أن هذا القرار يعتبر مخالفة صريحة لـ"بروتوكول باريس"، والذي يؤكد على أن تنظيم هذه المعايير وتشريعها بما فيها تحديد قواعد شرعية استيراد البضائع ضمن القائمتين (A1) و(A2) من صلاحيات السلطة الوطنية، وهو أمر أقرّت به إسرائيل في العام 2019 بعد محاولتها الأولى لتطبيق قرار التغليف الموحّد على منتجات التبغ في السوق الفلسطينية.
تطبيق القرار يؤدي الى زيادة التهريب ويخفض ايرادات الخزينة
وبهذا الصدد يرى مدير عام شركة عنبتاوي – توباكو، عمر عنبتاوي،ان وزارة الصحة الإسرائيلية لم تعطهم الفترة المناسبة لتجهيز أنفسهم لمثل هذا القرار مع المورّدين والمنتجين والمصنّعين، وقال: "لم تعطنا الوقت اللازم المتعارف عليه والذي من المفترض أن يكون سنة على أقل تقدير، بينما اعطتنا الصحة الإسرائيلية مدة 3 أشهر، وهنا المشكلة الأساسية".
وبتقدير عنبتاوي، فإن تطبيق هذا القرار الإسرائيلي، سيساعد في زيادة عمليات التهريب من الأسواق المجاورة التي لم تطبّق التغليف الموحّد.
وقال: "فمن الطبيعي أن يفضّل المستهلك علبة السجائر Branded عن علبة التغليف الموحّد في السوق، ومع إزدياد عمليات التهريب المتوقعة ستنخفض مبيعاتنا، علما بأن 95% من تسعيرة علبة السجائر هي عبارة عن جمارك وعوائد للخزينة وبالتالي ستنخفض هذه العوائد بشكل ملحوظ".
وأكد عنبتاوي، أن خسائر الخزينة العامة من التغليف الموحّد يعتمد على حجم التهريب وسيطرة الجمارك على المعابر وخصوصًا الجسور، "فقبل الجائحة عندما كانت الحدود مفتوحة، كان التهريب في السوق الفلسطينية يتراوح ما بين 25% - 30%، وإن تم تطبيق الغلاف الموحّد وفتحت المعابر بشكل كامل سترتفع عمليات التهريب الى حوالي 50%، وهذا سينعكس على إيرادات الخزينة".
ويتوقع عنبتاوي أن يتم تمديد الفترة الممنوحة للفلسطينيين لتطبيق القرار الإسرائيلي، وقال:"لغاية الآن لا يوجد وضوح في جدية ومدى تطبيق القرار الإسرائيلي المعلن عن بدء تطبيقه غدًا الأربعاء الموافق 31/3/2021، فهو شائك، والأغلب سيتم تمديده لفترة لا نعلمها".
ويؤكد عنبتاوي، وجود عمليات تنسيق كاملة حول هذه القضية بينهم وبين وزارات المالية والاقتصاد الوطني والصحة ورئاسة الوزراء، وقال:"كلنا متفقون على أن الفترة القانونية التي أعطانا إياها الإسرائيليون غير مقبولة وفيها ضرر على الجميع".
القرار الإسرائيلي ينتهك السيادة الفلسطينية
وإن كان الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، يرى في القرار الإسرائيلي مخالفة فاضحة للاتفاقيات الثنائية ولبروتوكول باريس الاقتصادي، "فلا يجوز أن يفرض الإسرائيليون إجراءاتهم وسياساتهم وممارساتهم على البضائع الواردة للأراضي الفلسطينية، ويمكنهم فقط تطبيق ما يشاؤون على مستوردات قادمة الى سوقهم سواء من الفلسطينيين أو من الخارج، ولكن أن يفرضوا تطبيق قرارهم هذا على الفلسطينيين وسوقهم، فإن هذا منافٍ للندية في العلاقة والإتفاقات الثنائية".
ويؤكد عبد الكريم، أن فرض القرار الإسرائيلي على الفلسطينيين، مخالف للإتفاقات وللعلاقة وكأن اسرائيل هي التي تمارس السيادة وهذا نوع من العربدة بتبجحهم بامتلاكهم مفاتيح المعابر وهم الذين يقررون شكل وغلاف المنتج المستورد وبالذات التبغ، واعتقد أن مثل هذا الإجراء يفترض أن يكون مرفوضًا فلسطينيًا، إلا إذا توجد هناك قناعة فلسطينية بأن هذا مفيد ويؤدي الى محاربة التدخين أي لأسباب صحية، ولكن أظن أنه من غير الوارد أن يتم فرضه بالقوة على طرف واحد".
