رام الله-أخبار المال والأعمال-أظهرت البيانات المالية للقطاع المصرفي الفلسطيني حتى نهاية العام المنصرم 2020 مدى قوة القطاع المصرفي الفلسطيني وتحمله للصدمات وقدرته على مواصلة خدماته دون انقطاع، بالرغم من الأزمات التي مر بها الاقتصاد الوطني خلال العام المنصرم والتي تمثلت بالأزمة الصحية الراهنة الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وأزمة المقاصة وما نتج عنها من انقطاع رواتب موظفي القطاع العام، وتأخير صرف المستحقات للقطاع الخاص والموردين والمشاريع التطويرية التي تنفذها الحكومة.
وأشارت البيانات المالية إلى أن القطاع المصرفي حافظ على قوة مؤشرات السلامة المالية على صعيد الملاءة المالية لرأس المال، وتوفر السيولة النقدية. وعليه، بلغت نسبة كفاية رأس المال في نهاية العام الماضي 2020 حوالي 15.7% وهي أعلى من الحد الأدنى لنسبة كفاية رأس المال المحددة بموجب تعليمات سلطة النقد بنسبة 13%، في حين بلغت نسبة النمو في إجمالي الأصول 10.93% حتى نهاية العام الماضي.
وعملت سلطة النقد على تعزيز توفر السيولة النقدية في القطاع المصرفي، وتمكينه من الاستمرار في تقديم التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص والمشاريع المتضررة من الأزمة وكذلك تقديم الائتمان للحكومة لتمكينها من تسديد التزاماتها المالية والحفاظ على الدورة الاقتصادية في ظروف استثنائية؛ فأصدرت سلطة النقد التعليمات التنظيمية للمصارف اللازمة لتوفير وضخ سيولة إضافية في الاقتصاد، إضافة إلى تدخلها المباشر لضخ السيولة بين فترة وأخرى خلال الفترات الماضية.
ولعب القطاع المصرفي دورًا أساسيًا في المحافظة على استمرارية دوران عجلة الاقتصاد الفلسطيني، وشكّل أداة أساسية لاستمرار عجلة التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال توجيه سياساته الائتمانية للقطاعات المختلفة، سيما الإنتاجية منها، فقد نما إجمالي التسهيلات المباشرة حتى نهاية العام الماضي 2020 بنسبة 12%، وبلغت 10 مليار دولار، مقارنة مع 9 مليارات دولار خلال العام 2019.
وتشير البيانات إلى أثر تفعيل أدوات تعزيز الاستقرار المالي، عبر تحفيز سلطة النقد للبنوك ومنحها امتيازات لتقديم تسهيلات لقطاعات اقتصادية هامة وحيوية لاسيما القطاعات الإنتاجية والصناعية والصحية، فكانت 78٪ من التسهيلات المصرفية من نصيب القطاع الخاص ممثلة بمختلف القطاعات الاقتصادية، فقد شكّلت التسهيلات الممنوحة لقطاع العقارات والإنشاء 18%، وقطاع التجارة العامة 15%، وقطاع الخدمات (الصحة والتعليم والاتصالات وأصحاب المهن) 11.2%، وتمويل السلع الاستهلاكية وقروض تحسين السكن 13.8%، وقطاع الصناعة والتعدين 4.7%، والأراضي 3.2%، وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية 1.5%، والقطاع السياحي 0.9%، والنقل والمواصلات 0.3%، وتمويل الاستثمار بالأسهم والأدوات المالية 0.4%، وقروض تمويل شراء السيارات 4%.
وتؤكد المؤشرات المصرفية استمرار ثقة المواطن الفلسطيني بالقطاع المصرفي واستقراره ومتانته خاصة خلال فترة الجائحة، فقد نمت ودائع العملاء في المصارف بنسبة 13.09٪ وبلغت 15 مليار دولار في نهاية عام 2020 أي بزيادة مقدارها حوالي 2 مليار دولار عن العام 2019، وتوزعت جغرافياً بنسبة 90.6% في الضفة الغربية، و9.4% في قطاع غزة.
