رام الله-الأناضول-ينتظر نحو 133 ألف موظف في السلطة الفلسطينية، رواتبهم عن شهر مايو/ أيار الماضي، لكن آمالهم بصرفها تتلاشى مع دخول الأسبوع الثالث على استحقاقها دون بوادر على توفر إيرادات تكفي لصرف ولو جزء منها.
والأحد، قال المتحدث باسم الحكومة إبراهيم ملحم، في مؤتمر صحفي، إنه لا موعد لصرف رواتب الموظفين، لعدم تمكن وزارة المالية من توفير قيمتها.
وشهدت إيرادات السلطة الفلسطينية، تراجعا حادا في مايو، نتيجة توقفها عن استلام عائدات المقاصة مع إسرائيل بسبب القرار الفلسطيني وقف التنسيق بين الجانبين، وأيضا للتراجع الحاد في الجباية المحلية بسبب جائحة كوونا.
تظهر بيانات لوزارة المالية اطلعت عليها الأناضول، أن الجباية المحلية تراجعت في مايو إلى حوالي 40 مليون دولار، منخفضة بأكثر من 60 بالمئة عن معدلها الشهري (حوالي 110 ملايين دولار) بسبب جائحة كورونا.
وبفقدان عائدات المقاصة مع إسرائيل بالكامل، ويبلغ معدلها حوالي 200 مليون دولار شهريا، تكون إيرادات السلطة الفلسطينية تراجعت بنسبة 90 بالمئة في مايو عنها في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2020.
وكانت السلطة قد أعلنت حالة طوارئ صحية في 5 مارس/ آذار لمدة 30 يوما، ثم مددتها لشهرين آخرين، وما زالت سارية حتى الآن، تخللها منع للحركة ووقف شبه تام للأنشطة الاقتصادية لمدة شهرين.
وبحسب أرقام وزارة المالية، فإن الدعم الخارجي الذي تلقته السلطة في مايو بلغ 28 مليون دولار فقط، ما يعني أن كل ما حصلت عليه السلطة من إيرادات في مايو لا يتجاوز 68 مليون دولار، تغطي حوالي خمس النفقات العامة الشهرية فقط، البالغة حوالي 300 مليون دولار.
وقال مسؤولون فلسطينيون في 3 يونيو/ حزيران الجاري، إن السلطة رفضت استلام عائدات المقاصة من إسرائيل لاشتراط الأخيرة عودة التنسيق بين الجانبين.
وأوقفت السلطة التنسيق منذ إعلان الرئيس محمود عباس في 19 مايو الماضي، أن السلطة في حل من الاتفاقيات مع إسرائيل بما فيها الأمنية، وذلك ردا على خطط إسرائيلية بضم أجزاء من الضفة الغربية، يتوقع البدء بتنفيذها مطلع يوليو/تموز المقبل.
وعائدات المقاصة، هي ضرائب يدفعها الفلسطينيون على وارداتهم من الخارج عبر منافذ تسيطر عليها إسرائيل، وتجبيها الحكومة الإسرائيلية نيابة عن السلطة، وتحولها إلى الخزينة الفلسطينية نهاية كل شهر بعد اقتطاع عمولة 3 بالمئة.
وتشكل المقاصة أكثر من 60 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية.
وهذه ليست الأزمة الأولى التي تعيشها السلطة الفلسطينية بسبب توقف عائدات المقاصة، إذ أقدمت إسرائيل على احتجازها لأكثر من 10 مرات منذ قيام السلطة الفلسطينية في 1994، فيما يقول الفلسطينيون إنه ابتزاز إسرائيلي لمواقف سياسية.
يرى مختصون أن الأزمة المالية التي دخلتها السلطة حاليا، تختلف بشكل كبير عن أزمات سابقة، سواء في هيكلها أو حجمها، إذ تأتي في وقت تمر فيه بأزمة مالية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا.
وبدأت الأزمة الاقتصادية بسبب كورونا، قبل أن تتعافى المالية العامة الفلسطينية من أزمة مقاصة أخرى امتدت بين شهري فبراير/شباط وسبتمبر/أيلول 2019، وتركت آثارا سلبية على الاقتصاد الفلسطيني.
وفي أزمات سابقة، لجأت الحكومة الفلسطينية للاقتراض من البنوك المحلية لتتمكن من تسديد جزء من التزاماتها، خصوصا رواتب الموظفين، التي تشكل المحرك الأساسي للاقتصاد، أو أجزاء منها على الأقل، لكن هذه المرة يبدو أن قدرتها على الاقتراض آخذه بالنفاد.
مدير أحد البنوك الوافدة العاملة في الأراضي الفلسطينية، يقول إن هذه الأزمة أتت بعد انخفاض الإيرادات بشكل حاد نتيجة كورونا، وبعد أزمة مقاصة واجهتها السلطة العام الماضي.
ويوضح مدير البنك في حديثه للأناضول، مفضلًا عدم نشر اسمه لأسباب تتعلق بسياسة البنك، إن وزارة المالية الفلسطينية تجاوزت سقوف اقتراضها من البنوك.
ويضيف: "حيث لم تستطع (السلطة) تأمين قرض مجمع بـ 400 مليون دولار كانت طلبته لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، ولم تسحب منه سوى 30 مليون دولار".
وحتى نهاية مايو/ أيار، بلغ حجم مديونية السلطة الفلسطينية للبنوك المحلية 1.627 مليار دولار، إضافة إلى 1.1 مليار دولار ديون خارجية نصفها لصندوق يديره البنك الإسلامي للتنمية.