تكاليف إضافية على منتجات التبغ يتحملها المستهلكون
ويعتقد عبد الكريم أن قرارالتغليف الموحّد للتبغ، سيضيف تكاليف على استيراد منتجات التبغ فلكل صنف من السجائر له تغليفه الخاص وعلامته التجارية الخاصة، وفرض غلاف جديد عليه يعني إضافة تكاليف تؤدي الى رفع سعر السجائر ومنتجات التبغ والتي في النهاية يتحملها المستهلك، وهذا يلحق ضررًا بالمستهلكين المدخنين، لأن الشركات المستوردة لن تحمّل حالها هذه التكلفة.
لا تأثيرات على الخزينة العامة
ويختلف عبد الكريم مع عنبتاوي، حول مدى تضرّر إيرادات الخزينة العامة جرّاء تطبيق القرار الإسرائيلي، وقال:"لا أظن أنه يحمل تأثيرات على الخزينة الفلسطينية، إلا إذا تسبب في تراجع الاستيراد من الخارج لصالح المنتج المحلي، عندها سيكون هناك تراجع معين في إيرادات المقاصة، وخلاف ذلك إن استمر الإستيراد بنفس الوتيرة ولم يتأثر حجم الاستهلاك الذي يقدّر بحوالي 500 مليون دولار سنويًا، فلن يلحق ضررًا في خزينة السلطة الوطنية".
كما أن عبد الكريم لا يتفق مع عنبتاوي حول اتساع دائرة التهريب وقال: "من الصعوبة التحدث عن التهريب في ظل إغلاق المعابر الحدودية، مع مصر والأردن، حيث اتسعت تجارة الدخان قبل الجائحة، ولكن اليوم يصعب التهريب في ظل إغلاق الجسور، ولاحقًا ربما يزيد التهريب، ولكن في الوضع الراهن استبعد ذلك بحجم تهريب كبير لأن الجسور مغلقة".
معايير التغليف الموحّد لعلب السجائر دولية وليست إسرائيلية
أما مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس م. حيدر حجة، فقال: "ما يتم الحديث عنه هي معايير دولية وليست إسرائيلية، والعالم كله اليوم يتجه نحو توحيد لون علب السجائر، وعندما علمنا بالمعايير الدولية عرضنا هذا الموضوع على لجنة التوصيف لتتخذ القرار المناسب بشأنه".
وكشف حجة لـ"الحياة الجديدة" عن توصية لجنة التوصيف لمجلس إدارة المؤسسة باتجاه توحيد لون علب السجائر، تماشيًا وانسجامًا مع التوجهات العالمية في هذا المجال بهدف محاربة التدخين والحد منه، ولكن هذا يحتاج الى مصادقة المجلس.
وقال: "من المتوقع عقد اجتماع مجلس إدارة المؤسسة الأسبوع القادم لنقاش وتدارس وإقرار التوصية بالتغليف الموحّد للسجائر ومنتجات التبغ، وإذا احتاج الأمر اتخاذ القرار من مجلس الوزراء سيتم رفعه بتنسيب من لجنة مجلس إدارة المؤسسة".
قضية قانونية من شركات الاستيراد ضد تطبيق القرار الإسرائيلي في السوق الفلسطينية
وبحسب م. حجة فانه علم "بتدخل وزارة المالية، لتأجيل مدة تطبيق القرار الإسرائيلي الذي كان من المفترض البدء بتنفيذه اعتبارا من 1/1/2021، ولكن تمكنت الوزارة من تأجيله حتى 31/3 لتمكين شركات استيراد السجائر والتبغ من تصويب أوضاعها، وعلمنا أيضًا أن هذه الشركات رفعت قضية قانونية ضد تطبيق القرار الإسرائيلي، استنادًا للاتفاقيات الموقّعة حيث لا يحق للجانب الإسرائيلي أن يفرض علينا هذه المتطلبات، وبالنتيجة ما زال الموضوع معلّقًا ما بين وزارتي المالية الفلسطينية والاسرائيلية مع الارتباط المدني وما بين القضية القانونية المرفوعة، لذا لم يبت بالقرار بشكل نهائي".
وأضاف حجة: "أما عن ما يترتب عليه من مخاوف اتساع التهريب أو تضرّر ايرادات الخزينة فهذا يحتاج الى دراسة".