وكان لبرنامج "استدامة" لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر الذي أطلقته سلطة النقد مع بداية جائحة كورونا، دورٌ هامٌ في المساهمة في استدامة وتغطية المصاريف التشغيلية للعديد من المنشآت الاقتصادية التي تضررت من جائحة كورونا، فقد بلغ رأسمال المنشآت التي تم تمويلها من قبل البرنامج ما يقارب 300 مليون دولار، وذلك من خلال توفير تسهيلات ائتمانية لها بما يزيد عن 65 مليون دولار، مما ساهم في الحفاظ على ديمومة عمل حوالي 11 ألف موظف وعامل في تلك المنشآت، وتقوم سلطة النقد حاليًا على تطوير برنامج استدامة ليكون برنامجًا دائمًا ضمن معايير تمكن شرائح أوسع من المجتمع للاستفادة منه، للمساهمة في التنمية الاقتصادية وبما ينسجم مع خطة الحكومة للتنمية.
وفي إطار مواكبة التطورات المتسارعة في قطاع التكنولوجيا المالية، وبهدف تحقيق استراتيجية سلطة النقد في مجال الشمول المالي، فقد بادرت سلطة النقد بتطوير البنية التحتية لأنظمة وأدوات الدفع الإلكترونية والسماح بإدخال التكنولوجيا المتطورة في مجال التقنيات المالية بهدف تقديم خدمات مالية لكافة الشرائح، قامت سلطة النقد بترخيص خمس شركات جديدة تقدم خدمات المدفوعات الإلكترونية، وذلك بهدف تطوير وسائل الدفع بالتجزئة وتوسيع نطاق استخدامها وتمكين كافة الأفراد من إتمام معاملاتهم المالية بيسر وسهولة وأمان دون التقيد بالحدود الجغرافية، وضمان شمولية هذه الخدمات للمناطق المهمشة، إضافة لقطاع الشباب لدوره الهام في تعزيز ثقافة الدفع الالكتروني.
كما عملت سلطة النقد في هذا الإطار على تشغيل نظام المقاصة الإلكترونية، التي تعمل بمبدأ تبادل صور الشيكات ومعلوماتها إلكترونيًا، دون تبادل أصل الشيكات الورقية، لأغراض تنفيذ عملية التقاص ما بين المصارف العاملة في فلسطين، وتحصيلها لصالح المواطنين؛ الأمر الذي يعني تسريع دوران الأموال والسيولة النقدية في الاقتصاد المحلي، مما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني والمصارف والمواطن على حد سواء، وتعزيز الثقة في الشيك كأداة وفاء، وتخفيض فترة التقاص بشكل تدريجي لتصل إلى يوم عمل أو أقل، وخفض فترة الأموال العائمة.
وفي مجال المصرفية الإسلامية فقد نشطت الهيئة العليا للرقابة الشرعية العديد من القرارات والفتاوى بشأن إجازة المنتجات والخدمات المالية التي تمارسها المصارف الإسلامية ومؤسسات الإقراض المتخصصة، وبيان أحكامها وآليات شروط تنفيذها لتتفق تمامًا مع أحكام الشريعة الإسلامية والمعايير الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وتؤكد سلطة النقد على استمرار جهودها في كل ما يسهم في تحقيق استقرار القطاع المصرفي الفلسطيني ونموه وتطوره ومتانته، وخفض حجم المخاطر التي قد يتعرض لها النظام المصرفي بشكل خاص، والنظام المالي بشكل عام، إلى جانب تعزيز الشمول المالي في فلسطين، والمساهمة في عملية التعافي من آثار الأزمة المالية الناجمة عن فيروس كورونا وتداعياته، واتخاذ التدابير اللازمة لدعم عجلة النمو وتحقيق معدلات نمو أفضل من السنة الماضية على مستوى الاقتصاد الوطني.